“نزالـة الردايـة”… نمـوذج الإقصـاء

أكبر تجمع صفيحي في مكناس يعيش على الهامش ويعاني سكانه المرض والإهمال "براريك" أو "دور القصدير" أو "أحياء الصفيح". تسميات مختلفة لفضاء جغرافي واحد، يجمع أكواخا وبيوتا ومساكن لا تتوفر على أبسط ظروف العيش الآدمي، إنه حي "نزالة الرداية" الذي يعد أكبر تجمع سكني صفيحي (3000) يقع على بعد مسافة لا تتعدى ثلاثة كيلومترات من مكناس، على مستوى الجهة الغربية، بالقرب من الطريق الرئيسية المؤدية إلى سيدي قاسم وزرهون، حيث يعيش فيه حاليا ما يفوق 1000 من الأسر المعوزة والفقيرة، في ظروف هشة ومزرية جدا تنعدم فيها أبسط شروط العيش الكريم، كما أنها تعاني غياب المرافق الاجتماعية والتربوية والصحية، وتعيش العزلة بسبب غياب وسائل النقل، إلى جانب حرمان معظمها حتى من الوثائق الإدارية. معاناة وقسوة "السكان الأصليون ل"نزالة الرداية" كان عددهم قبل ثلاثة عقود لا يتعدى مائة أسرة، وكان أغلبهم يتعاطون تربية المواشي وبعض الأنشطة الفلاحية المحدودة، ليتحول مع مرور السنين إلى أكبر تجمع سكني صفيحي تحتضنه مكناس، قبل أن يتم إلحاقه بالمجال الحضري في ما بعد، يقول فاعل جمعوي من أبناء المنطقة، في تصريح ل"الصباح"، مضيفا "إني أحمل اسم سعيد، لكن في الحقيقة لست سعيدا في هذا الحي الصفيحي المهمش منذ ما يزيد عن أربعة عقود، بسبب المعاناة الصعبة والقاسية للغاية التي يتخبط فيها سكان حينا المغلوب على أمرهم، حيث الظروف الاجتماعية لأغلب السكان مزرية جدا بسبب الحاجة والبطالة والفقر المدقع، ناهيك عن الحرمان والإقصاء الاجتماعي اللذين يخيمان على المنطقة بشكل يصعب وصفه. إذ كيف يمكن لسكان حي "الرداية" العيش في جو يسوده الانعدام الكلي للبنيات التحتية والمرافق الاجتماعية والتربوية والصحية، إلى جانب غياب وسائل النقل العمومي التي حرم منها السكان، رغم أن مساكنهم توجد على مرمى حجر من المدينة الإسماعيلية، وهذا ما يحز في النفس ويزيد حجم المعاناة لدى هذه الأسر متعددة الأفراد، ولدى التلاميذ والطلبة بالخصوص، الذين يجدون صعوبة في التنقل إلى المؤسسات التعليمية البعيدة عن أكواخهم التي تؤثث المنطقة، ما يدفعهم إلى قطع كيلومترات ذهابا وإيابا، وبشكل يومي، من أجل الوصول إلى مؤسساتهم التربوية قصد التحصيل، الأمر الذي جعل البعض منهم يعانق الهدر المدرسي في وقت مبكر"، على حد تعبير سعيد. تلوث بيئي هناك مشاكل أخرى خطيرة تتربص في كل لحظة بصحة وسلامة سكان "الرداية". وهي مشاكل متعلقة بالجانب البيئي، حيث الانتشار الكبير لمربي الماشية بشتى أصنافها والكلاب الضالة وسط السكان، الأمر الذي يزيد التلوث والمعاناة لديهم، رغم وجود دوريات وزارية تمنع تربية الحيوانات داخل التجمعات السكنية بالمجال الحضري، ناهيك عن أن هذه البؤرة الصفيحية الشاسعة توجد على مقربة من المطرح البلدي للنفايات، ما يسبب في انتشار كبير لمختلف الحشرات الناقلة للأمراض، كالذباب والبعوض وغيرها، إلى جانب انتشار ملفت للجرذان التي أصبحت تعيش جنبا إلى جنب مع السكان داخل بيوتهم، وتهدد أمن وسلامة أطفالهم الصغار على الخصوص، إذ سبق أن تعرض بعضهم إلى أضرار صحية بسبب عضات جرذان من الحجم الكبير، بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف المنبعثة من المطرح، ما حول حياة السكان إلى جحيم، خاصة أثناء ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف. مواطنون بدون وثائق معاناة أخرى لا تقل فظاعة عما سبقها، عاشها سكان المجمع السكني "الرداية" قبل عقد من الزمن، والمتعلقة بحرمانهم من مختلف الوثائق الإدارية مثل شهادات السكنى وأخرى إدارية تثبت هويتهم، الأمر الذي جعل أغلبهم لا يتوفر على البطاقة الوطنية، وتحت الحاجة الملحة، فقد لجأ بعضهم إلى استعمال عناوين أحد المعارف أو الأقارب بأحياء داخل المدينة بطرق مشبوهة وغير مشروعة، من أجل الحصول على بطاقة الهوية. ووفق مصادر مطلعة، فقد سبق لمديرية التعمير بمكناس قبل عقد من الزمن، أن وعدت بإعادة هيكلة حي "نزالة الرداية" برمته، إلا أن وعدها قد أجهض وسط الطريق وقبل تحقيق الهدف، حيث تم الشروع في إنجاز بعض الأوراش، كتبليط بعض الأزقة وربط بعض المساكن بقنوات الصرف الصحي وبالكهرباء والماء الصالح للشرب، كما تم إحداث سقايات للماء الصالح للشرب، قبل أن تتوقف هذه الأشغال في ظروف غامضة، كما هو الشأن بالنسبة إلى عملية تعبيد الطريق التي تربط هذا المجمع السكني المهمش بالطريق الرئيسية المؤدية إلى وسط مكناس، والتي توقفت بشكل مفاجئ هي الأخرى آنذاك، الأمر الذي خلف حالة من الغضب الشديد لدى السكان، الذين هددوا بتنظيم وقفات احتجاجية، بعدما أصبحوا يعانون العزلة أكثر مما كانوا في السابق بسبب توقف هذه الأشغال وتعرض هذا المحور الطرقي الهام إلى أضرار، أكثر مما كان عليه. العامل يدخل على الخط علمت" الصباح" من مصادر مطلعة، أن السلطات المحلية بالعاصمة الإسماعيلية في شخص عامل عمالة مكناس عبد الغني الصبار، وفي مبادرة قيمة هي الأولى من نوعها، قررت وضع حد لهذا الوضع المقلق والمأساوي بصفة نهائية لسكان "نزالة الرداية" الذين يؤثثون حوالي 300 "براكة"، بإخضاعهم لإحصاء دقيق تسوده الشفافية التامة في مرحلة أولى، ثم تأتي مرحلة تسوية الوثائق القانونية لسكان هذا الحي الذي كان في السابق تابعا للجماعة القروية الدخيسة، ضواحي المدينة، قبل ضمه إلى الجماعة الحضرية لمكناس، في إطار التقطيع الترابي السابق. وأصبح بإمكان السكان حاليا الحصول على شهادة السكنى شريطة إثبات إقامتهم بمنطقة "نزالة الرداية" عبر شهادة شخصين راشدين يحملان البطاقة الوطنية التي تؤكد إقامتهما بهذا المجمع السكني "الرداية"، وهو بمثابة اعتراف ضمني للسلطات المحلية بقاطني هذا الحي، بعد أن كانت السلطات المحلية المتعاقبة قبل عقد من الزمن، ترفض رفضا باتا تمكين السكان من الحصول على شهادة السكنى، ما أدى إلى حرمان العديد منهم من الحصول على الوثائق الإدارية القانونية، وبالتالي ضياع حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، من ضمنها الحق في الحصول على البطاقة الوطنية للعمل وإبرام عقود الزواج والتمدرس، بل الأخطر من ذلك، إقصاؤهم من المشاركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، بما فيها الاستفتاء على الدستور، مما يعني أن سكان "نزالة الرداية" أصبح الآن بإمكانهم الحصول على البطاقة الوطنية، وبالتالي تمتيعهم بحقوقهم القانونية والمشروعة والإدلاء بأصواتهم في كل الاستحقاقات المقبلة. حميد بن التهامي (مكناس)

“نزالـة الردايـة”… نمـوذج الإقصـاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تصريحات بايتاس حول "سامير" تثير الجدل

مواطنـون بـدون هويـة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات