البيضاء في رمضان… ساعات من الجحيم

طرق غير قادرة على استيعاب المركبات ومعاناة في أوقات الذروة ازداد مع حلول رمضان قلق البيضاويين بسبب الاكتظاظ المروري، الذي يستفحل أكثر في أوقات الذروة صباحا وعشية، إذ تشاهد طوابير الناقلات متراصة ولا تكاد تتحرك بضعة سنتميترات حتى تتوقف من جديد. وتحولت المدارات إلى حلبة للسباق نحو المرور، إذ يتحول دور رجال الأمن إلى فض الاشتباكات والتشابكات، فالسائقون يسابقون بعضهم للظفر بحيز من الطريق يمكنهم من خلاله فرض مركباتهم للمرور.... المصطفى صفر طريق دار بوعزة... الانتظار الممل لم تعد طريق أزمور تستوعب عدد الناقلات والمركبات التي تجتازها صباحا ومساء، سيما في وقت الذروة، وتتحول في بعض الأحيان إلى محجز للسيارات، سيما إذا تعلق الأمر بحادث سير أو بخلاف بين سائقي سيارتين، إذ تمتد طوابير السيارات من منطقة مدام لولا القريبة من مدارة "موروكومول" إلى مدارة الطريق الدائري "لاروكاد"، حيث يلتقي القادمون من مختلف الجهات، إذ لولا الوجود الأمني المستمر وإلى أوقات متأخرة من الليل، لما انفك تشابك السيارات بفعل رغبة القادمين من جهة استباق نظرائهم القادمين من الجهة الأخرى للولوج إلى "الرومبوان"، إذ أنها الضمان الوحيد للمرور. وتشغل المدارة عددا من رجال الشرطة لا يمكن أن يقل عن ثلاثة، إذ يعهد إليهم بتنظيم حركة السير، عبر دفع السائقين القادمين من جهة إلى التوقف لتمكين المقابلين لهم من المرور، وخلق تناوب في المرور يتماشى مع عدد الناقلات التي تملأ الطريق. عناء مصالح السير لا تتوقف المنبهات والضجيج، ويخترقها صفير صفارات رجال الشرطة، قبل أن يظهروا بزيهم الرسمي وبحركاتهم وتنقلاتهم المقرونة بإشارات، للإذن بالسير أو الأمر بالتوقف. مصالح المرور تؤدي ضريبة العشوائية التي دبرت بها منطقة دار بوعزة، إذ في الوقت الذي تزايد عدد السكان والمدارس والتجزئات والمدارس الدولية التي تستقطب التلاميذ من كل أحياء المدينة المليونية، ظلت الطريق نفسها التي تحمل الراغبين في التوجه إلى مناطقها ذهابا وإيابا، بل حتى برنامج تثليث الطريق من كل جهة، والذي كان يعول عليه في التخفيف من الاكتظاظ شيئا ما، لم ير النور، إذ توقفت العملية عند مدارة "لاروكاد" ولم تمتد لتتجاوزها نحو الجنوب في اتجاه دار بوعزة وطماريس. الرحمة ... "زحمة يا دنيا" كتب على سكان الرحمة أن يتعايشوا مع أشغال البناء وأشغال الطريق الوحيدة التي تربط هذه "المدينة" بوسط المدينة، سيما أن الروافد المؤدية إلى طريق أزمور، تعرف اكتظاظا وتنتشر ببعضها حفر تزيد من محنة السائقين للطاكسيات أوالسيارات الخاصة. إذ شهت الطريق أشغالا على مدى عشر سنوات كاملة، توسيع فهدم لإنجاز مدارات، ثم هدم وأشغال من أجل "الباصواي" وهي الأشغال التي مازالت جارية بعد أن انطلقت في 2019. المشكل أن الأشغال الجديدة والتي ينتظر أن تنتهي في غضون شهرين، ما أن اقتربت من الاكتمال حتى ظهرت عيوب بها، من خلال ملامح هندسية تؤشر عن عدم وجود دراسات قبلية ذات جدوى، وهو ما سيزيد الوضع استفحالا، ويسبب مضاعفة الاختناق المروري، ويكلف رجال الأمن مجهودات إضافية لتنظيم السير. المدينة مقبلة على إيواء الآلاف من السكان الجدد والمشاريع العقارية في تزايد، ما يلزم بالإسراع بإطلاق أشغال شق الطرق الموضوعة في تصاميم التهيئة، ومنها الطريق التي تمر من منطقة أولاد أحمد للوصول إلى ليساسفة، أو تلك التي تمر من الجهة الغربية غير بعيد عن مسجد تجزئة الصفوة، والتي أنيط إنجازها بالخواص من أصحاب المشاريع التي لم تبدأ بعد في الإنجاز، وينتظر أن تكون هذه الطريق المتنفس الفعلي لربطها بين المنطقة والحي الحسني. أشغال في القريب في وقت الذروة تتحول فترة الصباح بطريق أزمور، إلى كابوس حقيقي، إذ تتنقل السيارات بكثرة نحو الحي الحسني ووسط المدينة، وبسبب وجود مؤسسات تعليمية دولية، فإن حوالي 3000 سيارة تنقل فقط الطلبة والتلاميذ، وهي سيارات الأسرة ما إن تضع التلميذ حتى تعود إلى سبيلها، لتعود في المساء في الرحلة نفسها، أي أن هذه السيارات تقطع المسافة ذهابا وإيابا في وقت الذروة مرتين في اليوم، وتزيد من الاكتظاظ. اليوم لم يعد الحديث عن تثليث الطريق مطروحا، وحلت محله أخبار عن أشغال جديدة ستنطلق في طريق أزمور بشق أنفاق سيما عند المدارات لتسهيل المرور، وهي الأشغال التي يمكن أن تستغرق سنة أو سنتين، ما يعني أن سكان دار بوعزة، مازالت تنظرهم الكثير من المعاناة مع الطريق، والمشاق التي سيتكبدونها في سبيل الوصول إلى مقرات عملهم أو العودة إلى منازلهم. اكتظاظ طول العام وفي انتظار ذلك، فإن الاكتظاظ المروري بطريق مولاي التهامي لا يقتصر على رمضان بل يوجد على مدار السنة، وزاده أن شق طريق "الباصواي" لم يأخذ بعين الاعتبار الحاجات الملحة ولا طبيعة الطريق ونوعية الناقلات التي تستعملها، إذ أن الحافلات بدون محطات الوقوف، وما إن تقف وسط الطريق لنقل الركاب، حتى تحاصر جميع الناقلات التي وراءها، كما ينعدم بها المسار المخصص للدراجات النارية، رغم أن مدينة الرحمة تؤوي طبقات اجتماعية تعتمد أكثر على هذه الوسيلة في التنقل، بالإضافة إلى سيارات الأجرة. أصبحت تستغرق وقتا أكثر، بالنظر إلى العرقلة الواقعية الناجمة أساسا عن طريقة تشييد الطريق، وكذا بالنظر إلى المدارتين اللتين تفصل بينهما قنطرة، وهما مدارتان خطيرتان، كثيرتا الحوادث بسبب الاكتظاظ طيلة اليوم. ويضطر رجال المرور التابعون لمنطقة الرحمة إلى المرابضة ليل نهار، بالمدارات الكبرى وملتقى الطرق، لفك الاختناق وتنظيم المرور، إذ في حال اختفائهم تعم الفوضى وتتوقف الحركة أمام الاكتظاظ الكبير، الذي تعرفه الطريق في ساعات الصباح إلى حدود العاشرة، وكذا في المساء انطلاقا من الرابعة عصرا. وسط المدينة... رحلة العذاب القيادة في رمضان بالبيضاء عذاب شديد، يكلف السائق نفسيا وجسديا وذهنيا الشيء الكثير، وخلال ظرف زمني لا يتجاوز الساعة فقط، لدرجة صار الوصول إلى المنزل، خصوصا عصرا، دون التسبب في حادثة سير أو الدخول في تلاسن، كأنه انتصار وفتح مبين. للتأكد من الوضع الكارثي لحركة السير بالبيضاء، خصوصا في فترة الذروة في رمضان يكفي الوقوف على ظروف عمل سائقي سيارة الأجرة. يسود التذمر والغضب العديد منهم في تلك الفترة، لدرجة أنهم يرفضون الرحلات البعيدة أو إلى المناطق المشهود لها الاحتقان المروري، لأن مدخولهم اليومي يتأثر بشكل كبير ، في الوقت الذي هم مطالبون فيه بتسديد "الروسيطة" في المساء. تظهر حركة السير في الصباح عادية جدا بأغلب الشوارع الرئيسية بالبيضاء، وحتى في حال حدوث اكتظاظ مفاجئ تتم السيطرة عليه في الحال. برر مختصون ذلك أن وقت الصباح تستثنى فيه قاعدة كبيرة من العاملين في المهن الحرة من الانتقال إلى محلاتها التجارية ومكاتبها، منهم من يتأخر في الاستيقاظ، وآخرون يتعمدون التأخر في الخروج إلى العمل، إذ حين تراجع مستوى الضغط بالشوارع والأزقة التي تشهد ذروة كبيرة. أشغال تعرقل السير ساهمت أشغال بناء خطوط "الطرامواي" و"الباصواي" في التأثير بشكل كبير على حركة السير بأشهر الشوارع البيضاوية، إذ بعد أن كانت شاسعة، تقبل بمرور ثلاثة سيارات على خط واحد، تقلصت مساحتها، وصارت تكتفي بعبور عربة تلو الأخرى. قبل رمضان، تم التغلب على هذه العراقيل، وصارت حركة السير سلسلة وعادية، لكن في رمضان عادت الأمور إلى نقطة الصفر، وصار التجول بشارع حي القدس مثلا بمثابة انتحار، لا يمكن تفاديه إلا بتغيير المسار عبر شوارع متفرعة عنه، لكن الملاحظ أن هذا الحل بدوره غير عملي، إذ يتسبب في ضغط كبير على حركة السير بالشوارع الأخرى بل قد تتوقف الحركة فيها لفترة طويلة، إذا لم يوجد شرطي مرور يتولى مهمة تنظيم حركة السير. بعد الثالثة زوالا، تتحول أشهر شوارع البيضاء إلى رقع للشطرنج، أبرزها عبد المومن ومحمد السادس والزرقطوني وإبراهيم الروداني، دون الحديث عن شوارع اخرى بالعمالات تشهد اختناقا مروريا خطيرا. يتطلب المرور منها ذكاء ومهارة عالية، ووإلا سيجد المرء نفسه ينتقل كما السلحفاة في وجهته. في هذا الوقت يغادر الجميع مقرات عملهم، والوجهة الأسواق الشهيرة أولا، ثم المنازل لإعداد وجبة الإفطار. ورغم المجهودات الكبيرة لشرطة المرور، تضطر في مناسبات إلى الاستعانة بخدمات فرق الدراجين ورجال الأمن العمومي لتنظيم حركة السير، خصوصا ببعض المناطق البعيدة عن وسط المدينة. إلا أنه رغم هذه التضحيات يبقى الاكتظاظ موجودا، اللهم مسألة واحدة تساهم في راحة نفسية للسائقين وهي أنه في حضور شرطة المرور، سيتم القطع مع الفوضى والتسيب والتهور في القيادة التي يتورط فيها آخرون بهدف المرور أولا، وبالتالي فرض القانون والنظام. صارت حرك السير بالبيضاء أشبه بالجحيم، وهو ما أكده أنس، يبلغ من العمر 35 سنة، إطار في شركة خاصة، إذ يتذكر كيف قضى ساعة في رحلة كانت لا تكلفه في سيارته سوى 10 دقائق. ويوضح أنس أنه قرر التوجه من مكان قريب من حديقة "ياسمينة" الشهيرة وسط المدينة إلى تقاطع شارع الزرقطوني والمقاومة لنقل زوجته، فبالغ في تصديق حدسه، فقرر اختصار المسافة بالمرور عبر أزقة منطقة مرس السلطان"، ليكون أمام صدمة كبيرة، إذ كلفته الرحلة ساعة من الزمن وإرهاق ذهني كبير، وكاد أن يتسبب في حادثة سير، عندما حاول بشكل مفاجئ تغيير اتجاه صوب شارع آخر. كشف أنس أنه اضطر للنوم بعد دخوله المنزل ولم يستيقظ إلا بعد أزيد من نصف ساعة من أذان صلاة المغرب. "راسي يا راسي" الازدحام والاكتظاظ نفساهما تعيشهما العديد من الشوارع المؤدية إلى وسط المدينة، لدرجة أن سائقي سيارة الأجرة الصغيرة صاروا يتفادون المرور منها، وكل همهم البحث عن شوارع تشهد ضغطا قليلا، واستقطاب زبناء فيها. وكمثال، شارع موسى بن نصير الذي يبدو عاديا وهادئا سوءا في الاتجاه المؤدي إلى سوط المدينة أو الآخر المؤدي إلى شارع الزرقطوني، لكن سرعان ما تتعقد فيه حركة المرور من الاتجاهين، بسبب تفرع أزقة عديدة منه، وتمسك كل سائق بأسبقية المرور، ليختلط فيه الحابل بالنابل لكن تبقى "مدارة شيميكولور" أكبر شبح للبيضاويين، رغم استفادتها من أشغال التوسعة ، وبناء نفق "المقاومة" لتخفيف الضغط عنها، إذ ما زالت رمزا للازدحام الشديد والفوضى في القيادة، سيما خلال فترة الذروة. أهمية المدارة، أنها شبه "مصب" لخمسة شوارع مهمة بالبيضاء، وهي ابن تاشفين والمقاومة و"إميل زولا" وشارع خريبكة ومحمد الدويري، وجلها تؤدي إلى مراكز عمومية أو خاصة مهمة أو تجارية، على رأسها منطقة "درب عمر"، وسط المدينة أو منطقة عين السبع الحي المحمدي.يتنافس سائقو السيارات والشاحنات من مختلف الأحجام والحافلات بشدة على موضع قدم في مساحة لا تتعدى 40 مترا مربعا، لهذا يجب على كل سائق أن يدرس تحركاته جيدا، وأي خطوة متسرعة أو هفوة قد تكلفه حادثة سير أو تأخرا لدقائق أخرى، أو احتجاجات عارمة ومزعجة منبعثة من منبهات عشرات العربات. مصطفى لطفي

البيضاء في رمضان… ساعات من الجحيم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"السورسي" لقاصر متهمة بالسرقة

الحبس لمحام متمرن بالناظور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات