أشغال البيضاء… جحيم الأرض

مسؤولو العاصمة الاقتصادية يقلبون تربتها ويحاصرون سكانها أينما وليت وجهك في الدار البيضاء فثمة أشغال وحفر. سياجات حديدية تطوق الأزقة والشوارع، تجعل المرء يدخل في متاهة حقيقية في سبيل الوصول إلى مبتغاه وسط مدينة أضحت جحيما أرضيا مسلطا على العباد أو من ساقته الظروف إلى الدخول إليها. لم يعد التيه وسط المدينة المليونية مقتصرا على الوافدين عليها والغرباء عنها، بل صار قدرا مكتوبا، بقرار أرضي، على المقيمين فيها الذين صاروا يجدون صعوبة في الوصول إلى محلات سكناهم أو مقرات عملهم، فالمدينة مقلوبة رأسا على عقب، ولا أمل يلوح في الأفق القريب بأن تنفرج الأزمة. أشغال انبثقت دفعة واحدة في كل أرجاء البيضاء، بدءا من شرايينها الرئيسية والشوارع الكبرى التي تخترقها، بدل أن تتدرج من منطقة إلى أخرى حتى تحافظ حركة التنقل على وتيرتها، المخنوقة أصلا بدون عمليات حفر، لكن مسؤولي العاصمة الاقتصادية، ومعهم الشركات والمقاولات التي أسندت لها مهمة تنفيذ أشطر تثبيت سكك الطرامواي أو ممرات "الباصواي"، يتلذذون بكل سادية بمشاهد تعذيب المواطن البيضاوي، وهم يحاصرونه من كل جانب. يمارس معنا مسؤولو البيضاء لعبة مسلية لا تخلو من فائدة علمية، وهي تقليب الإسفلت والبحث عن التربة الأصلية لمنطقة الدار البيضاء قبل أن يغزوها التمدن، في بحث جيولوجي عن الطرق والمعابر الأصلية التي ما زالت تحمل آثار سنابك خيل قبائل الشاوية، وهي تحمل الفرسان في اتجاه تحرير المدينة من قبضة الاستعمار والقوات الغازية مطلع القرن الماضي، قادمة من طريق مديونة أو طريق أولاد زيان أو أولاد احريز وغيرها. لم يعد بإمكانك عزيزي البيضاوي، أن تكتفي بتصور ما كانت عليه العاصمة الاقتصادية قبل أن تتعبد طرقها ويكسوها الإسفلت، ولا أن يجنح خيالك بعيدا لاستعادة أصلها البدوي، فالأشغال المفتوحة الآن تسافر بك عبر الزمن، وفي الوقت نفسه تعيد الماضي أمامك مجسدا في تراب التيرس الغني، الذي كان مرتعا خصبا للعراصي والجنانات، فها هو يطفو من جديد، لتذروه الرياح في وجوه العابرين وتمتلئ خياشيمهم برائحته. أما من قادته الظروف لمغادرة المغرب قبل سنوات، وعاد إلى عاصمته الاقتصادية، فسيفاجأ بالمدينة مقلوبة رأسا على عقب، وأضحت متاهة حقيقية تستعصي حتى على المقيمين فيها، لذا لا تغامر باستقدام سائح أجنبي لتقدم له "كازابلانكا" كما كانت في البطاقات البريدية القديمة، لأنه قد يصرخ في وجهك متهما إياك بالنصب والاحتيال عليه، وأنك قدته إلى واحدة من بؤر التوتر في العالم وساحة حرب ومدينة نال القصف منها. عزيز المجدوب

أشغال البيضاء… جحيم الأرض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أحدث صيحات طلاء الأظافر

مومس تسرق مسدسا ورصاصات شرطي

مقالات ذات صلة