أكثر العبارات تداولا، هذه الأيام، من قبل قاطني البيضاء وزوارها، وهم يلاحظون كيف انتقلت المدينة، في ظرف أقل من أسبوع، من نقطة تجمع سوداء لكل المساوئ والأعطاب والاختلالات، إلى "حاضرة" تنبض بالحياة والأنوار، وتتزين طرقها وشوارعها ومحاورها في النهار، وآناء الليل، وفي كل الأوقات. "الله يعز لحكام"، تلميح لوجود "قوة قاهرة" فرضت على مسؤولي المدينة، الخروج من مكاتبهم، والنزول إلى الشارع، لرتق العيوب وسد الثقوب، وإشعال المصابيح في الممرات المظلمة، وتلميع الواجهات والأرصفة، واستنبات أشجار الصنوبر والنخيل ومشاتل الورود وأصص الأزهار الملونة. "الله يعز لحكام"، هو صك إدانة، في الأول والأخير، لسنوات من العبث والاستهتار واللامسؤولية، مضافة إليها، هذه الأيام، جرعات من النصب والتحايل، إذ كان ممكنا أن تبقى دار لقمان على حالها، لولا قرار جلالة الملك العودة إلى المدينة، في إطار زيارة رسمية لتدشين مشاريع والقيام بزيارات تفقدية، كما اعتاد في السابق. فعوض أن تفرح البيضاء بزيارة جلالة الملك وتحتفي بها، ها هي الآن تندب حظها العاثر، وتحصي خسائر ابتلائها بمسؤولين أوصلوها إلى الحضيض، ووضعوها في موقع حرج مع عاهل البلاد، ويصرون على تقديمها على شاكلة مركز قروي، يحتاج إلى الجير والصباغة وزرع "النوار" في جنبات الطرق. لقد وضع مسؤولو المدينة أنفسهم في مأزق لا يحسدون عليه، وهم يقدمون الدليل القاطع على أنهم ثلة من الكسالى والمتهاونين، الذين لا يتحركون سوى في المناسبات الرسمية، ولا يؤدون الأمانة التي تطوق أعناقهم، ويتقاضون عليها أجرا من جيوب الشعب، إلا تحت الإكراه، وهو أسوأ ما قد يسجل في صحيفة مسؤول. ففي الحالات العادية، الخالية من مواد الغش والتدليس، كان مفروضا أن تشكل الزيارة الملكية حدثا متوقعا، للاحتفاء بنتائج مخطط ضخم للتنمية، الذي تعبأت له جميع قطاعات الدولة والمؤسسات العمومية والمكاتب الوطنية، ووقعت فصوله واتفاقياته العامة أمام الملك في أكتوبر 2014، وتضمن عشرات المشاريع على مدى 10 سنوات. لكن الذي وقع هو العكس، إذ غابت المنجزات والمشاريع المهيكلة الكبرى والنتائج الملموسة، وحضر العبث في صورة مقيتة، لعمال إنعاش ومياومين ومتعاقدين يصلون الليل بالنهار لسد الحفر وصباغة "الطروطوارات". فيا حسرة على المدينة، التي لم يحدث أن وصلت إلى هذا المستوى من التدني، أبطاله مسؤولون، نجحوا في مهمة واحدة، في عشر سنوات الماضية، هي رفع أرقام معاملات مصحات الطب النفسي وحصص العلاج من الاكتئاب والضغط. نجحوا في وضع خمسة ملايين مواطن في زنزانة ضيقة أطلقوا عليها شوارع وممرات وطرقا وقناطر وأنفاقا، وحكموا عليهم بالموت بالتقسيط المريح. فشكرا لكم أيها السادة على كل ما تقدمونه من وصفات للاستهتار بالمدينة ومصالحها وانتظارات مواطنين، خفضوا، كثيرا، من سقف طموحاتهم وأحلامهم، ولم يعودوا يطالبون سوى برحيلكم. فارحلوا عنا رحمكم الله. فلم يشعر البيضاويون قط بالخجل من أنفسهم ومن ملكهم، كما يحدث في هذه اللحظات. فعذرا "سيدنا".