الصديقي: لدينا مندوبية للتخطيط بدون تخطيط

لا التقائية في البرامج القطاعية ولا بد من تقييم موضوعي لنتائجها أجرى الحوار: أحمد الأرقام دافع عبد السلام الصديقي، أستاذ الاقتصاد، ووزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا، عن ضرورة العودة مجددا إلى وضع مخطط وطني إستراتيجي تنموي، يرتكز على الالتقائية. وقال الصديقي في حوار مع « الصباح»، إن الإشكالية القائمة بالمغرب تكمن في عدم إخضاع المخططات الحكومية إلى تقييم ديمقراطي شفاف يقف على النواقص ومكامن الخلل، وفي غياب التخطيط الوطني، رغم وجود مندوبية سامية للتخطيط، ما أثار أكثر من علامة استفهام. في ما يلي نص الحوار: < قبل الإجابة عن سؤالكم، لا بأس من التذكير بالظروف والسياق الذي ظهرت فيها هذه المخططات الحكومية كما قلت، وهي في الواقع ليست مخططات حكومية، بقدر ماهي مخططات الدولة لأنها تغطي فترة زمنية تتجاوز فترة الولاية الحكومية، وتمتد في غالب الأحيان على مدى عشر سنوات أو أكثر. وهذا التوضيح لا بد منه، بالطبع، لأن الحكومات المتتالية هي التي تسهر على تطبيق هذه المخططات. إن المتتبع للشأن العام يستنتج وضع مخططات قطاعية بديلة عن المخطط الوطني الذي كان معمولا به منذ الاستقلال إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، إذ تم التخلي عن التخطيط تحت تأثير برنامج « التقويم الهيكلي» وهيمنة التوجه النيو ليبرالي. وللإشارة، دعا المغرب إلى تبني التخطيط خلال حكومة عبد الرحمن اليوسفي، إذ تمت المصادقة على المخطط الخماسي 2000-2004، إلا أنه لم يعمر طويلا، ولم يطبق لأسباب لم يتم الكشف عنها إلى حدود اليوم. ومن الغرائب، أننا نتوفر على مندوبية سامية عهد إليها القيام بالتخطيط في غياب التخطيط. < يوجد مخطط قطاعي وبرنامج حكومي، وهما معا متكاملان إن صح التعبير، ولا أرى أي تناقض بينهما، فجل البرامج الحكومية تدمج في هذه المخططات مع إدخال بعض التعديلات عند الاقتضاء، ولفهم الإشكالية، ينبغي وصفها في إطار النظام السياسي للبلاد، إذ نجد الثابت والمتغير حاضرين بقوة، والأول يعنى به التوجهات الإستراتيجية الكبرى التي يحددها ملك البلاد الذي هو رئيس الدولة، والمتغير هو ما تأتي به الحكومات التي تنبثق عن الاستحقاقات، والتي قد تختلف نسبيا في برامجها، بالنظر إلى اختلافها في المرجعية الفكرية. وإذا لم تأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى المغربي، فإننا لن نتمكن من استيعاب وفهم بعض القضايا من قبيل القضية التي طرحتم في سؤالكم. < الأمور لا تظهر بهذه الصورة، ولا ترتبط بتنافس بين الوزراء، وبين القطاعات الحكومية، لأن الحكومة تسير وتدبر قضايا وطنية، والوزير هو من يتولى مسؤولية الإشراف على مخطط قطاعي يدخل ضمن اختصاصاته، يشتغل في الوقت نفسه في إطار جسم حكومي مفروض فيه التجانس والتعاون والتكامل. وما يعاب على هذه المخططات القطاعية، هو ما أشار إليه ملك البلاد في العديد من خطبه، بغياب « الالتقائية» ما يحد من فعاليتها، إضافة إلى أنها لا تخضع إلى تقييم ديمقراطي شفاف يقف على النواقص ومكامن الخلل. < تختلف حصيلة هذه المخططات القطاعية من قطاع إلى آخر، وهي ليست إيجابية بالكامل، وليست سلبية على الإطلاق، وقد تختلف التقييمات بحسب المقاربات والأهداف. فمثلا المخطط السياحي لم ينجح كما كان منتظرا منه، والشيء نفسه بالنسبة لمخطط المغرب الأخضر الذي تحول إلى مخطط الجيل الأخضر، وعلى هذا المستوى هناك من يقول إن مخطط المغرب الأخضر كان ناجحا، بالاعتماد على بعض المعايير مثل الاستثمار، والناتج الفلاحي، والصادرات. ومن الأكيد أن هذه المتغيرات تحسنت بشكل كبير، ولكن حينما تأخذ بعين الاعتبار معايير أخرى من قبيل تحسين دخل الفلاحين الصغار، وتحقيق الأمن الغذائي، والحفاظ على الموارد المائية، يتضح العكس، لذلك نحن في حاجة إلى تقييم موضوعي لكل هذه المخططات. والملاحظة نفسها تنسحب على تسيير مخطط التسريع الصناعي، إذ لا شك أن هناك زيادة هائلة في حجم الصادرات، ولكل هل مكن هذا المخطط بلادنا لتصبح بلدا صناعيا؟ الجواب بكل بساطة لا أعتقد ذلك، وهذا لا يعني أن اعتماد مثل هذه المخططات القطاعية كان خطأ إستراتيجيا، لذلك نحن في حاجة إلى إعادة النظر في تركيبة تلك المخططات وربط أهدافها بالأهداف التنموية للبلاد. < ينبغي العمل على تحقيق الالتقائية، وهو ما يقتضي الرجوع إلى التخطيط، ليس بالطريقة التي كان يمارس بها في الماضي من خلال «التخطيط المرن» أو « التخطيط التوجيهي»، أو بالأحرى الأخذ بـ» التخطيط الإلزامي» على الطريقة السوفياتية القديمة. وما أفكر فيه هو «التخطيط الاستراتيجي»، كما هو معمول به في الشركات العالمية الكبرى، أو في مختلف البلدان الصناعية المتطورة. إنجاز المخططات أكد دستور 2011، في المادة 75 على أن « يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها في مجال التنمية، لإنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، والبرامج متعددة السنوات التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان». والمخطط الإستراتيجي عليه أن يتضمن أهدافا منسجمة وأولويات محددة ديمقراطيا، وإمكانيات مناسبة لبلوغ الأهداف مع وضع هياكل التتبع وآليات التقييم، التي تساعد على مواجهة كل أنواع الإضرابات وتحد من هامش اللايقين. وإذا أخذنا بهذا المخطط الإستراتيجي، أو المخطط الإيكولوجي (البيئي) كما هو معمول به في بعض البلدان، لوجدنا أنفسنا اليوم في بعض الأوضاع الصعبة كما هو الشأن بالنسبة لمواردنا المائية. والعودة إلى التخطيط هو جادة الصواب، وإنه خيار لا بديل عنه ولا يرتبط بقناعات إيديولوجية، أو شيء من هذا القبيل. فكيف للدولة أن تلزم الجماعات الترابية، بإعداد مخططات تنموية وتتراجع عن هذا الخيار حينما يتعلق الأمر بما هو أهم، أي المخطط الوطني؟ وينبغي أن نضع حدا لهذه المفارقة. في سطور - من مواليد 1951 بتازة - أستاذ التعليم العالي - حاصل على دكتوراه دولة في العلوم الاقتصادية من جامعة الحسن الثاني بالبيضاء (1988). - وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا - عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية منذ ماي 2010 - عضو بالمكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ما بين 2006 و2010. - عضو جمعية الاقتصاديين المغاربة وعضو بالمكتب الوطني لجمعية الريف للتنمية والثقافة.

الصديقي: لدينا مندوبية للتخطيط بدون تخطيط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"رؤية 2030" للسياحة تحتاج إلى الكفاءة

سقوط أمنيين في حاجز وهمي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات