النيابة العامة… ترسيخ لسيادة القانون

التقرير السنوي الخامس أظهر التطور الإيجابي في عملها رغم الإكراهات وقلة الموارد البشرية مرت خمس سنوات على استقلال النيابة العامة وفصلها عن السلطة التنفيذية، في إطار اكتمال الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية، ليتم بذلك تشكيل البناء الحقيقي لذلك الاستقلال وتفعيل دور النيابة العامة المواطنة التي تهدف إلى الموازنة بين الحقوق والواجبات للمواطنين والسهر على تطبيق القانون دون مغالاة في ذلك. التقرير السنوي الخامس لرئاسة النيابة العامة، الذي صدر أمس (الاثنين)، يدخل في إطار التقارير التي دأبت على إصدارها، تنفيذا للمادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتكريسا لروح التواصل والانفتاح وتوفير الحق في المعلومة بشأن الإنجازات والنتائج التي تحققت لمناسبة تنفيذ النيابة العامة لمضامين السياسة الجنائية والصعوبات والإكراهات التي تواجه بها. إنجاز: كريمة مصلي حمل التقرير السنوي الخامس الذي أصدره الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، مؤشرات مهمة في شأن عمل النيابات العامة ومدى تجاوبها مع شعار النيابة العامة المواطنة، من خلال الانخفاض النسبي لمعدلات الاعتقال الاحتياطي، والذي طالما طالب به الحسن الداكي رئيس النيابة والتعامل الإيجابي مع قضايا الجرائم المالية ومحاربة الفساد والرشوة والتعامل مع شكايات الأجانب، وغيرها من القضايا الراهنة التي أظهرت فعالية وإستراتيجية رئاسة النيابة العامة في تدبيرها. شكايات الأجانب... أولوية في إطار المساواة تتخذ رئاسة النيابة العامة شعار المواطنة والمساواة في تدبير شكايات الأجانب، سواء المقيمين في المغرب أو السياح، المحالة عليها بشكل مباشر أو على النيابات العامة، مع إحالتها على البحث وتتبع مسارها، إضافة إلى خدمة الشكاية الإلكترونية التي أطلقتها رئاسة النيابة العامة في 2020، والتي ساهمت بشكل كبير خلال الجائحة في تدبير شكايات الأجانب لضمان استمرارية تظلمات المواطنين بصفة عامة والأجانب خلال فترة الجائحة. وبلغ عدد شكايات الأجانب الموجهة للنيابات العامة بجل المحاكم في 2021، ما مجموعه 859 شكاية، سجلت منها 44 شكاية برئاسة النيابة العامة مباشرة، بارتفاع ملحوظ عما سجل في 2020 والتي يعزى فيها ذلك الارتفاع إلى تخفيف القيود التي تم فرضها بسبب الجائحة، وحركت المتابعة في 7%منها وتقرر حفظ 32% ، ومازالت النيابة العامة تبحث في الباقي، وهي الشكايات التي تخص تعرضهم للسرقة أو الاعتداءات الجنسية ولو على قلتها أو النصب، فيما تخص تلك الموجهة لرئاسة النيابة العامة بشكل مباشر، التظلم من الإجراءات القانونية المتخذة من قبل بعض المحاكم في قضاياهم. محاربة الفساد والرشوة...الاستمرارية لم يعد الخط المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة مرتبطا بالأوقات الرسمية للإدارة بل أضحى من حق المواطنين التبليغ عن عملية ابتزاز ورشوة يتعرضون لها على مدار اليوم، إذ تقوم التطبيقات بتسجيل المكالمات وتخزينها على أن تتم معالجتها بعد ذلك من قبل الموظفين. واستقبل الخط المباشر منذ تأسيسه في 15 ماي 2018، إلى حدود 31 دجنبر ،2021 حوالي 59971 مكالمة بمعدل يصل إلى أكثر من 60 مكالمة يوميا، تتوزع بين التبليغ عن رشوة وتظلمات تهم الفساد المالي وأخرى تهم قطاع العدل وثالثة بشأن قطاعات حكومية أخرى ومؤسسات عمومية. وتمكن الخط المباشر على مدار الثلاث سنوات ونصف السنة من ضبط 205 مشتبه فيهم في حالة تلبس شملت القطاعات التي يتعامل معها المواطن بشكل يومي وبمناطق مختلفة من المغرب. وصدرت بشأن الحالات التي تم إلقاء القبض عليها ومحاكمتها، أحكام تنوعت بين البراءة لفائدة 16 شخصا، فيما تمت إدانة 12 متهمين بالحبس موقوف التنفيذ، والحبس من شهر إلى 6 أشهر في حق 103 متهمين، وأدين 19 متهما في تلك القضايا بالحبس من 6 أشهر إلى سنة حبسا نافذا، فيما ارتفعت العقوبة بين سنة وسنتين حبسا نافذا ل12 متهما، ولم يتعد المتهمون المدانون بأكثر من سنتين 3 متهمين. النتائج المحصل عليها في محاربة الفساد والرشوة لا تعد نهائية بالنسبة إلى رئاسة النيابة العامة، إذ أنها ترفع التحدي من أجل رفع مستوى الوقاية والتحسيس والحكامة وشفافية المساطر والخدمات العمومية، من أجل الحد من كافة مظاهر الفساد والقضاء على الرشوة. الجرائم المالية... فعالية في معالجة الملفات «لا تسامح ولا تأخير في النظر في الشكايات المتعلقة بالجرائم المالية»، هو شعار ترفعه رئاسة النيابة العامة في التصدي إلى كافة أشكال الفساد المالي، إذ أن سياسة رئاسة النيابة العامة تتمثل في حث النيابات العامة على التعديل بدراسة الشكايات المتعلقة بالفساد والسهر على سرعة وفعالية الأبحاث التمهيدية بشأنها واتخاذ كل ما يلزم للمساهمة في تجهيز الملفات، بغاية البت فيها داخل أجل معقول، فضلا عن تعزيز قدرات النيابة العامة في مجال الجرائم المالية بالإضافة إلى تفعيل التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال الفساد ومكافحته، والتفاعل الإيجابي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي أحيل منها على رئاسة النيابة العامة في 2021، ثمانية ملفات خمسة منها في مرحلة البحث وملف في التحقيق وملفان في المحاكمة. ولا يتوقف عمل رئاسة النيابة العامة بالنسبة إلى تتبع قضايا الفساد المالي، إذ عملت على رفع مستوى التنسيق والمواكبة مع النيابات العامة في تتبع قضايا الجرائم المالية لضمان معالجتها في أجل معقول، ما أسهم في نتائج إيجابية على مستوى النجاعة القضائية من خلال الإحصائيات الخاصة بنشاط جرائم المالية في 2021، إذ راج ما مجموعه 783 قضية، بانخفاض بنسبة 47.30 في المائة مقارنة ب2020، إذ يرجع هذا الانخفاض إلى جهود النيابات العامة في تصفية القضايا المزمنة بتسريع وتيرة الابحاث التمهيدية، وتجهيز القضايا وممارسة الطعون داخل الآجال والتعجيل بإحالة الملفات على الجهات القضائية غسيل الأموال... تحقيقات موازية وقف التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة على نقطة مهمة جدا تخص قضايا غسيل الأموال وما لها من تشعبات، إذ عمدت رئاسة النيابة العامة إلى تصفية الأبحاث الخاصة بتلك القضايا مع النيابة العامة المختصة بالرباط لتصفية المخلف من الأبحاث وتجهيز ملفات التحقيق والمحاكمة والبت فيها داخل أجل معقول. وقد مكن ذلك من إنهاء الابحاث التي كانت عالقة من بين 2011 و2017، إذ لم يتبق خلال مرحلة البحث سوى 31 ملفا عن 2017، و130 ملفا عن 2019، و174 ملفا عن 2020، وبالمقابل ارتفع عدد القضايا الرائجة في 2021 بالنظر إلى تزايد عدد القضايا المسجلة إلى 393 قضية، ويرجع بالأساس إلى التدابير والإجراءات التي اتخذتها رئاسة النيابة العامة لتفعيل التوصيات التي جاءت في تقرير التقييم المتبادل لمجموعة العمل المالي، والتي ترمي إلى فتح تحقيقات موازية في الجرائم الأولية التي تضبط فيها مبالغ مالية محصلة من الجريمة. ومكنت تلك التدابير من تقليص أمد البت في الدعوى العمومية وهو ما يظهر بشكل جلي في نسبة القضايا المحكومة أخيرا مقارنة مع السابق، إذ أنه منذ 2008 وإلى غاية 2017 تم تسجيل ثمانية أحكتم فقط، بينما صدر خلال الفترة ما بين 2018 و2021 ما مجموعه 84 حكما قضائيا. قضايا العقار... التماس عقوبات رادعة تعتبر رئاسة النيابة العامة أن حماية الملكية العقارية من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، خاصة أمام الآثار الخطيرة للاستيلاء على عقارات الغير على الأمن العقاري، إذ عملت خلال 2021 على مواكبة عمل النيابات العامة في معالجتها لقضايا الاستيلاء على عقارات الغير، بحثها على إيلاء الأهمية اللازمة لهذه القضايا, سيما عبر إجراء الأبحاث بالدقة والسرعة اللازمتين وتحريك المتابعات والتماس عقوبات رادعة، من خلال تعليمات مباشرة إلى وكلاء الملك والوكلاء العامين للملك للإشراف المباشر على الأبحاث التي تقوم بها الشرطة القضائية, حفاظا على حقوق الضحايا وصيانة للأمن العقاري، إذ أثمرت تلك الجهود على نتائج إيجابية على مستوى النجاعة القضائية في معالجة قضايا الاستيلاء على عقارات الغير، إذ لم تسجل أي قضية في مرحلة البحث, كما أن القضايا الرائجة خلال 2021 أمام المحاكم لا تتجاوز 43 قضية. وفي إطار تعزيز حماية الملكية العقارية واصلت النيابة العامة إصدار الأوامر بالعقل لمنع التصرف في العقار بناء على طلبات الضحايا كلما توفرت أسباب جدية، إذ صدر في 2021، 20 أمر بعقل عقار بناء على ملتمسات النيابة العامة. الجرائم الإرهابية... لا تسامح مع المتشددين في إطار تتبع رئاسة النيابة العامة لقضايا الإرهاب مع النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، باعتبارها المحكمة المختصة نوعيا على الصعيد الوطني في هذا النوع من الجرائم، سجلت115 قضية إرهابية في 2021 قدم بموجبها 152 أشخاصا أمام النيابة العامة، وتمت متابعة 119 منهم، بالإشادة بالإرهاب والتحريض عليه وتكوين عصابة لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية في إطار مشروع جماعي، يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام. وذكر تقرير رئاسة النيابة العامة أن هذه المعطيات تظهر الحفاظ على المنحى التنازلي نفسه في عدد تلك القضايا، أما في ما يتعلق بالعقوبات الصادرة في حق الأشخاص المتابعين، من أجل ارتكاب أفعال إرهابية، فقد تم الحكم على 30 متهما بالسجن لخمس سنوات او أكثر، وأدين 27 آخرون ما بين سنتين وخمس سنوات، والحبس الموقوف لثلاثة متهمين. التكوين... ضرورة للتميز لا تدخر رئاسة النيابة العامة جهدا في تعزيز القدرات الخاصة بقضاة النيابة العامة، من خلال التكوين المستمر لهم، إذ شهدت 2021 إجراء خمس دورات تكوينية جهوية حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي، استفاد منها 501 قاض بالنيابة العامة والمسؤولون القضائيون بالنيابات العامة وقضاة التحقيق ورؤساء غرف والهيآت المكلفة بالمعتقلين، كما تم تكوين آخر، هم الناطقون باسم النيابات العامة، أو في قضايا الإرهاب والجرائم المعلوماتية، أو غيرها من المواضيع التي ترتبط بأولوية السياسة الجنائية، أو تلك التي تتميز بنوع من الخصوصية أو التعقيد. ترشيد الاعتقال الاحتياطي... أولوية العمل رئاسة النيابة العامة تفعل بشكل حازم سياستها الجنائية في شأن ترشيد الاعتقال الاحتياطي باعتباره تدبيرا استثنائيا، لا يتم اللجوء إليه إلا إذا استوجبته الضرورة. وذكر التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة أنه في ظل الصعوبات التي فرضتها الجائحة عرف تدبير قضايا المعتقلين الاحتياطين بعض الصعوبات، ما نتج عنه بطء في وتيرة تصفية قضايا المعتقلين، إذ تراوح معدل الاعتقال الاحتياطي خلال النصف الأول من 2021، ما بين 44 في المائة و45 في المائة، لينخفض في النصف الثاني من السنة إلى 42.19 في المائة. وذكر التقرير استمرار عدد الأحكام بالبراءة الصادرة في قضايا المعتقلين في الانخفاض، إذ بلغ 1854 حكما بنسبة لا تتعدى 1.7 في المائة من مجموع المعتقلين، وهو ما يعكس الحرص المبذول من قبل النيابات العامة على عدم اللجوء إلى المتابعة في حالة اعتقال إلا إذا توفرت وسائل إثبات كافية في حق الأشخاص المشتبه فيهم. نقص كبير في عدد القضاة أثار التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة مشكلة النقص في عدد القضاة، مقارنة مع المهام الموكولة للنيابات العامة، وهو المشكل الذي طالما تم التأكيد عليه في التقارير السابقة لرئاسة النيابة العامة، والذي يفترض تعزيز عدد أعضائها ب1000 قاض على الأقل ليتناسب والاحتياجات اليومية، التي يتطلبها حسن الأداء العام للنيابات العامة وتخفيض النشاط السنوي لقضاتها البالغ 7489 إجراء إلى المعدلات المقبولة، خاصة أن التعديلات التي عرفتها الخريطة القضائية للمملكة بإضافة محاكم جديدة ومراكز للقضاة المقيمين، تتطلب توفير موارد بشرية إضافية لتغطية الاحتياجات المستقبلية، مع ضرورة تعزيز النيابات العامة بالعدد الكافي من الموظفين.

النيابة العامة… ترسيخ لسيادة القانون

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة تتمة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كمال في حفل بباريس

شكاية تفضح سرقة 800 مليون

مقالات ذات صلة