حدود ممارسة حق الإضراب

أشيبان: لا بد من ممارسة الإضراب في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله إذا كان الأصل في المسؤولية الإدارية عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها القضائية، فإن ثمة استثناءات إن على مستوى التشريع أو على مستوى الفقه، فبالنسبة للقانون المغربي فقد نص على بعض حالات تتم مساءلة الدولة فيها على الأضرار الناتجة عن العمل القضائي كالفصل 391 من قانون المسطرة المدنية الذي يتحدث عن حالة مخاصمة القضاة إذا قضى نص تشريعي بمسؤوليتهم يستحق عنها تعويض ثم المادة 573 من قانون المسطرة الجنائية التي تحمل الدولة في حالة مراجعة القرار الصادر من أجل جناية أو جنحة وتضرر منه المحكوم عليه التعويضات المتعلقة بالخطأ القضائي وفضلا عن ذلك هناك الفصل 81 من قانون الالتزامات والعقود الذي يحدد مسؤولية القاضي مدنيا في حالة الإخلال بمقتضيات منصبه وفي الحالات التي تجوز فيها مخاصمته.أما على مستوى الفقه، فإنه يوجد اتفاق على اعتبار الحالات المذكورة استثناء وأن المبدأ هو عدم المسؤولية إلا عندما يتعلق الأمر بالأعمال التي يمكن فصلها عن العمل القضائي الصرف إذ في هذه الحالة تترتب مسؤولية الدولة وفقا للقواعد العامة بما في ذلك الأعمال المتعلقة بسير مرفق العدل كالأضرار الحاصلة من كتابة الضبط.وفي هذا الصدد سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن أصدرت بتاريخ 13 مايو 1961 في قضية اخوان لاكروى Consort la Croix قرار جاء فيه أن الدولة المغربية تعتبر مسؤولة عن سير إدارة العدالة وعن الأخطاء المرفقية لكاتب الضبط ولرئيس المحكمة الابتدائية في مهمته الخاصة كمسير قضائي لأموال وضعت تحت الحراسة واعتمدت في قضائها على مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، كما أصدرت المحكمة المذكورة قرارا بالقاعدة القانونية نفسها. واعتبرت أن مسؤولية الدولة عن سير مرفق العدالة لا يمكن أن تندرج إلا في القضايا الإدارية.وهكذا فإذا كانت طبيعة العمل القضائي تطرح إشكال التمييز بين ما يتصل بمرفق العدل وقابل للطعن بالإلغاء وتطبيق قواعد المسؤولية الإدارية، وبين ما هو غير ذلك. ونعتقد أنه يجب تطبيق المعيار الموضوعي لتحديد طبيعة العمل المذكور في حد ذاته.وما يهمنا في هذا الإطار هو التنبيه إلى وجوب وضع تشريع يحدد المبدأ العام لمسؤولية الدولة عن الأضرار التي يسببها قطاع العدل،عمل كتابة الضبط والأخطاء القضائية، وذلك على غرار الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود بغية ضمان حقوق المواطنين في حالة تضررهم.ولعل الإضراب الحالي والمستمر الذي تعرفه كل محاكم المملكة والذي تشنه كتابة الضبط، العمود الفقري لسير مرفق القضاء، يجرنا إلى الحديث عن مدى مشروعية إضراب هذه الفئة. فالإضراب كظاهرة اجتماعية ومن تداعي خلافات الشغل الجماعية يعني كل توقف جماعي إرادي مدبر لنشاط من طرف جماعة ما أيا كان نوعها يهدف إلى إرغام السلطة التي يرجع إليها الأمر على الاستجابة لمطالبها المشروعة.والدستور المغربي يعترف صراحة بحق الإضراب في فصله الرابع عشر غير أنه أوقف ممارسته على شرط سن تشريع تنظيمي لم يصدر بعد، ومرد ذلك في نظرنا إلى الخشية عند تنظيمه أن يحصر ممارسة حق هو في نهاية الأمر مجرد تجربة أو استعراض قوة بين طرفين لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.وإن عدم صدور تشريع تنظيمي بهذا الخصوص لا يعني أن هذا الحق غير مقيد، بل لا بد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله، وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمس بها بشكل مؤثر. لهذا انطوت ممارسة هذا الحق على إخلال خطير بسير أحد المرافق العامة، أو تعريض النظام العام للخطر، كان للإدارة بل من واجبها توقيع الجزاء على من خرج من الموظفين الذي سينظمه قصد بذلك دعوة المشرع إلى القيام بالتوفيق الضروري بين الدفاع عن المصالح المهنية الذي يمثل الإضراب أحد وسائله، وتأمين المصلحة العامة التي قد تعرض للمساس بفعل الإضراب، وهذا ما قررته المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها الصادر بتاريخ 2001/07/12.وحيث إنه اعتبارا لذلك ومراعاة لخصوصية مرفق القضاء، فإن الإضراب ليس حقا مطلقا بل يخضع كغيره من الحقوق لقيود تضمن ممارسته بشكل سليم وتحفظ السير العادي للمرفق المذكور مع ضمان حرية التعبير عن المطالب المهنية. وهكذا فإن الاجتهاد القضائي المقارن مستقر على تقييد ممارسة حق الإضراب باحترام ضوابط معينة. من جملة ذلك وجوب إخبار السلطات المعنية بالإضراب المراد القيام به وتوقيته، وذلك حتى تتحسب الإدارة لما يمكن أن يحدثه هذا التوقف من تأثير على سير المرفق، وعليه فإن الإضراب المباغت أو الطارئ يعتبر غير مشروع (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 1984 في قضية الفيدرالية الوطنية للنقابات الحرة للبريد والمواصلات)، كما يجب أن يستهدف الإضراب تحقيق مكاسب مهنية أو للدفاع عنها، وبمفهوم المخالفة فإن الإضراب السياسي لا يندرج ضمن الإضراب المشروع (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 18 فبراير 1951 في قضية Bernot )، إضافة إلى ذلك فإن ممارسة الإضراب يجب أن يكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا (قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 1972/7/21 في قضية الفيدرالية المسيحية للعاملين بالبريد والمواصلات)، كما أنه يجب أن يكون الإضراب محددا في الزمان، أما الإضراب المفتوح فلا يكتسي طابعا شرعيا لما له من تأثير خطير على سير المرفق العمومي، وعموما، فإن الإضراب لا ينبغي أن يمارس بشكل تعسفي أو يستغل في إطار المساومات السياسية.وحيث إنه إذا كانت المادة الخامسة من مرسوم 15 رجب 1377 موافق 5 فبراير 1958 المتعلق بممارسة العمل النقابي من طرف الموظفين، تنص على أن: «كل توقف مدبر عن العمل، بالنسبة لكل الموظفين، وكل عمل جماعي يؤدي إلى عدم الانقياد بكيفية بينة يمكن المعاقبة عليه خارج الضمانات التأديبية» فإن مقتضيات هذا المرسوم والتي تتضمن منعا مطلقا لحق الإضراب، تعتبر غير منسجمة مع المقتضى الدستوري الوارد لاحقا، والذي أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة (1962-1970-1972-1992-1996). لذلك، فإن هذا المنع المطلق يسقط لعدم انسجامه مع مقتضيات الدستور، وهو الشيء الذي تبناه أيضا القضاء الإداري المغربي المذكور في حكمه المشار إليه أعلاه (حكم إدارية مكناس بتاريخ 2001/07/12).وجدير بالذكر أن بعض الممارسات الناتجة عن الإضراب التي من شأنها أن تعطل الشغل وتضر بمصالح العمل عالجها القضاء المغربي في عدة مناسبات وتدخل لحماية الوضعية المشروعة للمؤاجر، وفي هذا الصدد جاء في الأمر الاستعجالي رقم 336/98 الصادر بتاريخ 6 مايو 1998 عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء:«حيث إنه، ومهما كان نوع النزاع بين الشركة وعمالها، وسواء أكانوا يمارسون حقا دستوريا كحق الإضراب، فإن ذلك لا يمكن بأي حال أن يكون سببا في تعطيل نشاط المؤسسة، وفي توقيف التزاماتها إزاء الغير، مع ما يسببه ذلك من خسائر مادية لها ولمجموع العمال التابعين لها»كما لم يفت المشرع الجنائي التصدي لجريمة الإضرار أو المس بحرية الشغل كما هو واضح من مقتضيات الفصل 288 من القانون الجنائي، ولم يميز النص الجنائي بين الوظيفة العمومية وغيرها ومن التطبيقات القضائية لذلك ما جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 5388 الصادر بتاريخ 14 يونيو 1990 في الملف الجنحي عدد 11833/89 أنه:«... لكن حيث إنه من الثابت أن الاتفاق على الإضراب أو التحريض عليه أو العمل على ترويجه أمر يقره القانون دستوريا من حيث المبدأ، غير أن المشرع أحاطه بقيود تفرض حمايته وإلا استحال إلى البلبلة والفوضى.وحيث إنه لذلك جاء الفصل 288 من القانون الجنائي، فقرر عقاب كل من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه، أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضها أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل.وحيث إن الفصل 288 المطبق في النازلة إنما يعاقب على استعمال بعض الوسائل المنصوص عليها قصد الاعتداء على حقوق الغير في العمل استنادا إلى القوة أو الضرب أو التهديد أو استعمال كل ما من شأنه أن يحدث انفعالا شديدا أو إزعاجا في المجني عليه وإلقاء الرعب في نفسه قصد ترك العمل عمدا أو تعطيلا لسيره في المصنع أو في المعمل».ونظرا لكون الإضرابات المتوالية لكتابة الضبط وبشكل مفتوح تعتبر عملا غير مشروع لما لها من تأثير خطير على سير المحاكم، وهي مرفق عمومي يفترض فيه ضمان استمرارية أداء مهامه.وبناء على ما ذكر، فإن عمل كتابة الضبط لا يمكن أن يحيد عن عنصر استمرارية المرفق العام وبالتالي تنطبق عليه مقتضيات المسؤولية الإدارية ولذلك يبقى الاهتمام به سواء من حيث التكوين أو التنظيم وإسناد المسؤولية لتسييره أو إصلاح أوضاع العاملين به ماديا ومعنويا حتى يساهم في تطوير أداة عمله ويجنبه ولو نسبيا الوقوع في الأخطاء المرفقية.وندعو من جانبنا إلى الإسراع بإخراج القانون الأساسي الخاص بكتابة الضبط وخلق تنظيم هيكلي جديد وموحد مع جعل الرقابة والإشراف للأجهزة القضائية المسؤولة وذلك دون إهمال مطالبها المشروعة. مصطفى أشيبان محام بهيأة البيضاء دكتور في الحقوق

حدود ممارسة حق الإضراب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خمس سنوات حبسا لقاتل قريبه بالجديدة

النظام الأساسي أمام زوبعة إضراب كتاب الضبط

مقالات ذات صلة