رحيل ابن الصويرة الذي استلهم رسوماته ومنحوتاته من العلامات والرموز الشعبية غيب الموت، أول أمس (الخميس)، بالرباط الفنان التشكيلي الحسين الميلودي عن سن ناهزت السابعة والسبعين، بعد مسار فني حافل بالإبداع والتجارب الصباغية التي كان واحدا من رواد تياراتها الحداثية في المغرب. رحل ابن الصويرة، الذي جعل كل الوافدين إليها يكتشفون بصمته الخاصة من خلال منحوتته التاريخية "بركة محمد" التي تستقبلهم على الواجهة البحرية للمدينة عند المدخل الجنوبي، والتي أبدعها في 1978 بأسلوب حروفي هندسي قام أساسا على جمالية الخط الكوفي الهندسي، وقد خضعت هذه المنحوتة، قبل حوالي عشر سنوات، لرتوشات بعد تعرُّضها للتفتت والتآكل بفعل عوامل المناخ، وهي نموذج لتصميماته المدمجة في الهندسة المعمارية والمستلهمة لعناصر الخصوصية الصويرية. وقد قام مشروع الميلودي بالأساس على استنطاق الذاكرة الماضوية ومحاورة العلامات والرموز المستوحاة من محيطه، ومن عالمه الفني الموسوم بالاختزال والتبسيط الهندسي. وسبق للناقد إبراهيم الحسين أن قارب تجربته بالقول إن التوظيف الرمزي للرمز في لوحات الفنان الميلودي، برز مباشرة بعد عودته إلى مسقط رأسه بالصويرة قادما إليها من البيضاء عقب إنهاء مرحلة التكوين الفني الأكاديمي (1966 - 1969) وكذا التكوين بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بباريس، إذ سيتحوَّل مشروعه الجمالي إلى منظومة هندسية جديدة تعكس اكتشافه لسحر الكتابات والرموز الكونية والإنشاءات الخطية المتصلة بعالم الحروز والطلاسم مرجعه البصري ومصدر استلهامه الفني. ويضيف الحسين أن لوحات الميلودي تتراقص فيها أشكال مصغرة ورموز متحرِّكة في شكل إنشاءات تجريدية من عوالم أثرية قديمة وكأنها خارجة للتو من رحم النقوش والرسوم الصخرية التي ترسم وجود الإنسان القديم، وأخرى مأخوذة من الثقافة الشعبية الإنسانية في حدود تعبيراتها وإيحاءاتها البصرية المتعدِّدة.. كما لفتت أعمال الميلودي اهتمام الأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا الذي كتب معلقا على أحد معارضه الفنية بالرباط سنة 1976 قائلا إنه "يستلهم الحجب والرقى الإسلامية، ويُعيد تكوينها في مساحات رائعة الدقة بأشكالها الخليطة الرقيقة، كأنها دانتيل عربي مليء بآلاف الرسوم الصغيرة والكلمات وعبارات الشعر الشعبي، إنه يحيي تقليداً شعبيا قديما، ويتجاوزه إلى إبداع حقيقي". وسبق للراحل، الذي يعد من جيل رواد الحداثة التشكيلية مثل أحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية والجيلالي الغرباوي، أن شارك بأعماله في العديد من المعارض الوطنية والدولية سواء في المغرب أو في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان. عزيز المجدوب