لا نحتاج إلى ذكاء خارق حتى نعرف ما إذا كان جلالة الملك لا يزال بالبيضاء، أم غادر إلى وجهة أخرى. فيكفي أن نتجول في ساعات متأخرة من الليل في بعض الأحياء والمقاطعات والشوارع الكبرى والمحاور والمداخل، حتى نعثر على الجواب الشافي. جواب تقدمه، بسخاء، مجموعات من عمال إنعاش ومياومين ومستخدمين في شركات النظافة والصيانة والكهرباء والماء والتطهير السائل، يفعلون المستحيل كي تحافظ المدينة على "بياضها". والواقع، أن ما فعلته مجموعة من العمال في ظرف أسبوع لم يفعله مسؤولو المدينة في سنوات، تركوا فيها الحبل على الغارب، وتساهلوا مع التجاوزات والاختلالات وتسامحوا مع لصوص الصفقات العمومية ومنجزي أشغال الطرق والصيانة، والبعض من هؤلاء المسؤولين "باع واشترى" في المدينة بالطول والعرض ما شاء له شيطانه ذلك. والحقيقة أن الزيارة الملكية جاءت، في الوقت المناسب، لتضع "حكام" المدينة في موقف لا يحسدون عليه، إذ ظهروا أمام الجميع في صورة أشخاص متخاذلين، وغير وطنيين ومستهترين بالمسؤولية، والأمانة التي تطوق أعناقهم أمام الله وأمام الملك وأمام الشعب. لقد أظهر وجود جلالة الملك في العاصمة الاقتصادية، أسوأ ما في مسؤولين تم اختيارهم، في وقت سابق، وفق معايير ومحددات لقيادة مشاريع مهيكلة كبرى، وتأهيل المدينة لرفع التحديات وكسب رهانات التنافس والجاذبية والاستقطاب في محيط إقليمي ودولي يدفع بمدنه الكبرى إلى واجهة الفعل والتقدم. أما نحن، فحين نتأمل المشهد من بعيد، نصل إلى خلاصتين اثنتين، الواحدة منهما أكثر ألما من الثانية: الخلاصة الأولى تتعلق بانعدام أي رابط بين بعض المسؤولين ومدينتهم، غير الراتب الذي يتقاضونه في نهاية الشهر وامتيازات السكن والتنقل والتعويض عن الاجتماعات والحضور، وما عدا ذلك، فهو مجرد ضياع للوقت والجهد بالنسبة إليهم. أما الخلاصة الثانية، يمكن اختزالها في الشعور بـ"الحكرة"، إذ في الوقت الذي تتقدم فيه مدن أخرى، مثل الرباط وطنجة، وتسعى إلى مقارعة بعض المدن الأوربية، وتتطور كل يوم بحضور الملك، أو غيابه، تتقهقر البيضاء إلى الوراء، حتى أصبح مجرد استبدال مصباح في شارع مظلم "إنجازا عظيما". لقد كانت البيضاء، إلى حدود الأمس القريب، ضمن طليعة المدن المغربية، التي تعزز ثقة المغرب في إمكانياته لربح مسارات من التطور والإنتاج والقيمة المضافة، قبل أن تتحول إلى "عالة" تستنزف ملايير الدراهم سنويا من خزينة الدولة دون عائد واضح على التنمية. لذلك بالضبط، لن تفلح مجموعة من عمال الإنعاش والمتعاقدين، مهما كابدوا من جهد، في إصلاح حال مدينة لن نتردد في القول إن القطار فاتها بمحطات كثيرة. فلن يصلح العطار ما أفسده الزمن. والتاريخ سيحاسب كل من أخطأ وأساء وغدر وخان البيضاء، مهما طالت الأيام.