أمن البرنوصي… العصا والجزرة

حملات كشفت عن نجاعة وكفاءة أمنيين وسيطرتها على الوضع استنفار أمني غير مسبوق أمام مقر ولاية أمن البرنوصي بالبيضاء، عشرات الأمنيين من مختلف الفرق ترابض أمام بابها الرئيسي، يترقبون ساعة الصفر لركوب سيارات المصلحة والشروع في حملة أمنية تجوب شوارع وأحياء المنطقة. وأثار المشهد فضول المارة، وتفاعلوا معه بارتياح كبير، إذ تشعر أن بعضهم خانته الشجاعة للقاء مسؤول أمني وإخباره بأسماء جانحين يتمنى أن يودعوا السجن، أو على الأقل مناشدته أن تشمل الحملة أحياء دون غيرها، حاول فيها جناة رفع راية التمرد والخروج عن القانون. إنجاز: مصطفى لطفي – تصوير (أحمد جرفي) رغم قلة الموارد البشرية والإمكانيات، نجحت مصالح أمن البرنوصي في فرض هيمنتها على منطقة شاسعة، تمتد حدودها إلى المنطقة 17 الشهيرة، وتضم أحياء عشوائية وأخرى ذات أزقة ضيقة بنيت في حقب سابقة، إضافة إلى أسواق شهيرة. قوة المصالح الأمنية بالمنطقة تعود إلى نجاعتها في مناح عديدة، أبرزها انتشارها اليومي بأهم شوارع وأحياء المنطقة، وتدخلها السريع لحظة وقوع الجريمة، وكفاءة ضباطها والأمنيين من مختلف الرتب والفرق الأمنية، دون أن ننسى عناصر فرق المرور، التي تقدم عناصرها تضحيات كبيرة لتأمين حركة السير، بسبب أشغال كبرى تشهدها المنطقة، سيما بالقناطر على الطريق السيار. ساعة الصفر بمكتب علي أبو الفتح، المراقب العام ورئيس المنطقة الأمنية للبرنوصي، كانت رنات هاتفه المحمول، وبرقيات جهازه اللاسلكي لا تتوقف، رغم أن الساعة حينها تجاوزت الخامسة عصرا. يجيب عن جميع المكالمات والبرقيات، ويعيد الاتصال لمتابعة مسار فرقتين للشرطة القضائية وعملياتهما، كلفتا بشن حملات بأحياء تعتبر نقطا سوداء بالبرنوصي. سارع أبو الفتح الزمن للإشراف الكامل على حملة أمنية جديدة، مستغلا خبرته وكفاءته التي تمتد لسنوات طويلة في سلك الأمن، وتوفقه في جميع مناصب المسؤولية التي تحمل مسؤولياتها. ربط الاتصال بضباط للوقوف على آخر الترتيبات، ومدى الحضور الكافي لعناصر الشرطة وسيارات المصلحة قبل إعلانه ساعة الصفر. أسند علي مهمة الإشراف على الحملة إلى العميد الداودي، رئيس الدائرة الأمنية "القدس"، شاب في مقتبل العمر، يتنبأ له الجميع بمستقبل كبير في سلك الأمن، راكم خبرات عديدة، رغم صغر سنه، ساهم فيها عمله تحت امرأة مسؤولين أمنيين كبار اعتبروا أيقونات الأمن والشرطة. دقيقة قبل إعلان ساعة الصفر، لم يتوان المراقب العام، تذكير عميد الشرطة بنصائحه وتعليماته النهائية، أبرزها احترام القانون في أي تدخل أمني وصيانة كرامة الموقوف، تفاديا لأي شبهة قد يستغلها خارجون عن القانون لإثارة أي احتقان والتشويش على عمل الشرطة. التزم العميد الداودي بتعليمات رئيسه حرفيا، إذ مرت الحملة الأمنية في ظروف اعتبرت إيجابية جدا. درب "الدبان" كانت أول وجهة لفرقة أمنية تحت إشراف العميد الداودي حي "الدبان"، إذ يعد هذا الحي من النقط السوداء، رغم أن مبانيه ومظاهره عصرية، خصصت مباني لإيواء قاطني أحياء الصفيح، وأخرى راقية. سرق هذا الحي الحدث في الفترة الأخيرة، بعد أن تداول مغاربة مقاطع فيديو لأفراد عصابة يرشقون سيارات وحافلات بالحجارة بشارع رئيسي بالمنطقة، وتبين بعد البحث، أن المتورطين يقطنون بهذا الحي، وانتهى الأمر باعتقالهم جميعا. لحظة وصول الفرقة الأمنية للحي، انقسموا إلى فرقتين، تولى العميد الداودي ترؤس إحداها. كان الهدوء يخيم على الحي، ساهمت فيه أمطار الخير التي تهاطلت في ذلك اليوم، إذ أجبر أغلب سكانه الالتزام ببيوتهم، لكن رغم ذلك، أثار حفيظة العناصر الأمنية شخصان على دراجتين ناريتين من صنع صيني، وبطريقة احترافية تمت محاصرتهما، وخضعا للتفتيش. ضبطت مخدرات لدى الأول، في حين جاء التفتيش سلبيا لدى الثاني، وبعد تفحص وثائق دراجته النارية وتنقيطه، أطلق سراحه، بينما أودع الموقوف ودراجته في سيارة الشرطة رغم توسله بإطلاق سراحه. اقتحمت عناصر الشرطة ممرا طويلا، اصطفت بجانبه محلات تجارية، بمكان قريب منها، كان أفراد العصابة موضوع "الفيديو الشهير"، يعقدون فيه اجتماعا لاستهلاك المخدرات والتخطيط لعمليات إجرامية. بشكل غير متوقع، داهمت عناصر الشرطة محلا للحلاقة، لتفاجأ بشابين داخله وبعد تفتيشهما، تم ضبط كمية مهمة من مخدر "الشيرا"، لدى أحدهما، فتقرر إيقافهما. عبق التاريخ تواصلت حملة أفراد الشرطة بحي "الدبان"، وشملت سوقا عشوائيا شهيرا، وأزقة ضيقة. خيم على المنطقة هدوء كبير، كسره فقط صياح الباعة الجائلين يعرضون فيها أثمنة مغرية لسلعهم. بدا أن الوضع بالحي تحت السيطرة، ما استدعى تغيير الوجهة صوب حي آخر، وهذه المرة حي تاريخي يحمل اسم درب "المعاكيز". سابقا اشتهر هذا الحي بالشعوذة، بحكم قربه من ضريح الولي الصالح "سيدي البرنوصي"، إلا أن صرامة المسؤولين الأمنيين أجبرت "الشياطين" على الفرار والبحث عن مأوى آخر. المثير في هذا الحي أنه شبيه بأحياء درب السلطان، من حيث التصميم والأجواء، بل تشعر أنه نسخة حرفية منه، لكن مع ميزة خاصة جعلته يتفرد بها عن باقي أحياء البيضاء. في مدخل الحي كان هناك لقاء مع العميد الممتاز رشيد قطري، رئيس الدائرة الأمنية 34 الشهيرة، من أجل تقديم المساندة والدعم لعناصر العميد الداودي. قادتنا أول جولة في الحي، إلى المرور بأزقة ضيقة، يشتم منها عبق التاريخ. وفي لحظة ترجل العميد قطري من سيارة المصلحة وتوجه صوب شخص يشارك الحديث مع صاحب دكان. بشكل سلس ودون مقاومة، رافق هذا الشخص العميد إلى سيارة المصلحة، وحجز له مكانا فيها. لف الغموض العملية بسبب سرعتها، قبل أن يتضح الأمر، عندما حجز العميد قطري، قنينات صغيرة لمياه معدنية تحت حاوية للأزبال، كانت مملوءة بمسكر "ماء الحياة"، فالموقوف "كراب" شهير بالحي، كان موضوع مذكرات بحث منذ فترة طويلة. كان الوضع مستقرا بدرب "المعاكيز"، لا يوحي بحدوث مشاكل وأفعال تستدعي تدخلا أمنيا، ليتقرر الانتقال إلى الدائرة الأمنية لإنجاز محضر الإيقاف في حق مروج "الماحيا". انقراض المومسات بعد جولة بحي "المعاكيز"، واصلت الحملة الأمنية مسارها، وهذه المرة اتجاه "حي مباركة"، والشوارع المتفرعة عنه. بدأ الحي هادئا، كأن سكانه في سبات، لكن هذا الوضع لم يكن معتادا منذ أشهر سابقة، عندما حولت عاملات بالمصانع والمعامل، حياة سكانه إلى جحيم لا يطاق، بعد أن قررن احتراف الدعارة، وتحول الحي إلى مرأب كبير لسيارات الباحثين عن اللذة. يتحمل سكان الحي جزءا من المسؤولية في ما حدث، عندما قرروا كراء غرف لفتيات ونساء نجحن في الحصول على عمل بمصانع بالمنطقة، فأغوتهن المداخيل الشهرية، قبل أن تتجرد عاملات من وزرة العمل، واستبدلنها بملابس مثيرة جنسيا، وتنافسن في احتراف الدعارة. تحول الحي إلى قبلة لكل باحث عن اللذة، واكتظت أزقته بالسيارات، يترقب سائقوها اصطياد فريستهم والمغادرة لقضاء ليلة ماجنة، قبل أن يعيدونهن في الليل في وضع غير أخلاقي ومشين. تحمل السكان عبء تلك المحنة الجديدة، لكن كما يقال لـ"الصبر حدود"، فاستنجدوا بالأمن، إذ أسندت مهمة وقف تلك الفوضى إلى العميد الداودي، الذي استعان بشرطيتين، وانتقلوا إلى الحي، بشكل مباغت، داهموا منزلا به عاملات، فكانت الصدمة كبيرة، أغلبهن في حالة سكر، يرتدين زيا فاضحا، وغزت غرفهن العشرات من قنينات الخمر من مختلف الأنواع. طلب العميد دعما أمنيا، فحلت سيارة الشرطة، أقلت الفتيات نحو الدائرة الأمنية. وبعد إنجاز محاضر الإيقاف، أحلن على النيابة العامة. بعد تلك الواقعة، غادرت مومسات الحي بشكل نهائي، وبدأ يستعيد أمجاده وتاريخه، رويدا رويدا. طـرائـف الـحـمـلـة رغم الصرامة والجدية التي شابت الحملة الأمنية، إلا أنها لم تخل من وقائع طريفة. كانت البداية عندما أصدر العميد الداودي تعليماته عبر جهاز لاسلكي لعناصره بالدائرة الأمنية، بالإفراج عن قاصر كان رفقة صديق له حجزت لديه قطع من الشيرا بحي "الدبان"، وتمكينه من دراجته النارية، ليفاجأ بخبر أن القاصر يرفض المغادرة، ويصر على قضاء الليل بالمعقل مع شريكه، فاستجيب لطلبه. أما الواقعة الثانية فشهدتها الدائرة الأمنية "التشارك"، تزامنت مع لحظة نصب رئيسها وعناصره كمينا لمروج مخدرات، فأوقف في حالة تلبس. اقترب شاب برفقته طفلة وأفراد عائلته، من رجال الشرطة، ووجه اتهاما إلى مسن كان مقابلا له، بأنه "بيدوفيل" وأنه هتك عرضها، فرد عليه المسن بعفوية "راه أنت اللي بيدوفيل" وأعادها ثلاث مرات، قبل أن يستدرك الأمر، ويستفسر عناصر الشرطة، "شنو هو بيدوفيل؟".

تجدد القصف بين وهبي و"بيجيدي"

مخدرات في مياه البحر بالحسيمة

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات