سلطان الطلبة… تشبث بحضارة الأجداد

شباب من حفظة القرآن يحافظون على طقوس ضاربة في عمق تاريخ المملكة ترتبط عبارة سلطان الطلبة عند عدد من المغاربة، ببعض الإنتاجات السمعية البصرية والأفلام التلفزية، التي اشتغلت على هذا الإرث الثقافي المغربي، وفي وقت يعتقد البعض أن هذه الممارسات انقرضت، ما تزال عدد من مناطق وأقاليم وقرى المملكة، تحتفظ بهذا الإرث وترعاه، وتحييه بالطريقة نفسها، التي كان يحتفل بها الأجداد، بميلاد فقيه في حفظ القرآن، والعلوم الشرعية. وتراجعت هذه الطقوس في السنوات الأخيرة، غير أنها عادت بقوة، في إطار حملة شعبية للعودة إلى الذات عند المغاربة، سواء تعلق الأمر بموضة اللباس التقليدي أو إحياء الأغاني القديمة، أو الاحتفال بسلاطين الطلبة، في إشارة قوية للتشبث بحضارة وثقافة المغرب، التي كانت تعاني إهمال أهلها لها، تأثرا بموجات الحداثة والتكنولوجيا، التي أنتجها الغرب، واستهلكتها دول الجنوب بعد ذلك. وعادت الاحتفالات بسلطان الطلبة بشكل غير مسبوق في إقليم أزيلال، إذ أصبحت دور القرآن والكتاتيب تحتفي بخريجيها، على الطريقة القديمة، التي تسلم فيها شهادة للخريج على اللوح، ويمتطي حصانا للقيام بجولة في أرجاء القرية أو دروب المدينة، بحضور أعيان القبيلة وممثلي السلطة وممثلي الفقهاء، إضافة إلى أهل القبيلة والأطفال الذين يرغبون في دراسة العلم الشرعي، في شكل احتفالي أقرب ما يكون إلى عرس، تتردد فيه الأدعية وآيات قرآنية ومحفوظات دينية. واحتفل سكان واويزغت بإقليم أزيلال، بخريجي هذا الموسم، بعد إنهاء حفظ القرآن وتفاسيره المختلفة، وما تيسر من الأحاديث والتراث الفقهي عامة، بحضور أعضاء من المجلس العلمي لأزيلال، وأعيان القبيلة وحشود من السكان. ويرى شباب منطقة أزيلال المعروفون بحفظ القرآن، والحفاظ على كتاتيب تعليمه رغم بناء المدارس العصرية، في تعلم القرآن فرصة لنقل إرث أجدادهم إلى الجيل الحالي والقادم، إذ لا يتعلق الأمر بالقرآن فقط، بل بثقافة ومعرفة دينية لا توجد في مكان آخر، خاصة في ما يتعلق بطريقة الحفظ أو القراءة، التي لا تشبه باقي الطرق في المملكة أو خارجها، خاصة أنها متأثرة باللسان الأمازيغي، ما يعطيها رونقا ويربطها ببيئة نشأتها. ولا يقتصر التعليم العتيق واحتفالية سلطان الطلبة، على الطلبة الذكور فقط، بل يستقطب عدد كبيرا من الإناث، إذ يتعلمن بدورهن حفظ القرآن وأحكامه وجزءا من العلوم الشرعية، وهو ما سيفيد المغرب بشكل كبير في خطته المستمرة في الإصلاح الديني، إذ من الصعب محاربة الإسلام المتطرف بالنقد فقط، بل وجب إحياء طرق وأشكال إسلامية تنافسه، كما جرت العادة في المغرب منذ قرون. عصام الناصيري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو

مهرجان السنة الأمازيغية بإنزكان

تخفيض عقوبة هاتك عرض قاصر

مقالات ذات صلة