دروس المونديال

مازال مونديال قطر 2022 يلهمنا بالدروس، التي انطلقت منذ اليوم الأول، بتأكيد عبقرية الإنسان العربي، الذي أبدع واجتهد وتغلب على التحديات والصعاب، وأهدى للعالم صورا رائعة بألوان الحب والإخاء والتضامن والانتصار للقيم الكبرى. في المغرب، كان الدرس بتعبئة مضاعفة، إذ ربحنا في الوقت نفسه منتخبا وطنيا جسورا، يقارع منتخبات أعتى الأمم ويهزمها، ومدربا "فنانا" أعطى الدليل على وطنية وكفاءة "ولد البلاد"، وإدارة جامعية بحس عال من المسؤولية والتنظيم والحكامة، وجمهورا مستعدا للتضحية بكل شيء تقريبا، من أجل الحضور والمساندة والدعم، وإشعال المدرجات حماسا وتشجيعا دون انقطاع. بهذا الشغف، عشنا المونديال في دور الإقصائيات التي تصدر فيها المنتخب الوطني مجموعته السادسة، وقد نعيش ملحمة أخرى، غدا (الثلاثاء)، أمام إسبانيا، أو قد تؤول النتيجة إلى غير صالحنا، لكن الأهم الذي سيسجله التاريخ أن أسود الأطلس فازوا بكأس الاحترام الدولي، كما فاز الشعب المغربي بلقب حب الوطن والتعلق بالعلم الوطني وارتباطه بالأرض والرموز والمؤسسات. إن الحشود الغفيرة التي خرجت، الخميس الماضي، من طنجة العالية إلى تخوم الصحراء المغربية، والأطفال والشيوخ والنساء والحوامل والشباب الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات والميادين إلى ساعات متأخرة من الليل، يمثلون الشعب المغربي بكافة أطيافه، إذ لا يمكن لأي أحد أن "يتخلف" عن لحظة انتصار وفرح، إلا من كان في قلبه غل. إنه الحب التلقائي للوطن، الذي تفتق مقاومة مدنية ومسلحة ضد الاستعمار في خمسينات القرن الماضي، وتدفق أفواجا من البشر في مسيرة خضراء ظفرت باسترجاع أقاليمنا الجنوبية في سبعينات القرن الماضي، وهو نفسه الذي نراه ونلمسه ونحسه في مناسبات كرة القدم وباقي الملاحم الوطنية الأخرى. ففي هذه اللحظات الفارقة، يظهر المعدن الأصيل للمغاربة، وهو رأسمال غير مادي ينبغي استثماره، والاستثمار فيه إلى أبعد الحدود، كما فعلت أمم أخرى، جعلت من الارتباط بالأرض والوطن قاطرة للازدهار والتقدم، ورافعة للتطوير. فشعب عظيم بهذه الخصوصية التي قلما تجتمع في شعوب أخرى، يحتاج إلى مسؤولين في المستوى نفسه، يضعون الوطن فوق أي اعتبار، ويعشقونه بصدق لذاته، ويضحون من أجله، بدل أن يستعملوه قنطرة لقضاء مآربهم ومصالحهم. فما وقع في الأسبوع الماضي هو درس آخر، وفرصة للتقييم ومناسبة لمراجعة الأوراق، لأنه سيكون وصمة عار على جبين بعض المسؤولين في جميع القطاعات أن نقابل هذا الحب بالجحود، وهذا التعلق بالوطن، بمزيد من الاختلالات والممارسات المشينة، وبمزيد من النهب والسرقة، وانعدام المروءة والمسؤولية وقلة المحاسبة. إن المغاربة يستحقون تنمية مستدامة في جميع المجالات، تعزز ارتباطهم ببلدهم، وتعطي لهذا الحب الجارف معنى وقوة وفعلا. شعب يستحق سياسات عمومية في القطاعات الأساسية وفي الجهات والمدن والقرى، تؤكد لهم أن القائمين على شؤونهم يحبون هذا المغرب، بالقدر نفسه وأكثر. يحتاج إلى دليل بأن قلوب بعض المسؤولين وسيوفهم مع الوطن. وليس العكس.

دروس المونديال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يهنئ عاهل تايلاند بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني

مدربون مغاربة: المنتخب قادر على تحقيق نتيجة إيجابية أمام إسبانيا

مقالات ذات صلة