المحلل السياسي أكد أن الدبلوماسية المغربية انتقلت من الدفاع إلى الهجوم أكد إدريس قصوري، المحلل السياسي، أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه فتح عهدا جديدا، يؤسس للخروج من تكتيكات سياسات الوحدات الدولية، في التعاطي مع الحل المنشود لنزاع عمر أزيد من 46 سنة. وأوضح قصوري في حوار مع " الصباح" أن الدبلوماسية المغربية انتقلت من الدفاع إلى دبلوماسية هجومية، خاصة بعد عودة المغرب لبيت الاتحاد الإفريقي، ونهج سياسة انفتاح فاعل ومؤثر إقليميا وقاريا. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني كيف تقرؤون التطورات المتسارعة في المنطقة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء؟ إن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه وتأكيد أهمية الحكم الذاتي حلا واقعيا وذا جدية ومصداقية للقضية الوطنية، في إطار قرارات الأمم المتحدة، فتح عهدا تاريخيا جديدا، يؤسس للخروج من تكتيكات سياسات الوحدات الدولية، في التعاطي مع الحل المنشود لنزاع عمر لأزيد من 46 سنة، إلى التعاطي الإستراتيجي لتسريع التغيير نحو حل نهائي. وكان لهذا الاعتراف وسيكون له مفعول في التأثير على مواقف العديد من الدول، خاصة ذات الصلة المباشرة بالملف مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا، لما لها من علاقة بمشاكل المنطقة المغاربية من بوابة المسؤولية الاستعمارية وسلبياتها وتداعياتها، أو من جانب الجوار والشراكات والتحديات الأمنية ومشاكل الهجرة. تواصل الدبلوماسية حصد نتائج سياسة الحزم في محاصرة خصوم الوحدة الترابية . كيف تقيمون أداء الدبلوماسية المغربية؟ إن الدبلوماسية المغربية قد تغيرت كليا من دبلوماسية دفاعية إلى دبلوماسية هجومية، خاصة بعد عودة المغرب لبيت الاتحاد الإفريقي، ونهج سياسة انفتاح فاعل ومؤثر إقليميا وقاريا. وقد تأتى له ذلك، بفضل أولا، مجهودات سياسية وإستراتيجية جديدة فاعلة ومنتجة اتبعها المغرب، منذ مطلع الألفية الجدية على المستويين الداخلي والخارجي. فبعد جهود المصالحة وحقوق الإنسان والتنمية والبنية التحتية والتحول نحو الصناعة وعصرنة الفلاحة، أصبح للمغرب وضع جديد بوأه مكانة إقليمية متميزة على مستوى الاستقرار والأمن، كما انفتح على الخارج، فأحسن توظيف واستثمار موقعه الجيوسياسي تجاه أوربا، باعتباره منصة إستراتيجية نحو إفريقيا لباقي دول العالم، كما أصبح فاعلا في محاربة الإرهاب والتطرف والعناية بقضايا الهجرة والبيئة والتعايش الديني والسلم العالمي، ومساهما في حل الأزمات من قبيل رعاية الحوار الليبي. وقد ظهر المغرب بلدا فاعلا ومتضامنا في جائحة كورونا بمختلف المبادرات التي قام بها والإستراتيجية التي اتبعها، فضلا عن أن المغرب اتبع منذ مدة سياسة تنويع شراكاته مع كل الدول، خاصة الكبرى اقتصاديا وعسكريا وأوربيا، وكسر طوق مجموعة من الأقاليم والدول، التي كانت تدور في فلك الخصوم بإفريقيا وبدول أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية. وكان لهذا التحول الشامل في الاهتمامات وفي العلاقات، بالغ الأهمية والأثر في ظهور المغرب بصورة جديدة عززت دوره المحوري إقليميا وقاريا ودوليا. كيف استقبل المنتظم الدولي مواقف الرباط وتحركاتها الدبلوماسية؟ قوبلت المواقف المغربية بترحيب واسع ومتسارع، من قبل المنتظم الدولي، الذي ترك وراء ظهره ديماغوجية الحرب الباردة، وحقائب دولارات النفط الجزائري، وشعاراته البائدة وكل الحسابات الاقتصادية الضيقة التي كانت تقف ضد مصالح المغرب وتميل لصالح الجزائر. وأصبحت المواقف والقرارات الدولية تميز وتفرق بين السياسي وبين الاقتصادي، في عالم أكثر براغماتية، ولكن فيه الكثير من العقلانية وفيه الشيء الكبير من الحظ الأوفر لصالح التوافق والاحترام المتبادل والمصداقية ضد سياسات الاستعلاء، ما جعل الكفة عالميا تميل لصالح المغرب، باعتباره صاحب رؤية سديدة ومقترح جدي وعزيمة قوية، خاصة تجاه قضيته الوطنية. إن هذه الإستراتيجية الجديدة هي التي صنعت الفارق، وجعلت الدبلوماسية المغربية حيوية ومؤثرة في كل اتجاه وتعرف كيف تستثمر الفرص، وتقوي التحالفات وتحشد الانتصارات وتفتح الآفاق الواحدة تلو الأخرى. دخلت علاقات الرباط ومدريد منعطفا جديدا بعد أزمة عاصفة. كيف تقرؤون أبعاد التحول في موقف إسبانيا وتأثيره على مسار ملف الصحراء؟ إن الحزم في التطلع لربح رهان القضية الوطنية وحسمها بجد لصالح الحكم الذاتي، يعكس وعي المغرب بأن الوقت الحالي هو الوقت المناسب للحسم والتغيير، ما جعله يجتهد كثيرا لحسن استثمار كل الفرص، ولتحويل التهديدات إلى فرص لصالحه، انطلاقا من إيمانه الشديد بمشروعية الحقوق التاريخية والقانونية التي هي لصالحه. إن المغرب حسم قراراته السياسية والاقتصادية وكل أشكال التعاون والتفاعل مع الوحدات الدولية، دون استثناء بينها، على أساس مبادئ ومرجعيات محددة لا رجعة فيها، وعلى رأسها المواقف الإيجابية من القضية الوطنية الأولى، التي هي قضية الصحراء. ولم يكن من الغريب أن تكون قضية ابن بطوش نموذجا من نماذج الممارسة الفعلية لتلك المبادئ. فما أن طعنت إسبانيا المغرب في ظهره، حتى قطع الشك باليقين، ليراجع كل أشكال العلاقة والتعاون مع البلد الجار، غير المأمون المواقف. وقد ندد المغرب باستقبال بن بطوش في إسبانيا وطلب استفسارات قبل قطع العلاقات واستدعاء السفيرة إلى الرباط. ورغم عدم أخذ إسبانيا في البداية الموقف المغربي بجدية، إلا أنها تحسست خطورة خطيئتها، فحاولت حل الأزمة بإجراءات ومساع ضعيفة وزيارات متناقضة. خطاب الوضوح جاء خطاب الذكرى 46 للمسيرة الخضراء ليضع النقط على الحروف. فوصلت الرسالة قوية للجارة الشمالية التي وجدت نفسها مضطرة للخروج من شرك التخوف من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، إلى تبني مواقف مسايرة والاعتراف بموقف تاريخي يقطع مع موقفها التقليدي، لتختار تأييد الحكم الذاتي أساسا متينا وأنسب لحل مشكل الصحراء المغربية، وهي استجابة تلبي نسبيا المطلب المغربي. وأكدت ذلك بفتح آفاق إستراتيجية مع شريك جار تاريخي أهم لها لا بديل عنه ولا مجال لمقارنته ببوليساريو. وبهذا تعود اليوم العلاقات المغربية الإسبانية لعهد جديد من الشراكة والتعاون، أساسها الاحترام المتبادل وحسن الثقة والمصداقية. في سطور أستاذ باحث بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء محلل سياسي