ثقة العسكر الجزائري في قيادات رقيبات الشرق تقلب موازين القوى بقلم: الفاضل الرقيبي لا تكمن غرابة التركيبة السياسية لجبهة «بوليساريو»، في طبيعة عمقها الإثني ولا حتى عدم انسجامها، بل تمتد إلى طرق الإدارة ومحاصصة النفوذ والقرب من دوائر القرار في المرادية وبن عكنون، فالتنظيم السياسي لـ «بوليساريو» منقسم إلى جزأين مختلفين تماما، أحدهما مرحلي والآخر مستمر، وهو بذلك مطالب بأن يستنسخ نفسه للمحافظة على طبيعة وجوهر الصراع الجزائري المغربي. فالمرحلي يتشكل من القيادات التي تنتمي إلى أقليات قبلية تتحدر من موريتانيا والأزواد، والتي وصلت إلى مناصبها عن طريق تقديم خدمات قذرة للأجهزة الجزائرية، سواء بالتعذيب تحت الطلب، أو بالجرائم التي ترتكبها يوميا بين المخيم ومنطقة الساحل. أما الجزء الآخر فعبارة عن خليط من قيادات قبائل الجزائر وزوايا الشريط الحدودي، التي تدين بالولاء للجزائر منذ سنوات عديدة تمتد إلى ما قبل خروج فرنسا. فمنذ تأسيس «بوليساريو»، عملت الجزائر على ضمان أكبر عدد ممكن من قيادات رقيبات الشرق، التي لا تعرف وطنا غير تندوف وضواحيها ضمانا لولائها، وكذلك لإدامة مخيمات «بوليساريو»، فمسألة الاستمرارية مسألة مهمة بالنسبة إلى الاستخبارات الجزائرية، وهي الوصية التي يتوارثها الضباط في ثكنة عنتر سيئة الذكر، التي تعتبر المشرف المباشر على كل التحركات في المخيم، والمسير المباشر للشؤون الخاصة والعامة للقصر الأصفر بالرابوني، إذ تصدر منها تعليمات تعيينات القادة في الجبهة بشقيهم المدني والعسكري، الذين من أبرزهم محمد لمين البوهالي وعبيدة الشيخ ومحمد الشيخ مغيزلات وخديجة حمدي، بالإضافة إلى حمة سلامة وبابية الشيعة والمقبورين سيد أحمد البطل وعبد الله لحبيب البلال. ولضمان الولاء المطلق لزعيم «بوليساريو» السابق محمد عبد العزيز، تم تطليقه من زوجته الأولى وتزويجه بابنة رئيس بلدية تندوف خديجة حمدي قبل تمكينه من زعامة الجبهة. هذا الفريق الذي تم انتقاؤه بعناية فائقة هو الذي تريد له الجزائر أن يتناسخ، بل تلزمه بضرورة خلق الاستمرارية المطلوبة، التي تتجلى في جيل من أبناء هذا الفريق، الذين وصلوا بسرعة فائقة إلى مراكز القوة المالية والتسييرية في المخيم دون غيرهم، فعلى سبيل المثال نجل محمد عبد العزيز لحبيب، المدعو «سكوبار»، والذي لم يتجاوز سن الثلاثين هو اليوم المكلف بإدارة ما يسمى وزارة دفاع «بوليساريو»، وهو المشرف المباشر على التنسيق الأمني في قطاع المخيم/مركالة، ويتم تحضيره لخلافة محمد الوالي اعكيك على رأس عسكر الجبهة، في انتظار أن يسلمه أخواله قيادة عصابة الرابوني، بينما شقيقه الخليل يدير موقعا إعلاميا بإسبانيا لتلميع صورة أخيه أمام الرأي العام الإسباني. أما الوالي فمكلف بتسيير الثروة التي راكمها أبوه بالخارج. ابن محمد لمين البوهالي، المدعو غالي، هو يد والده اليمنى وتم تعيينه في فبراير الماضي مدير التشريفات العسكرية، ومكلفا بالإمدادات في لواء الاحتياط الذي يقوده والده، وذلك بعد عودته من تكوين بمدرسة شرشال سلك الاتصالات والرصد، وابنة بابية الشيعة هي الأخرى عينت قائمة بأعمال سفارة «بوليساريو» بجنوب إفريقيا، وهي التي تشرف على تسيير الأرصدة التابعة للرابوني في الجزائر وبريتوريا. ولا يشكل التوريث بالنسبة إلى «بوليساريو» مسألة معقدة، ما دامت المخيمات تحت حصار أمني خانق لا يمكن في ظله لأي صوت معارض أن يتناول علنا هذا الملف، بل إن تعيين أبناء وأحفاد قادة «بوليساريو» في مناصب حساسة داخل الحركة بات يسوق له على أنه «ضخ دماء جديدة في المشروع الوطني»، مثلما حدث الأسبوع الماضي بعد تعيين ابنة محمد سالم ولد السالك سكرتيرة مكتب إبراهيم غالي، مكلفة بالتشريفات، وقبلها فرض ابن مريم السالك احمادة على رأس الصيدلية المركزية لبوليساريو بالنخيلة، والأمثلة في هذا الاتجاه غير محصورة حتى تصل إلى إلحاق حفيد عبد القادر الطالب عمر بتمثيلية «بوليساريو» بأديس أبابا، وهو الذي لم تطأ قدماه المخيمات طوال حياته. إن خطة التوريث داخل هياكل «بوليساريو» لا تخلو من بعض العقبات، وعلى رأسها الصراع بين أعراش الرقيبات داخل المخيم في خطب ود الأجهزة الجزائرية، فقيادات رقيبات الساحل تحاول جاهدة إثبات أحقيتها في توريث أبنائها، رغم أن الكل يعلم ثقة العسكر الجزائري في قيادات رقيبات الشرق، أكثر من أي مكون قبلي آخر، ويتضح ذلك من خلال إقحام إبراهيم غالي لنجليه في المشهد السياسي بتحكم ابنه الولي في كتيبة حماية الرئاسة، بينما تفرد الرحموني بعلاقة خاصة مع الجنرال اسماعلي، قائد قطاع تندوف العسكري، حولته إلى قبلة للصحراويين الذين يسعون إلى حل مشاكلهم مع السلطة الجزائرية.