الباحث الإيبوركي قال إن تدني دور الرقابة القضائية ساهم في التطبيع مع الفساد اعتبر الباحث في السوسيولوجيا عمر الإيبوركي أن الفساد خلل في العلاقات، واستغلال لنفوذ السلطة لخلق تراتبات اجتماعية بين الأفراد تحقق من خلالها فئة أهدافا باستغلال فئة دنيا انطلاقا من الفروق الجنسية أو الاقتصادية، أو الإدارية. وتناول الباحث في علم الاجتماع هذا المفهوم في مستوياته ومظاهره المتعددة. في الحوار التالي: أجرى الحوار: عزيز المجدوب كيف يمكن تحديد وتعريف الفساد من منظور علم الاجتماع؟ الفساد هو مفهوم شامل يعتري العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. وقد جاء تعريفه من قبل منظمة الشفافية العالمية بأنه: "استغلال السلطة من أجل تحقيق المكاسب والمنافع الشخصية". ومن منظور علم الاجتماع فهو خلل في العلاقات، واستغلال لنفوذ السلطة لخلق تراتبات اجتماعية بين الأفراد تحقق من خلالها فئة أهدافا باستغلال فئة دنيا انطلاقا من الفروق الجنسية أو الاقتصادية، أو الإدارية. وحينما نتحدث عن ظاهرة الفساد فغالبا ما نعني به الفساد الإداري الذي هو عبارة عن استغلال صاحب سلطة إدارية لنفوذه من أجل ابتزاز الآخرين، وتحقيق غايات وأهداف غالبا ما تكون مادية على حساب الواجب والحقوق، لأن من واجبه تقديم خدمات، ومن حق الآخرين الاستفادة من هذه الخدمات دون مقابل. وهذا التعريف لمفهوم الفساد الإداري يحيلنا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الذي يشكل عائقا للتنمية الاجتماعية حسب الكثير من الدراسات الميدانية التي أبرزت تفشي هذه الظاهرة في جل المجتمعات، ولا يمكن عزل المجتمع المغربي عن هذه الآفة. لقد حددت هذه الاتفاقية الأممية مجالات الفساد والتي تدعو التعاون الدولي لمحاربته وتجريمه وهي: استعمال النفوذ واستغلال المناصب الإدارية. والارتشاء واختلاس الأموال والممتلكات العمومية. وارتشاء الموظفين بالإدارات العمومية. والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال. وهكذا يتجلى الفساد في ما هو سياسي، وإداري واقتصادي، وأخلاقي وكل أهداف هذه الأنواع هي استغلال النفوذ لابتزاز الآخرين مقابل خدمات هي جزء من حقوق هؤلاء المستغلين (بفتح الغين). بماذا يمكن تفسير تفشي وتغلغل الفساد في المجتمع المغربي وما هي مظاهره؟ إن درجة تفشي الفساد في المجتمع المغربي لا تقل عن غيرها في المجتمعات العربية التي توجد في درجة لا تحسد عليها في سلم الفساد حسب ترتيب منظمة الشفافية العالمية. وان كانت المجتمعات العربية تتشابه في هذه الظاهرة خاصة الفساد الإداري، رغم أن هناك بعض الاختلافات الخصوصية، فيمكن تفسير وفهم هذا التفشي من خلال مجموعة من العوامل منها التنشئة الاجتماعية التي تعمل على تأسيس طبائع ودوافع ذات سلطة على الناس، كما تتحكم التمثلات الاجتماعية التي يكتسبها الأفراد من المجتمع في نمط الحياة، وفي العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع. وأظن أن تخلي مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن دورها في خلق المواطن الصالح الذي يوازن بين الواجبات والحقوق يساهم في تفشي الفساد. وهناك التحولات الاجتماعية والتي صاحبتها مجموعة من المتغيرات تجلت في هجمة الحداثة مع اللامساواة، والفقر، ونسبة الأمية، وندرة الموارد في مجتمع استهلاكي تنافسي. إضافة إلى عدم الاهتمام بتأهيل الأفراد على المواطنة الصحيحة، والصلاح الأخلاقي كقيم دينية واجتماعية توجه سلوكاتهم بضوابط فطرية تتوخى التضحية وخدمة الآخرين.... و إذا قلنا إن المجتمع عرف تحولات، فان هناك قيما ثقافية تندثر لتطفو أشكال ثقافية أخرى تحدد أنماطا سلوكية على مستوى الشخصية الجماعية قد تكون مرفوضة، ولكنها تصبح مقبولة من قبل الآخرين بفعل تأثير الثورة التكنولوجية التي شجعت التواصل ويسرت سلوك الارتشاء والفساد بعيدا عن الرقابة القانونية والاجتماعية. هل يمكن أن نتحدث عن مستويات للفساد وما هي أكثر القطاعات المعنية به؟ > الحديث عن مستويات الفساد والقطاعات التي تعرف استشراء هذا السلوك يدعونا إلى العودة إلى المؤشرات التي تتفق عليها المنظمات الدولية التي أنشأت لمحاربة الفساد،كما ترجع إليها مراكز الأبحاث الميدانية لقياس مستواه، في مجتمع ما، وهذه المؤشرات منها مظاهر الغنى الفاحش لدى فئة معينة،خاصة المسؤولين الإداريين الذين يلجؤون إلى الارتشاء لمراكمة الثروات وتغيير نمط عيشهم الذي لا يتلاءم مع مستوى الرواتب. وانتشار المحسوبية والزبونية في إسناد الخدمات والوظائف، وهذا يخل بتكافؤ الفرص، وإسناد المسؤوليات حسب القرابة بدل الكفاءة. والاعتقاد لدى الأفراد بأن الفساد هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق المآرب والخدمات. هذه بعض المؤشرات التي ترتبط بأخرى هي التي تحدد لنا مستوى الفساد الذي يعرف انتشارا في كل المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تبرز أن المواطن المغربي طبع مع هذا السلوك، ولم يعد يثق، أو يفكر أن الكفاءة هي المحدد الأساسي لبلوغ الأهداف والحصول على بعض الخدمات. ورغم أن الأبحاث أبرزت ظهور هذه المؤشرات، فهناك اختلاف على مستوى القطاعات التي سادها الفساد، وهناك مؤسسات وأفراد نزهاء يوجههم الضمير والمواطنة، ويؤدون واجبهم بكل إخلاص. وتفاوت المستويات لا يمكن الحسم فيه إلا عن طريق البحث الدقيق والتقصي القانوني الذي يرصد مؤسسات محددة حتى يمكننا الخروج بأحكام علمية ونهائية. هناك من يعتبر الفساد منظومة تمارس قهرها على الأفراد... ماتعليقك؟ إذا رجعنا إلى مستوى ترتيب المغرب وبقية الدول العربية على مستوى الفساد الإداري، فهذا يؤشر على أن نسبة لا بأس بها من المواطنين يصبحون مضطرين للجوء إلى الطرق التي تيسر خدماتهم ومشروعاتهم، وهذه القهرية تفرض أولئك الذين يرفضون أو يتلكؤون في تقديم الخدمات من أجل الابتزاز المادي، على اعتبار أنهم هم أيضا تحت سلطة قهرية تتجلى في أسباب الفساد الإداري كالنمط الاستهلاكي الذي تدفعهم دفعا إلى التنافس مع الآخرين، والبحث عن الموارد المالية لتلبية هذه الحاجات التي لا تنتهي. فالطرفان يخضعان لهذه السلطة القهرية التي تتحول إلى عملة سارية في تبادل المصالح. غير أن الخضوع لسيطرة العلاقات الزبونية والفساد القهري من شأنه ان يعرقل تنمية المجتمع، ولا يخلق المواطن الصالح الذي يثق في مؤسساته، ويطمئن إليها للقيام بمسؤولياته كاملة وبضمير عقلاني حر. لماذا لم تستطع جل محاولات الإصلاح والترسانة القانونية في الحد من مظاهر الفساد في المجتمع؟ إن مظاهر الفساد تستمد جذورها من أزمة المجتمع الذي يعيش تحولات ويتفاعل مع ما هو خارجي تحت تأثير ثورة تكنولوجية وتواصلية أحدثت نوعا من الاضطرابات على مستوى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية. وإذا اعتبرنا هذه المعطيات فان الترسانة القانونية قد تقلص من نسبة الفساد، ولكنها لا تقضي عليه،بحيث قد تشكلت أجيال من الذين انتعشوا من انتشار هذه الظاهرة، وقد يتوارثها هذا الجيل الذي تربى في مناخ يسود الفساد،بل تحول إلى قانون يدبر الخدمات. كما أن ارتفاع نسبة الفساد يدل على تدني دور الرقابة القضائية رغم وجود مؤسسات لمحاربة الرشوة، وترسانة قانونية هامة، لكنها غير مفعلة وضعيفة النتائج من حيث عدم تطبيقها مما يقدم المصلحة الفردية على المصالح العامة، ويعطي الفرصة لفئة معينة لتحقيق مصالحها. ويعتبر الفساد الإداري من العوائق الأساسية نحو التنمية والحكامة التي تقتضي ديموقراطية الفرص، والكفاءة، والمراقبة في تدبير شؤون المجتمع، وقد كان المغرب سباقا للانخراط في الحكامة التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية، وتبناها كما تبنتها كل الدول للتخلص من الفساد وخلق نوع من الشفافية. وإذا قلنا إن نسبة الفساد مستشرية، فان ذلك لا يمنع من أن المجتمع المغربي مؤهل لتجاوز هذا العائق الثقافي الذي يفرض على المؤسسات التربوية والاجتماعية والإدارية إن تقوم بوظائفها كاملة لخلق أجيال مستقبلية مؤهلة للتنافس الحر والعقلاني والشفاف... في سطور < أستاذ وباحث في مجال السوسيولوجيا < حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة، ودبلوم الدراسات العليا في علم الاجتماع تخصص: النظريات الاجتماعية. < حاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، من جامعة محمد الخامس بالرباط. < أستاذ مشارك في شعبة علم الاجتماع بكل من كليتي الآداب والعلوم الإنسانية، بجامعتي محمد الخامس بالرباط، وابن طفيل بالقنيطرة. < له مساهمات متعددة في مجال السوسيولوجيا: > كتاب "الظاهرة القائدية، القائد العيادي الرحماني".عن دار بابل للطباعة والنشر، الرباط ،سنة 2000. > دراسات ومقالات في مجلات متخصصة، ومساهمات في الجرائد الوطنية.