مراكش… الأرض “بتتكلم” سينما

أفلام ومخرجون عالميون في حضرة المدينة الحمراء تتواصل، اليوم (الخميس)، فعاليات الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بتقديم عروض للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، وكذلك لقاءات مفتوحة مع سينمائيين عالميين، منهم المخرج الإيراني أصغر فرهادي، والممثل البريطاني جيريمي أيرونز. في هذا الخاص تأخذكم "الصباح" إلى أجواء اليوم الخامس لهذه التظاهرة التي تحتضنها المدينة الحمراء، من خلال التركيز على أقوى فقرات هذا اليوم، منها اللقاء المفتوح مع المخرج والمنتج جيم جارموش، وكذلك تقديم شريط "البستاني الرئيسي" للمخرج بول شريدر في ثاني عرض عالمي له والأول له بالمغرب. إنجاز: عزيز المجدوب (موفد "الصباح" إلى مراكش) ـ تصوير عبد الرحمن المختاري "البستاني الرئيسي"... ثقل الماضي والخطايا صاحب "تاكسي درايفر" وضع خبرته الطويلة في فيلمه الجديد بخطواته الوئيدة التي أثقلتها السنون والتجارب، كان بول شريدر يخطو فوق البساط الأحمر للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مساء أول أمس (الثلاثاء)، وهو يرد التحايا على المعجبين وزوار المهرجان، ويعطي بعض التصريحات قبل أن يتوجه نحو القاعة التي يعرض فيها أحدث أفلامه الذي اختار له عنوان "البستاني الرئيسي" الذي عرض ضمن فقرة "العروض الاحتفالية". أطل شرودر (76 سنة) على جمهور "قاعة الوزراء" بقصر المؤتمرات، حيث يعرض شريطه الجديد الذي وضع فيه خبرة سنواته الطويلة في مجال السينما كتابة وتأليفا وإخراجا ومجاورة الكبار، والتي أسفرت عن ما يفوق ثلاثين عملا سينمائيا. ولا يمكن استحضار اسم بول شرايدر إلا وهو مقرون بأعمال كبيرة، من قبيل "تاكسي درافير" و"الثور الهائج" و"المحاولة الأخيرة للمسيح" لمارتن سكورسيزي و"اللقاء مع الجنس الثالث" لستيفن سبيربرغ، إضافة لسيناريوهات لأفلام مهمة كتبها وأخرجها مخرجون كبار، أمثال ديبالما وبيتر وير وغيرهما. في شريطه الجديد "البستاني الأخير"، الذي عرض لأول مرة في شتنبر الماضي في مهرجان "البندقية" بإيطاليا، يواصل شريدر أسلوبه المفضل في الغوص داخل بواطن الشخصيات المعقدة، والتي تجر خلفها ماضيا أليما تسعى جاهدة للتخلص منه أو إخفائه بأية طريقة. في هذا الشريط تألق الممثل جويل إدجيرتون وهو يجسد شخصية "نارفيل روث" البستاني المتمرس العاشق لمهنته والمدرك لخباياها وتاريخ البستنة ومختلف النظريات التي تؤطرها، وهو ما يتجلى من خلال الحوارات وكذلك أسلوب العرض السلس، من خلال اللجوء إلى تقنية كتابة المذكرات التي تلعب هنا دورا مزدوجا، سواء بالنسبة إلى نارفيل الذي يتخذها أسلوبا للتنفيس وعلاج أعطابه النفسية، أو بالنسبة إلى المخرج والمؤلف شريدر الذي يجعلها بمثابة راو يوجه أحداث الفيلم ويؤطرها. تبدأ المشاهد بلقطات توهم المتلقي وكأنه سيدخل عالما رومانسيا من خلال تنقل الكاميرا بين الورود والأغراس، مرافقة بصوت خارجي للراوي وهو يتحدث بحكمة وعمق عن فلسفة النباتات والارتباط بالأرض، كيف لا وهو البستاني الذي يشرف على حدائق "كراسوورد" التاريخية، تحت إشراف وإمرة ربة عمله الثرية "السيدة هافيرهيل"، جسدت دورها الممثلة المخضرمة سيغورني ويفر. يطيع "نارفيل" سيدته بشكل خنوع ولا يرفض لها طلبا، حتى وهي تطلب منه أن يقبل ابنة أختها المضطربة نفسيا متدربة، وهنا تنقلب الأحداث رأسا على عقب، وتنكشف العديد من الأشياء التي كانت تخفيها كل شخصية على حدة. والبداية ستكون مع ماضي "نارفيل" نفسه الذي ظل يطارده ويحاول أن يخفيه في مهمته ومهنته بستانيا يشرف على فريق من العمال، يؤطرهم ويكونهم، محاولا أن يدفن في كل هذا علاقته بمجموعات نازية جديدة، كانت لا تتورع عن تصفية مخالفيها، وهو الأمر الذي ظل يحمل آثاره على جسده من خلال أوشام تكشف نزوعه المتطرف، الذي حاول جاهدا أن يتخلص ويتوب عنه، بل ويمارس طقوس الاعتراف ونقد الذات من خلال أسلوب كتابة المذكرات عندما يختلي بنفسه ليلا في غرفته. تتطور الأحداث وتتسارع بأن تنشأ علاقة بين "نارفيل" والقريبة الجديدة، التي حاول أن يبني علاقته بها، في البداية، على نحو أبوي، إلا أنهما سرعان ما استسلما لنداء الغريزة، وهو الأمر الذي حدسته "السيدة هافيرهيل" التي كانت بدورها تستأثر بجسد "نارفيل" وتستمع بالأوشام المرسومة عليه، الأمر الذي أشعل غيرتها لتطرد العشيقين معا من "جنتها". في رحلة البحث عن مكان آخر يحاول "نارفيل" تخليص الفتاة القريبة من إدمانها على المخدرات ومطاردات عشيق سابق لها مروج مخدرات وزعيم عصابة، في الوقت الذي سيدفع العشق "نارفيل" إلى التطهر من ماضيه وأوشامه بعد أن ينكشف أمره أمام الفتاة. البحث عن الخلاص في هذا السياق يرى الناقد سعيد مزواري أن بول شريدر في شريطه الجديد ظل وفيا لأسلوبه في الكتابة باشتغاله على شخصيات تعيش نوعا من العزلة الوجدانية، وتعاني ماضيا معقدا، وهو الأمر الذي بدا منذ عمله الأول "تاكسي درايفر" رفقة المخرج مارتن سكورسيزي، وتواصل مع مجموعة أخرى من الأفلام، قبل أن يتبدى بشكل واضح مع ثلاثيته التي ظهر فيها هذا الاشتغال بشكل واضح، بدءا بشريط "أول إصلاح" (2017)، ثم شريط "عداد أوراق اللعب" ليصل إلى "البستاني الرئيسي". ويضيف مزواري، في حديث مع "الصباح"، أن شخصيات هذه الأفلام تبدأ مسارا من البحث عن الخلاص، وتعبر عن نوع من الكتمان الداخلي، وهو هنا في هذا الفيلم يوصل رسالة، مفادها أنه من الممكن للأفراد أن يجددوا نفسهم ولا يتوقفون عن النمو كما تفعل النباتات. جارموش: طنجة مصدر إلهامي استعاد جيم جارموش جوانب من ذكرياته مع المغرب ومع مدينة طنجة على وجه التحديد، والتي قال بشأنها إنه أصبح عاشقا كبيرا للمغرب بفضلها وإنها صارت مصدر إلهام له... المخرج والمنتج والمؤلف الموسيقي والمنتج الأمريكي حل، أول أمس (الثلاثاء)، ضيفا على فقرة "حوار مع" ضمن فعاليات المهرجان، تحدث عن حضور الموسيقى والموسيقيين في أعماله، معتبرا أنه ليس كل الموسيقيين ممثلون كبار بالضرورة، لكن بالإمكان استخراج أشياء جميلة منهم في مجال السينما. وكشف صاحب شريط "الزهور المكسورة"، الذي كانت تحاوره أندريا بيكار، عن هوسه الخاص بحركة الكاميرا في السينما الصامتة، مشيرا إلى أن السينما بعد أن صارت ناطقة تراجعت إلى الخلف، وفقدت الكثير من مقوماتها بل صارت أشبه بالمسرح. وأضاف جارموش أنه يحرص على العودة إلى منابع السينما الأولى من خلال اهتمامه بالصورة والتركيز على تفاصيلها الدقيقة والشاعرية. وتابع صاحب "قطار الغموض" قائلا إن السينما أقرب شيء إلى الحلم، وإنه يمارسها مثل موسيقي يحاول أن يلعب نوتات موسيقية يتجنبها الجميع. كما استعاد جارموش جوانب من تجربته في فرنسا موضحا أنه استفاد كثيرا من مقامه الباريسي خلال مرحلة من حياته، باكتشافه لشعراء مثل رامبو وبودلير، كما كان يذهله كل ما له علاقة بالإجرام والمواضيع السوريالية والعبث في الأدب والفن، وهو الأمر الذي كانت تتيحه له تسكعاته في باريس وانغماسه في حياتها الليلة. وقال جارموش إنه طالما أحس بأنه مهمش لأنه كبر في الضواحي، على حد قوله، لذلك كثيرا ما توجه في مرحلة من مساره السينمائي إلى الاهتمام بثقافة السكان الأصليين في أمريكا، خاصة الهنود الحمر. وتابع المتحدث نفسه "لم أكن أحب أفلام جون فورد، رغم قيمتها الفنية، وغيرها من الأفلام التي حاولت تصوير السكان الأصليين على أنهم مصدر للشر في أفلام "الويسترن"، لذلك حاول تصحيح هذه الصورة من خلال بعض الأعمال التي استعان فيها بخبراء ومختصين في ثقافة الهنود الحمر، لضبط تفاصيل حياتهم وإبراز تعقدها بعد أن كانت تتم الإساءة إليهم في السينما الهوليودية.

مراكش… الأرض “بتتكلم” سينما

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إزعاج الجيران

زيادة جديدة في "لحم الفقراء"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات