البناء العشوائي … “حاميها حراميها”

إعفاءات واعتقالات طالت أعوان سلطة تورطوا في جرائم التعمير والارتشاء
تورط، أخيرا، العديد من أعوان السلطة في قضايا البناء العشوائي، وهو ما دفع مصالح وزارة الداخلية، إلى إيفاد لجن مركزية أو إقليمية لرصد «جرائم التعمير» المرتكبة. ويبقى السؤال هل أعوان السلطة وحدهم من يتحملون تفشي البناء العشوائي؟ وهل المحاكمات وحدها كفيلة بوقف نزيف تشويه مورفولوجية المدن والحواضر؟
إعداد: محمد العوال (مراكش)
وجد العديد من «المقدمين والشيوخ» أنفسهم أمام القضاء من أجل التورط في الارتشاء أو تسهيل البناء العشوائي، كما لم يسلم من المتابعة مواطنون تبين تواطؤهم معهم.
سقوط عوني سلطة
أمر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية باليوسفية، أخيرا، بإيداع عوني سلطة بملحقة إدارية بالشماعية، رهن الاعتقال الاحتياطي، بعدما جرى استنطاقهما ابتدائيا من قبل القاضي نفسه.
ويواجه المتهمان تهما تتعلق بتسهيل البناء العشوائي وكذا الارتشاء، كما قرر القاضي نفسه متابعة مواطنين، تقدما بشكايات ضد عوني السلطة من أجل منح مبالغ مالية مقابل الشروع في أشغال البناء العشوائي.
وفي تفاصيل هذه القضية، وحسب تصريحات المشتكيين، فإنهما اتفقا – كل على حدة- مع عوني السلطة بالشروع في البناء العشوائي بأحد أحياء الشماعية، مقابل عمولة مالية. وكان من المفروض، أن تتم أشغال البناء، بشكل عشوائي، مقابل حماية عوني السلطة لهذين الشخصين.
وبعدما تمت أشغال البناء الأساسية، فوجئ المشتكيان بالسلطات المحلية تحضر جرافة وتهدم ما تم بناؤه، لتتبدد كل الآمال في امتلاك سكن، رغم أن المتورطين يتوفران على منازل عديدة بتراب الجماعة ذاتها.
هدم هذه البناءات، جعل السلطات الإقليمية توقف عوني السلطة عن العمل، على اعتبار تورطهما في التستر على البناء العشوائي، غير أن تقديم شكايات ضدهما، سيقود إلى الكشف عن ظروف وملابسات أشغال البناء التي تمت في واضحة النهار والتي كانت مقابل رشاو، تلقاها عونا السلطة.
مسؤولية السلطات
ظاهرة البناء العشوائي بالشماعية، ليست جديدة بل هناك العشرات من المنازل والدور السكنية التي نبتت كالفطر في مختلف أرجاء المدينة، مقابل صمت مطبق للسلطات المحلية، التي تخلت عن دورها في محاربة البناء العشوائي، وصار أعوان السلطة يصولون ويجولون، دون حسيب أو رقيب.
ويرى متتبعون أن مسؤولية السلطة المحلية ثابتة في هذه الوقائع، خصوصا في ظل مدينة صغيرة، أحياؤها تعد على رؤوس الأصابع، واعتبار أن المسؤولية يتحملها أعوان السلطة فقط مجرد ذر للرماد في العيون.
وبمراكش، قرر قسم الشؤون الداخلية بولاية جهة مراكش آسفي، خلال غشت الماضي، عزل أربعة من أعوان السلطة تابعين للملحقة الإدارية «اسكجور» بالمحاميد بمقاطعة المنارة.
وجاء عزل أعوان السلطة المذكورين بعد مثولهم أمام المجلس التأديبي، إثر الاشتباه في تورطهم في تشجيع وتسهيل البناء العشوائي في مجموعة من الأحياء والدواوير بمقاطعة المنارة، كدوار المعصرة، ودوار سعيدة، إذ انتشرت في وقت قياسي العشرات من المنازل العشوائية، وهو ما أثار امتعاض والي جهة مراكش آسفي عامل مراكش، الذي عاين عشرات المنازل المشيدة عشوائيا حديثا.
كما حلت لجنة من وزارة الداخلية، وعاينت أشغال البناء بهذه المقاطعة وكذا بمقاطعات أخرى بعاصمة النخيل.
العشوائي في أرقام
يرى بعض المتتبعين، أن ظاهرة البناء العشوائي ليست وليدة اليوم، بل تعتبر إشكالية قديمة في مغرب ما بعد الاستقلال، إذ رغم الجهود التي بذلتها الدولة لعقود من الزمن، وكذا العديد من البرامج التي تم تسطيرها من قبل الحكومات المتعاقبة، فإن الظاهرة تنامت بشكل تصاعدي، وأصبح البناء العشوائي يزحف على مدن المملكة جميعها، دون استثناء، وهو ما يفرض على الحكومة مراجعة سياسة التعمير، من خلال برامج حكومية واقعية تقوم على تشخيص دقيق لواقع التعمير ببلادنا، وكذا الأسباب التي أدت إلى تفشي الظاهرة، ثم الحلول لتجاوز هذا الوضع.
ويرى مهتمون بالشأن المحلي، أن مراجعة قوانين التعمير صارت ضرورة ملحة، فضلا عن أهمية تبسيط شروط البناء بالعالم القروي، إذ من شأن ذلك، الحد أولا من ظاهرة الهجرة نحو المدن، ثم الحد نسبيا من ظاهرة البناء العشوائي التي تجتاح المدن.
وبلغة الأرقام، سجلت3118 قضية بسبب مخالفات بناء خلال 2020 وأحيل 3828 شخصا على القضاء، وتوزعت المخالفات على 26.043 قضية بناء بدون رخصة، تورط فيها 26.385 شخصا، بالإضافة إلى 923 قضية إحداث تجزئة سكنية بدون رخصة يُتابع فيها 944 شخصا، وشكلت مخالفة التصميم 1778 قضية، وتورط فيها 1797 شخصا، بينما سُجلت 555 قضية بناء في ملك عمومي تورط فيها 611 شخصا، وسُجلت 3819 قضية غير محددة النوع يُتابع فيها 4091 شخصا.
15 مليونا غرامة
في وقت سابق قضت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال، لدى استئنافية مراكش، بإدانة عون سلطة كان يشتغل بملحقة رياض السلام، بسنتين حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 150 ألف درهم، حيث جرى ضبطه، بداية السنة الجارية، متهما بتلقي مبلغ مالي مهم عبارة عن رشوة.
وخلصت الأبحاث التمهيدية، إلى أن عون السلطة المذكور كان يتلقى بشكل مستمر مبالغ مالية مهمة مقابل التغاضي عن أشغال البناء العشوائي.
وأحيل المتهم على النيابة العامة، التي قررت إحالته على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، إذ قرر بعد الاستنطاق إحالته على قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة، والذي خلص إلى ارتكاب عون السلطة المذكور، لأفعال تندرج ضمن خانة الجرائم المالية، وأحيل بعد انتهاء التحقيق التفصيلي على غرفة الجنايات التي قررت إدانته من أجل المنسوب إليه.
الريبوح: جرائم مستمرة
أكد الأستاذ حسن الريبوح، محام بهيأة آسفي، أن جرائم التعمير، من الجرائم المستمرة المتتالية الأفعال، ذلك أن هذه الجرائم، وإن كانت تصنف على أنها مخالفة، فإنها لا يسري عليها منطوق المادة 5 من قانون المسطرة المدنية، المتعلق بالتقادم، ذلك أن القانون حدد التقادم في المخالفات في سنة من وقوعها، إلا أن المخالفات في قانون التعمير، من بينها مثلا البناء دون رخصة، لا يكون هناك تقادم ما دام فعل المخالفة قائما، ولو ظل لسنوات طويلة، وسواء كان المتورط عالما بأن ما قام به يعاقب عليه القانون أو العكس.
واضاف المتحدث نفسه، أن المشرع المغربي اعتمد نظرية المذهب الموضوعي في تجريم البناء بدون ترخيص والجرائم الملحقة بها، حيث يصبح القصد الجنائي في مثل هذه الجرائم مفترضا.
وأكد الريبوح، أن مسطرة ضبط مخالفات التعمير من خلال القانون 12.90 تعتبر مسطرة إدارية، تبتدئ بضبط مخالفات التعمير من قبل الأعوان المكلفين بذلك، بناء على المعاينة المباشرة في المكان عينه، أو من قبل العون المكلف بذلك، إذ يقف على واقعة إنجاز الأشغال، ويتم تحرير محضر المعاينة طبقا لأحكام المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية، ويوجه أصله إلى وكيل الملك في أجل أقصاه 3 أيام من تاريخ معاينة المخالفة مرفقا بنسختين منه، مشهود بمطابقتهما، للأصل وكذا بجميع الوثائق والمستندات المتعلقة بالمخالفة، كما توجه نسخة من محضر معاينة المخالفة إلى كل من السلطة الإدارية المحلية ورئيس المجلس الجماعي ومدير الوكالة الحضرية والمخالف.
عرقلة التنمية
تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع ظاهرة البناء العشوائي، وتورط أعوان سلطة في ذلك، إذ علق محمد زومي، على أن السكن العشوائي لا يهم المغرب فقط، بل تعانيه معظم الدول في مختلف المعمور، ويمكن القول إن هذه الآفة تعيق تنمية المجتمعات، لذا يستوجب القضاء على الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا الوباء، وولوج قطار التقدم. إذن فما هي الأسباب التي تكمن وراء تفشي ظاهرة السكن العشوائي؟ وما الدوافع التي تجعل المواطن يخلد إلى هذه الوسيلة من العيش؟ وأضاف لاشك أن ورش إعداد التراب الوطني يتقاطع مع أوراش أخرى تهم إصلاح القضاء ومحاربة الفساد الإداري والمالي…وهذا ما سيدفع ذوي النيات السيئة إلى مناهضة هذا التغير، خصوصا أنهم نهبوا خيرات البلاد منذ عقود.
وخلص إلى أن هناك مجموعة من الظواهر التي فرضت نفسها بقوة على الرأي العام المغربي، ومنها ظاهرة تنامي البناء العشوائي، وبقوة تحت ذريعة الحاجة إلى السكن. هذه الحاجة كانت ولا تزال ملحة بالنسبة لفئات عريضة من ذوي الدخل المحدود.
أما فرحان، فعلق بالقول، “حسب رأيي المتواضع البناء العشوائي بالمدن منتشر بشكل لافت، خاصة المدن الصغيرة، وهي حكاية أعيشها بعد أن اكتريت محلا بأحد أحيائها، عزمت على إقامة مشروع تجاري، لكن بعد أن اكتريت اضطررت لقبوله. و ضعت طلبا من أجل الحصول على رخصة الاستغلال لأن المحل المكترى لا يتوفر على تصميم مرخص، ولا عدادات الكهرباء والماء الخاصة به، وأن صاحبه يمانع في إفادتي بالوثائق اللازمة لإتمام عملية التراخيص، مع العلم أنه يحصل على واجب الكراء في وقته فما العمل.