حال البيضاء لم يعد يسر حبيبا ولا عدوا منذ سنوات. لكن الأسوأ هو ما نعيشه اليوم، حيث تقف مدينة برمتها على حافة الإفلاس، ولا تجد ما تؤدي به نفقاتها الإجبارية في مجال التجهيز والاستثمار، وتتوقف مشاريع مهيكلة موضوع اتفاقيات موقعة أمام جلالة الملك، وتتعثر حركة النقل والطرق والشوارع، بعد أن غادرت الشركات المكلفة بالأشـغال. في الظاهر، تبدو البيضاء مدينة فقيرة دون موارد، أو مداخيل، تتسول وزارتي المالية والداخلية لسد العجز العام في الميزانية، كما تمد يدها إلى البنك الدولي من أجل قسط مالي إضافي، يضاف إلى القرض السابق الذي وصل إلى 200 مليار. لكن خلف الستار، يختبئ الناهبون والمتواطئون الذين اغتنوا من أموال المدينة وضرائبها وممتلكاتها وعقاراتها ورخصها وخيراتها، ويرفضون دفع المستحقات، وما يدينون به لخزينة المدينة. إن أصحاب المقاولات والشركات والفنادق والمطاعم والأراضي غير المبنية والمحتلين، قانونيا، للعقارات والممتلكات والفضاءات المتقاعسين في دفع الضرائب والرسوم المستحقة عليهم منذ 12 سنة على الأقل، هم متهمون، جنائيا، بنهب أموال المدينة حتى يثبت العكس. وليس هناك من جهة موكول لها إظهار الحقيقة، أو إثبات العكس، غير النيابة العامة التي ينبغي أن تتحرك، وتحرك المساطر المعمول بها في مثل هذه الوضعيات، لأن الأمر لا يتعلق ببضعة دريهمات، بل تصل إلى أكثر من 1000 مليار، لا تعرف المدينة أين توجد إلى حد الآن. نعم، إن الرقم صحيح، وليس هناك أي خطأ في الأصفار، وتحدثت عنه عمدة المدينة في أكثر من مناسبة، كما طالبت بتسريع الإجراءات الإدارية والتقنية لاسترجاع الأجزاء الممكنة من "الباقي استخلاصه" الذي حطم كل المستويات، وأضحى يعادل ثلاث مرات الميزانية الإجمالية للجماعة برمتها. ولا نحتاج إلى ذكاء كبير كي نفهم أن وصول الباقي استخلاصه إلى هذا المبلغ الأسطوري، هو نتيجة تقاعس بعض الموظفين في الإدارات المعنية بالاستخلاص، في أداء واجبهم، ثم تواطؤ ملزمين بالضرائب في دفع الأقساط المستحقة، أو التحايل على وثائق وبيانات للتنصل من الأداء. وفي كلتا الحالتين، فإن عناصر الفعل الجرمي قائمة في حق هؤلاء جميعا، مشكلين بذلك واحدة من أكبر عصابات نهب المال العام في تاريخ المغرب، إذ لم يصل المبلغ المنهوب إلى هذا الرقم من قبل. وفي مثل هذه المواضيع التي تتعلق بالمال العام، ينبغي أن ننسى، على الفور، الإجراءات الإدارية والحلول "الحبية"، ونتجه مباشرة إلى تفعيل المساطر القانونية، لأن الأمر يتعلق بمال عام ينبغي أن يعود إلى خزينة المدينة بكل الطرق الممكنة، بما فيها الإكراه البدني والحجز على الممتلكات وبيعها في المزاد العلني. ولن تنجح هذه الخطة، إلا بأخرى على قدر من الأهمية على مستوى تخليق الحياة العامة، ويتعلق الأمر بنشر أسماء الموظفين المتقاعسين، وأسماء الملزمين المتهربين وكل المتواطئين، وإشهارها في أماكن عمومية حتى يكونوا عبرة إلى كل من سولت له نفسه مد يده إلى أموال الشعب. بهذا الشكل حصريا، سيتقلص الباقي استخلاصه بالبيضاء. أما وضع "الدواء الأحمر" فوق بثور السرطان. فلن يؤدي إلا لنتائج عكسية. وبيننا الأيام.