الجناية جرت برلمانيا قياديا حزبيا للمساءلة والقانون الجنائي يشدد العقوبة أكثر في حالات معينة منذ خرج قانون مكافحة الاتجار بالبشر لحيز الوجود، أسقطت بنوده متهمين توبعوا أمام المحاكم وعوقبوا عقوبات متفاوتة لم تصل بعد للأشد في حالات معينة. جلهم ليسوا بحجم الثقل السياسي والمالي لآخرين طوقت الجناية أعناقهم، ليتأكد أن لا أحد فوق القانون، مهما علا شأنه ونفوذه وحمته علاقاته. متابعة البرلماني التجمعي رشيد الفايق بهذه الجناية من طرف الغرفة الجنحية باستئنافية فاس، فتحت نقاشا موسعا حول شمولها أشخاصا متحصنين بما اكتسبوه من نفوذ مالي وسياسي. ولم يكن الوحيد، فقد سبقه قياديون بأحزاب بمن فيهم مسؤول العدل والإحسان بمكناس، وقد يلحق بهم كل من يستغل ضعف شخص وحاجته لاستغلاله. إعداد: حميد الأبيض (فاس) يواجه البرلماني التجمعي رشيد الفايق جناية أثقل مما أوخذ به في ملف "مافيا العقار" بجماعة أولاد الطيب التي ترأسها، وأدين فيه بست سنوات سجنا نافذا. جناية "الاتجار بالبشر" تطوق عنقه من جديد، وقد ترفع عقوبته بسببها، سيما أن ضحيتها عضو شبيبة الحزب "تعاني من وضعية إعاقة" و"معروفة بضعف قواها العقلية". الغرفة الجنحية باستئنافية فاس، أمرت زوال الاثنين الماضي بمتابعته بهذه الجناية ولأجل الاغتصاب الناتج عنه افتضاض. وهذا القرار جاء بعد أقل من أسبوع على تأجيل محاكمته استئنافيا في الملف الأول، إلى 3 ماي المقبل. وملفه الجديد يوجد بين يدي قضاة الغرفة الجنائية الابتدائية، المنتظر شروعها في محاكمته بعد أسابيع. الأمر القضائي الجديد أصدرته الغرفة وألغى قرار قاضي التحقيق في الغرفة الثالثة، بعدم متابعته بتلك التهم الثقيلة، الذي استأنفه الوكيل العام. وهو ثاني قرار لها في الملف نفسه، بعدما ألغت قراره تسريحه مقابل 4 ملايين سنتيم. وتابعته في حالة اعتقال وفق ملتمسات المسؤول الأول على النيابة العامة باستئنافية فاس. استغرق التحقيق التفصيلي معه ثمانية أشهر، بعدما أحيل ملفه على محكمة الاستئناف بقرار من قاضي التحقيق بابتدائية فاس قضى بعدم الاختصاص للبت فيه، لأن المنسوب إليه يكتسي طابعا جنائيا. قرار اتخذ بعد مدة طويلة استغرقها استنطاقه، بعدما سرح مقابل مليوني سنتيم كفالة، أثناء إحالته حينها على النيابة العامة. الفتاة توارت عن الأنظار وغابت بشكل غريب عن جلسات التحقيق رغم اللجوء لكل الطرق القانونية للتبليغ منذ أول جلسة استنطق فيها إعداديا. والمتهم أنكر هتك عرضها أو فض بكارتها أو استغلال حاجتها وفقرها لاستغلالها جنسيا. وتشبث بالإنكار في كل المراحل وفي سنتين دامهما استنطاق قاضيي التحقيق بابتدائية واستئنافية فاس له. أصل الحكاية في صيف 2020 تداول الفاسيون أشرطة فيديو وصورا تظهر الفتاة وكانت تنشط في شبيبة التجمع الوطني للأحرار بمقاطعة المرينيين، شاكية باكية دامعة العينين. سردت تفاصيل استغلالها الجنسي من قبل هذا البرلماني، بل حاولت الانتحار. وقامت ضجة كبيرة وتوسع انتشار ما وثقته صوتا وصورة. تداول تلك القرائن لم يحرك ساكن البحث ولم يكن له أثر قانوني، إلا من غضب مكتوم للشارع الفاسي. الفتاة تتهم والبرلماني ينكر، ويتهم جهات بابتزازه وتشويه سمعته السياسية، بل أوقع بثلاثة أشخاص، وهم حارس أمن خاص وموظف جماعي يشغل مسؤولا نقابيا، وتاجر أوقف قرب مقهى متلبسا بحيازة 50 مليون، بعد أن اتهمهم بالابتزاز. اتهمهم بطلب المبلغ نظير الصمت وعدم نشر تلك الفيديوهات، وتنازل لاحقا عن شكايته وطلباته ضدهم، بعد إيداعهم سجن بوركايز وإحالة ملفهم على غرفة الجنح التلبسية التي أدانت اثنين منهم بستة أشهر حبسا نافذا وألفي درهم غرامة لكل واحد منهما لأجل الابتزاز، ونصف العقوبة للتاجر ابن أخت النقابي لأجل المشاركة في الابتزاز. الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بولاية أمن فاس، أوقفتهم تباعا بعد نصب كمين وتشكي البرلماني اتهم مهاجرا مغربيا بإيطاليا بمطالبته بالمبلغ ل"شراء" صمته. وأثناء تقديمهم أمام النيابة العامة، وقع ما لم يكن في حسبان أحد، بعدما قدمت الفتاة بشكل غريب، تنازلا لفائدة البرلماني بعد خروجه في تلك الفيديوهات، رغم أنه ليس متهما. الفتاة بثت فيديو آخر كذبت فيه ما جاء على لسانها في ما سبقه من منشورات، وإدلاؤها بالتنازل أثار شكوك النيابة العامة ففتحت ملفا موازيا أحيل على الوكيل العام الذي كلف الفرقة الوطنية بالبحث في ظروفه وصحة ما كشفته عنه الفتاة العضو في فرقة نحاسية، في شريط من 7 دقائق من استغلال جنسي وتهديد. سير سلحفاة اتهمت الفتاة، البرلماني الفايق باغتصابها في شقة يملكها وكشفت في خرجاتها صور دردشات بينهما تم تداولها على نطاق واسع عبر تقنية "واتساب"، وقامت "قيامة" الغضب، لكن انطلاق البحث في صحة ما ادعته وتراجعت عنه لاحقا، تأخر وزاد الموضوع لبسا، حتى أن الأمر وصل صداه إلى غرفة البرلمان في سؤال لوهبي الوزير الحالي للعدل. تحركت الفرقة الوطنية وحركت الماء الراكد في هذا الملف. واستمع للمتهم والفتاة شاهدة وأحيلت المسطرة على النيابة العامة أحالتها على قضاء التحقيق بابتدائية فاس للتثبت من صحة اتهامه ب"هتك عرض قاصر بدون عنف والاستغلال الجنسي لشخص معروف بضعف في قواه العقلية" طبقا للفصل 484 من القانون الجنائي. متع المتهم بالسراح مقابل مليوني سنتيم كفالة، وانطلق البحث التفصيلي معه ودام طويلا، وعاش فترات عصيبة تزامنا مع الحجر الصحي إبان انتشار فيروس كورونا. وحال مرضه ووضعه الصحي بينه والحضور، قبل وبعد اعتقاله وإيداعه على خلفية "ملف مافيا العقار" الذي يعتبره البعض "بداية انهيار سمعته المالية والسياسية". وإضافة للاستنطاق والمواجهة، أمر قاضي التحقيق بابتدائية فاس بإجراء خبرة تقنية على هواتف المتهم والفتاة، للتثبت من كل ما كشفته وحقيقة الدردشات الحميمية وما تبادلاه ويمكن بواسطته إثبات الفعل المنسوب إليه من عدمه، كما الأشرطة التي صورتها الضحية وتدوولت على نطاق واسع افتراضيا بين أهل فاس. تدقيق لغوي قال غسان باحو أمرسال، محام بهيأة فاس، إن المشرع أضاف جريمة الاتجار بالبشر للترسانة الجنائية المغربية من خلال القانون رقم 27.14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.16.127 بتاريخ 25 غشت 2016، في إطار ملاءمة قوانينه الداخلية مع الاتفاقيات الدولية. وبالتالي فإن لهذه الجريمة بعد دولي، وجاء في سياق المجهود الدولي لمحاربة نوع خطير من الإجرام العابر للحدود والمنظم. وأكد أن المشرع المغربي عرف الجريمة من خلال الفصل 1-448 من القانون الجنائي. وأبرز أن الاتجار بالبشر تجنيد لشخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ولاحظ باحو أمرسال أن المشرع توسع كثيرا في تعريف جريمة الاتجار بالبشر حتى أصبح يشمل حالات كثيرة تفوق بكثير ما استهدفه البروتوكول الدولي المتعلق بالجريمة والذي يستهدف مكافحة الجريمة المنظمة بكل أشكالها. وأوضح أمرسال أن المشرع خصص للجناية 14 فصلا وهي الفصول من 1-448 إلى 14-448، واعتبر بأن عقوبتها دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، هي السجن من 5 إلى 10 سنوات وغرامة تتراوح بين 10 آلاف درهم و500 ألف درهم. وأوضح أن الفصول من 3-448 إلى 5-448، خصصت لحالات تشديد العقوبة على المتورطين في الاتجار بالبشر. وأبرز أن العقوبة ترفع للسجن من 20 إلى30 سنة وغرامة تتراوح من 200 ألف درهم إلى مليوني درهم إذا ارتكبت الجريمة ضد قاصر دون الثامنة عشرة، أو إذا ارتكبت ضد شخص يعاني وضعية صعبة بسبب كبر سنه أو المرض أو الاعاقة أو نقص بدني أو نفسي أو ضد امرأة حامل سواء كان حملها بينا أو كان معروفا لدى الفاعل. كما تشدد إذا كان مرتكب الجريمة زوجا للضحية أو أحد أصولها أو فروعها أو وصيا عليها أو كافلا لها أو مكلفا برعايتها أو كانت له سلطة عليها. ولاحظ أن هذه الجريمة تحتاج إلى تدقيق لغوي في مصطلحاتها، وفق ما ينسجم مع أهداف البروتوكول الخاص بها، حتى تنسجم مع مبدأي الشرعية الجنائية والتفسير الضيق للقانون الجنائي. ويقول إن الصياغة الفضفاضة للنص قد تؤدي إلى التكييف الخطأ للأفعال، وبالتالي إدخال أفعال إجرامية أقل خطورة وشأنا في خانة الاتجار بالبشر، بما يخالف قصد المشرع الوطني وكذا الدولي في صياغة النصوص، ويؤدي بذلك إلى اختلال فلسفة العقوبة وأغراضها التي يجب أن تكون منسجمة ومتوازنة من خلال كل أجزاء القانون الجنائي بحسب الجريمة وخطورتها وأثارها، ويقول على سبيل المثال إنه لا يمكن لأي جريمة جنسية أن تتفوق في العقوبة على عقوبة جريمة الاغتصاب، ولا يمكن لأي عقوبة تتعلق بالمساس والاعتداء وإيذاء شخص أن تتفوق على عقوبة جريمة القتل . تشديد العقوبة تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مع متابعة نافذين بجناية الاتجار بالبشر، بكيفيات متباينة. وتراوحت مواقفهم وآراؤهم في تدوينات فيسبوكية وتعاليق تفاعلية، بين كشف الارتياح لتثبيت شعار "لا أحد فوق القانون" واقعا، والتخوف من تحول التهمة وسيلة للانتقام بتثبيت حبلها في أعناق من يمكن متابعتهم بتهم لا تحتمل التشديد. "ذنوب عباد الله، كان كيسرقهم والتفرعين" كلمات لا تخلو من تشف، خطها متفاعل مع خبر تحريك متابعة نافذ بهذه الجناية، فيما قال آخر إن "هد خونا غادي يغرقو ليه الشقف" عبارة أتبعها بضحكة إيموجين، ليرد عليه آخر ب"والضحك علاش؟. لا تضحك على عيوب الناس أو تتشفى فتبلى"، ليتدخل رابع أرزن، داعيا إياهم للتعقل. ويؤكد "المتهم بريء إلى أن يثبت العكس. والمتابعة لا تعني الإدانة"، فيما تفرق فريق آخر في طلبه تشديد عقوبة من يثبت استغلاله شخصا بأي شكل من الأشكال، كي يكون عبرة لمن يعتبر، ولتحقيق الردع الخاص والعام، إذ يؤكد إسماعيل "المغرب بلد المؤسسات والحق والقانون وليس هناك من هم فوق القانون من المنتخبين أو رجال السلطة". ويضيف "كل من يرتكب مخالفة أو يتورط في فعل إجرامي، يجب أن يحاسب وللقضاء كلمة الفصل الأخيرة"، ما زكاه متفاعل بالدعاء على الظالمين ب"الله ياخذ الحق فيهم". بينما يقول آخر "هدي غير دعوة المظلوم ومن ظلم سوف يظلم"، بينما علق محمد ب"القانون يحترم ويجب أن يسود ويكون فوق الجميع".