المحامي بهيأة مراكش دعا إلى الإسراع بحسم خلافات إحداث المجلس الوطني كثر الحديث منذ مدة عن التعديلات التشريعية التي قد تطول قانون مهنة المحاماة، غير أنه لحد الآن، لم تظهر أي بوادر لإخراج الصيغة النهائية لهذه التعديلات لحيز الوجود رغم أن هناك لقاءات وجلسات حوار ماراثونية بين وزير العدل وهيآت المحامين بالمغرب. وبدت الاختلافات أكثر حدة بين المحامين في صور جدل ونقاش حول آفاق المهنة، وكيف يريد المحامون ممارستها، ومنظور الدولة لهذه الممارسة.... في الحوار التالي يتناول الدكتور، الحسين الراجي، المحامي بهيأة مراكش، والرئيس السابق لنقابة المحامين، جوانب من هذا الجدل ومسيرة الإصلاح التي لم تتوج بعد بصدور القانون، وكذا وجهة نظره حول المجلس الوطني للمحاماة. وفي ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: المصطفى صفر هل ينم تأخر صدور قانون تنظيم مهنة المحاماة عن وجود خلافات عميقة؟ > المناقشات في هذا الورش بدأت منذ الحوار الوطني للإصلاح الشامل والعميق لمهنة المحاماة مع وزير العدل الأسبق الأستاذ مصطفى الرميد، حيث وصلت حدة الخلافات لدرجة التراشق بالبيانات والبيانات المضادة، وتهديد جمعية هيآت المحامين بالمغرب بالانسحاب من ذلك الحوار الوطني الذي توج أشغاله في آخر المطاف بإصدار توصيات تهم مهنة المحاماة سواء من حيث تنظيمها وهيكلة أجهزتها ومؤسساتها، أو من حيث الولوج إليها أو من حيث اختصاصات مؤسساتها وتركيبتها وغيرها من المواضيع. كما تواصلت هذه اللقاءات والمشاورات في عهد الوزيرين السابقين محمد أوجار و محمد بن عبد القادر، وإن بحدة أقل، وهي الحدة التي سترتفع وتيرتها مع الوزير عبد اللطيف وهبي، إذ وصلت في بعض الأحيان إلى حد المقاطعة والوقفات الاحتجاجية. رغم كل هذه التجاذبات، فإن القانون رقم 08/28 لسنة 2008 وهو الساري المفعول، لم يعد قادرا على استيعاب التحديات التي تواجهها المهنة بالمغرب، سواء على المستوى العددي والمتزايد لممتهني المحاماة، أو على مستوى مواكبة التطور الذي حققته الدولة بالنسبة إلى السلطة القضائية وأيضا لكتابة الضبط ولآليات اشتغال هذه المؤسسات في زمن رقمنة خدمات العدالة. هل معنى ذلك أن هذه الاختلافات هي التي تعيق الإسراع بالتعديلات المرتقبة؟ > لا أعتقد ذلك، لأن الاختلاف يفترض فيه أن يكون هو المحفز على الإسراع بتعديل أو بتغيير القانون، اللهم إذا لم تستطع أطراف هذا الخلاف، أو على الأقل أحدها، التمييز بشكل دقيق بين الخلاف والاختلاف، خاصة أن قانون المهنة لم يسن أصلا لفائدة المحامين، بل الغاية منه خدمة العدالة وتيسير تحقيق مصالح المتقاضين في إطار تشريعي واضح وشفاف يراعي حقوق الدفاع وشروط المحاكمة العادلة، ويجعل من المحامي ركنا أساسيا في منتوج العدالة وفقا للمعايير الكونية لمهنة المحاماة. فالمحاماة يجب أن تطبق في المغرب وفقا لما هو متعارف عليه دوليا، ولا ينبغي على الإطلاق في زمن الرقمنة والعولمة أن نبحث عن خصوصية مغربية للمحاماة، لأن ذلك يخالف نصوص دستور 2011، وخاصة تصدير هذا الدستور بحمولته الحقوقية الواضحة، والتي كانت موضوع استفتاء لكل المغاربة الذين صوتوا على هذا الدستور بنسبة 98,49 في المائة. ما هي في نظركم أهم النقاط الخلافية التي لا تزال قائمة بين الطرفين؟ > هناك العديد من المواضيع لم يتم بعد توحيد الرؤية بشأنها، والأمر راجع بكل بساطة لعدم الجواب على سؤال بسيط وهو: لماذا المحاماة؟ وبتعبير آخر: ماذا نريد من مهنة المحاماة؟ وبتعبير أدق: ما هو تصور الدولة لمهنة المحاماة؟ هل نرغب في محاماة تكون رافدا من روافد دعم وتقوية المؤسسات أم التشكيك في هذه المؤسسات، خاصة منها مؤسسة السلطة القضائية، حامية العدالة؟ فعندما نستطيع الجواب على هذه الأسئلة بشكل مجرد من أي تموقع حزبي أو إداري أو حتى أمني، فإننا لن نختلف بعد ذلك على ركائز ودعائم هذا القانون، لأنه آنذاك فقط سنكون محكومين محامين ودولة ومؤسساتها بمعيار واحد هو معيار العدالة التي لن تتحقق إلا عبر دفاع محصن بتشريع يضمن حقوق المتقاضين التي يعبر عنها بكل بساطة بحقوق الدفاع. المجلس الوطني للمحاماة مطلب أساسي ماذا عن المجلس الوطني لهيآت المحامين الذي بدأ الحديث عنه خلال اللقاءات الأخيرة بين وزير العدل وهيآت المحامين؟ هل يمكن أن تقربنا من هذا الشكل التنظيمي الذي اقترحه وزير العدل ويبدو أنه لا يحظى بموافقة المحامين؟ > أفضل القول بأن هذا المجلس لا يحظى بإجماع كل المحامين، بدل القول إنه لا يحظى بموافقتهم، لأن المجلس الوطني للمحاماة، لم يكن اقتراحا من وزير العدل كما يحاول البعض الإيهام بذلك، وإنما هو مطلب أساسي للمحامين منذ عدة عقود، وكانت نقابة المحامين بالمغرب سنة 2012 قد صاغت مقترحا بذلك قدمته لجهتين أساسيتين هما وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد، والحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة خلال ندوته المخصصة للمهن القضائية، وهو المقترح الذي أغضب آنذاك جمعية هيآت المحامين بالمغرب وبعض النقباء لأسباب قد يحين التفصيل فيها في مناسبة لاحقة. ورغم معارضة الجمعية لهذا المقترح، بل وتهديدها بالانسحاب من الحوار الوطني إذا ما تم قبوله، فإن التوصيات الصادرة عن هذا الحوار الوطني شددت على ضرورة إحداث المجلس الوطني، وهذا أمر يؤكد على أن المشاركين في ذلك الحوار الوطني، وبعد مناقشات عميقة خلصوا لأهمية إحداث هذا المجلس الوطني، الذي تحدث عنه المخطط الإجرائي لتنفيذ ميثاق إصلاح العدالة ووضع له أجندة زمنية لتنزيله على أرض الواقع لا تتجاوز سنة 2014، وهو موضوع الهدف الفرعي السادس للميثاق (الصفحة 167 من الميثاق). خلافات الاختصاصات والتركيبة ماذا عن مواقف الإطارات المهنية الأخرى للمحامين، هل لها موقف محدد من إحداث هذا المجلس الوطني؟ > سبق لي القول إن إحداث المجلس الوطني للمحاماة (أو لهيأة المحامين) هو مطلب للمحامين أولا وإذا كانت نقابة المحامين قد سبق لها، بصفتها كانت عضوا في هيأة إدارة الحوار الوطني، أن تقدمت بمقترح إحداث هذا المجلس، فهذا لا يعني أنها الإطار الوحيد للمحامين المتشبث بالمقترح، بل بالعكس تماما، فإن باقي الإطارات الوطنية الأخرى بدورها تطالب بإحداث المجلس الوطني، وأشير في هذا السياق إلى أن فدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب بدورها قد صاغت مقترحا لقانون المهنة خصصت منه بابا كاملا ل: "المجلس الوطني لهيآت المحامين بالمغرب" وتحديدا الفصول 110 وما بعدها من المقترح، والمخصصة لمكونات المجلس ولتأليفه واختصاصاته وسلطاته. كما أن الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب، سواء في صيغتها السابقة أو الحالية لها تصور عن المجلس الوطني، وصاغته في شكل مقترح متكامل ترافعت من أجله في عدة محطات، ورفعته للجهات المعنية بالتشريع. لكن جمعية هيآت المحامين بالمغرب رفضت المقترح، وهي المخاطب المعتمد من قبل وزارة العدل؟ > هذا أمر غير صحيح، فجمعية هيآت المحامين بالمغرب لم يصدر عنها أي قرار واضح وحاسم بشأن هذا الموضوع الذي يشكل نقطة خلافية بين مكونات الجمعية نفسها، فهناك العديد من النقباء الممارسين والسابقين، وكذلك أعضاء آخرون ضمن مكتب الجمعية عبروا عن موقفهم المؤيد لإحداث المجلس الوطني، وإن كانت هناك خلافات لم تحسم بعد وتتعلق أساسا ببعض اختصاصات هذا المجلس وتركيبته وعلاقته بالسلطة القضائية. أما من حيث المبدأ فإن جمعية هيآت المحامين بالمغرب لم ترفض لحد الآن فكرة المجلس، لكنها لم تطمئن للضمانات المتعلقة باستقلاله. وأشير في هذا الصدد إلى أن جمعية هيآت المحامين بالمغرب تربطها اتفاقية شراكة مع المجلس الوطني للهيآت بفرنسا، وهذا أكبر دليل على إعجاب الجمعية هنا بتجربة المجلس هناك في فرنسا، وبالأدوار التي يمكن أن يتولاها إلى جانب الجمعية بشكل تكاملي. حق أريد به باطل ولكن هناك من يرى أن إحداث هذا المجلس من شأنه حجب أدوار هيآت المحامين التي يبلغ عددها 17، ويقزم بالتالي من أدوارها في إطار الدبلوماسية الموازية التي تلعبها خاصة في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة في مختلف المنتديات المهنية القارية والدولية عندما يختزل عدد أصوات المحامين من 17 التي تشكلها الهيآت، إلى صوت واحد، هو صوت المجلس الذي سيمثل كل الهيآت، فما رأيك؟ > أعتقد أن هذا التحليل يدخل ضمن إطار: "الحق الذي أريد به الباطل"، فقضية الوحدة الترابية للمملكة شأنها شأن كل القضايا الوطنية لها أجهزة من الدولة كفيلة بالدفاع عنها، ونحن نساير حاليا كل هذه الانتصارات الدبلوماسية الرسمية التي يحققها المغرب مؤخرا وستلاحظ أن مهنة المحاماة لا توجد إطلاقا ضمن رهاناتها، فعلى المستوى العربي، ستلاحظ أن الدول التي تساند المغرب في قضاياه العادلة، تسانده وتدعمه انطلاقا من قرارات سياسية لتلك الدول، وليس بناء على مجرد توصيات مؤتمرات اتحاد المحامين العرب مثلا. وعلى المستوى الإفريقي فإن الدول التي تدعم المغرب في قضاياه، لا تربطها بالضرورة أية شراكات مهنية للمحامين، بل قد أجزم لك ألا وجود أصلا لأي هيأة من هيآت المحامين بالمغرب ضمن مكونات نقابات المحامين الأفارقة، فضلا عن ذلك فإن جمعية هيآت المحامين بالمغرب ليست عضوا في هذه التنظيمات المهنية الافريقية، فكيف يمكننا الحديث عن هذه الأدوار للدبلوماسية الموازية للمحامين في ظل عدم عضوية ونشاط هيآتهم في هذه الإطارات القارية والاقليمية. لذلك لا أقلل من دور المحامين ومؤسساتهم وإطاراتهم في الترافع عن قضايا الوطن، ولكني فقط أؤكد بألا خوف على القضايا الوطنية للمغرب من إحداث مجلس وطني للمحاماة، مادام أن لتلك القضايا ربا يحميها. أكثر من ذلك، أشدد على أن إحداث المجلس، لن يكون إلا دعما إضافيا لهذه القضايا، فقط ينبغي الوقوف بعناية على بعض الجزئيات المتعلقة بهذا المجلس، لذلك فقد سبق لي شخصيا أن اقترحت تسمية هذا المجلس ب "المجلس الوطني للمحاماة" وليس ل "الهيآت» حتى لا يحجب الهيآت وأدوارها ونضمن بذلك استقلال هذه الهيآت من جهة، وحتى يتسع لعضوية باقي الإطارات الوطنية الأخرى من جهة ثانية. كما أن المجلس لا ينبغي أن يكون ممثلا للهيآت، بل مؤسسة يمكن أن تكون مدخلا لدسترة مهنة المحاماة، وهو مطلب آخر لكل المحامين. في سطور - دكتور في الحقوق - محام بهيأة المحامين بمراكش - رئيس سابق لنقابة المحامين - له إسهامات عديدة في المجال الحقوقي - عضو فاعل في جمعيات تهتم بالأسرة والطفل