تشرع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في إرساء آلية مستقلة لتدبير نظام "الفوترة" واستخلاص مداخيل المراكز الاستشفائية ذات التسيير الذاتي، بعد وصول النظام الحالي إلى الحائط، وضياع ملايين الدراهم سنويا على خزينة هذه المؤسسات العمومية. وتضع مصالح الوزارة اللمسات الأخيرة لإخراج هذه الخدمة من التسيير المباشر لإدارات المستشفيات، إلى التعاقد بشأنها مع شركات، أو مكاتب، أو هيآت مختصة في المناولة وفق شروط ودفتر تحملات. ومن بين الشروط التي تلح عليها وزارة الصحة، وضع نظام معلوماتي مندرج على المستويين المركزي والمحلي، يتميز بسهولة إدراج البيانات الخاصة بالخدمات والمرضى وإمكانية الاطلاع عليها. وكشفت الوزارة عن اختلالات كبرى في منظومة التحصيل بهذه المستشفيات، رغم الإنتاج الكبير للخدمات الصحية، سواء الموجهة إلى المواطنين المستفيدين من أنظمة للتغطية الصحية، أو المواطنين الذين يؤدون، مقابل الاستشفاء. وتراجعت المداخيل الذاتية إلى النصف في السنوات الأخيرة في عدد من المؤسسات العمومية الخاضعة لنظام مرافق الدولة المسيرة بصفة مستقلة (سيكما)، خصوصا، ويتعلق الأمر بعدد من المراكز الاستشفائية الجامعية، ومستشفيات جهوية وإقليمية بعدد من العمالات والأقاليم. وتضطر وزارة الصحة إلى ضخ ملايين الدراهم في ميزانية التسيير الخاصة بهذه المستشفيات لتغطية العجز السنوي، بينما ينص نظام التسيير المستقل على وضع آلية للتمويل الذاتي لتغطية نفقات الصيانة الملائمة للبنية التحتية والمنشآت وتمويل الاستثمارات للتشغيل الجيد للمؤسسات وتسهيل تقديم الخدمات للمرضى. وتشتكي أغلب المستشفيات العمومية من هذا الصنف من ضعف المراقبة الداخلية وغياب أنظمة معلوماتية لضبط مساطر الفوترة وتسجيل البيانات الخاصة بالمريض، ونوع المرض، وكلفة الخدمات الطبية، ثم إصدار وثائق رسمية في عدد من النسخ تتوصل بها المصالح المالية والإدارية للمؤسسة نفسها. ويتغاضى موظفون مكلفون بهذه العمليات عن تدوين جميع الخدمات الصحية التي استفاد منها المريض، إذ يكتفون بالإشارة إلى خدمة، أو خدمتين، ما ينعكس سلبا على نظام التحليل الرقمي الذي يظهر تفاوتا بين الخدمات المقدمة فعلا، والخدمات المسجلة في الفواتير. وفي عدد من المستشفيات، ينتهي العمل بنظام الفواتير في الساعات القانونية للعمل، في غياب مصالح للمداومة، تشتغل بعد الساعات القانونية وفي الليل، وفي نهاية الأسبوع والأعياد، باستثناء أقسام المستعجلات التي تشتغل بدوام مفتوح. وتوجد مئات الفواتير في وضعية ضياع، في غياب آلية للمتابعة، وأيضا بسبب النقص في المعلومات حول المستفيد من الخدمات الصحية والنقص في البيانات، دون الحديث عن ظاهرة هروب بعض المرضى من المستشفيات، قبل أداء ما بذمتهم. وتضع هذه الوضعيات إدارات المستشفيات في حالة من العجز المالي تؤثر على الخدمات المقدمة، والعلاقة مع المقاولات والممونين، إذ تضطر إلى الانتظار حتى بداية السنة المالية من أجل التوصل بالدعم المخصص من الوزارة. يوسف الساكت