رسائل إلى بن طريف البرغواطي 9 ارتبط اسمه بثلاثة أحداث كبرى قلما تجتمع لقائد في كتابه "سبع رسائل إلى صالح بن طريف" يحاول الباحث والأديب شعيب حليفي إعادة كتابة تاريخ أربعة قرون ضائعة من التاريخ الرسمي المغربي، والتي تُعرف بإمارة برغواطة، ببلاد تامسنا، بمثابة رواية أخرى لما جرى انطلاقا من العودة إلى كل المصادر المعلومة. الكتاب محاولة لإعادة تركيب تاريخ في حكاية متحررة من حقائق "زائفة" بقيت طويلا، باعتبارها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية، أو عن أي سلطة خارجية.في هذه الحلقات نسافر مع صاحب "مساءات الشوق" في متنه التاريخي والأدبي، وهو يخاطب شخصية تاريخية لفها الغموض وكثرت حولها الأقاويل. إعداد: عزيز المجدوب تحية السمو أيها السيد المعتَبر في الأعالي.. كيف أصفُ لكَ والدكَ طريف بن مالك، الذي عشتَ إلى جانبه في السلم والحروب. كل عصر ينطق بما يروي عطشه. وقد كان النسب والشرف ينوبان عن الهوية وباقي القيم. غير أن طريفا الذي انتمَى إلى الحياة العامة والتاريخ، سيرسم للنسب خطا صاعدا وللهوية معنى شامخا. ولد طريف بن مالك المصمودي المسناوي بتامسنا مع الدخول الثاني لعقبة بن نافع (حوالي 651م)، والذي صادف أحداثا عظمى بالمشرق وتحديدا بالعراق. وكان والده عزيزا وعظيما لدى قومه من المصامدة وباقي القبائل الأمازيغية، وظل بيته من البيوتات الكبرى المعروفة بالسيادة والشجاعة والنوال، وقد أسلم في الفتح الأول مع عقبة، وثبت على إسلامه مع أغلب قبيلته. شبّ طريف مسلما ولما اشتدَّ عوده، اتخذ له رُفقة من الفرسان، فكانوا يتوجهون إلى طنجة ويقيمون بها ومنها يغيرون على ما جاورها في الضفة الأخرى، عابرين الزُّقاق بشوق الفارس إلى طرائده. وفي مقتبل العمر سيقيم صداقة مع طارق بن زياد النفزي الذي تولى افريقية تحت إمرة موسى بن نصير. ارتبط اسمه بثلاثة أحداث كبرى قلما تجتمع لقائد في تلك الفترة: أولا، هو أول من أعطى الإذن العسكري ببداية الفتح، بعدما أرسله موسى بن نصير باقتراح من طارق بن زياد في بعثة استطلاعية سرية إلى الأندلس، فخرج في أربع سفن عليها أربعمائة من المشاة ومائة فارس، ثم عاد يدعو إلى التعجيل بالفتح. ثانيا: ساهم في فك الحصار عن طارق بن زياد وجنوده الذين حاصرهم لُذريق، ملك الأندلس، وهم بوادي بَرباط، وكاد أن يبيدهم بجيشه الضخم، وينتهي أمر فتح الأندلس، بعدما "ظن الناس أنه الفناء". وقد كان لإرسال طريف على رأس خمسة آلاف فارس من طرف موسى بن نُصير، الأثر في حسم المعركة وبعدها تَحقق فتح باقي المدن. ثم جعله طارق عاملا على كورة شذونة بالأندلس والمشهورة بوادي برباط، بحصن شُريش، حيث كانت المعركة الفاصلة، وهناك أصبح حاكما، وجاء ببعض الأفراد من المصامدة وغيرهم من الذين عمّروا ذلك المكان. ثالثا: لم يرتكن طريف للحياة الباذخة، باعتباره فارسا وقائدا من الفاتحين، وعاملا أحرز انتصارا هو الحلقة الرئيسية لكل الانتصارات، ولكنه تخلى عن كل ذلك بعدما خان الأمويون طارق بن زياد وتنكّروا لموسى بن نُصير، فانتظر فترة ثم قام ثائرا برفقة ميسرة المدغري وآخرين، فحرروا بلاد المغرب، في ثورة فريدة ومشهورة، من ظلم الحكام الأمويين الذين أرادوا تخميس البربر واستعبادهم والحط من كرامتهم. وقد جعله ميسرة أميرا على الغرب من قبائل زناتة وزواغة، كما قال لسان الدين بن الخطيب. رابعا: تأسيسه لأول إمارة مغربية، إسلامية، لغتها الأمازيغية، ستُعرف بإمارة بُرغواطة وذلك سنة 739م،وستستمر مع ابنه وحفدته لأربعة قرون. وقد كانت وفاته سنة 743 ميلادية بعد أن عَمَّر اثنين وستين عاما، مخلفا أربعة أبناء، أصغرهم صالح الذي سيتولى الحكم بعده. هل تكفي هذه المعلومات المختصرة لفهم من يكون طريف بن مالك؟ إن التاريخ لا يكون تاريخا إلا بالأحداث الكبرى التي يصنعها الإنسان الأسمى، وطريف واحد من هؤلاء، لذلك، حفظ له المؤرخون مقامه بما أنجز، وحينما جاء مؤرخون آخرون من الموالين لجهات أخرى، ذات عداوة مع البرغواطيين، وبعد أزيد من قرنين، قاموا يشككون في نسبه من أجل التشكيك في البرغواطيين وألحقوا نسبه إلى ما ليس منهم، زورا وتلفيقا، وهي تهمة سياسية لا غير.