إعادة إحياء رائعته المسرحية بلمسة شبابية ينبعث إبداع الفنان الراحل الطيب الصديقي خلال الموسم المسرحي الجديد من خلال مسرحية "في الطريق"، التي أنتجتها مؤسسة "الطيب الصديقي للثقافة والإبداع" وأعدتها للعرض بلمسة شبابية متجددة. واختارت المؤسسة إسناد إخراج وسينوغرافيا المسرحية في حلتها الجديدة للفنان والمخرج حاتم الصديقي، فيما تولى تشخيص الأدوار فيها كل من ليلى الفاضلي وخولة احجاوج وكمال حيمود وعبد العالي زوهيري ورشيد العماري وزياد. وكشف بكر الصديقي، في حديث مع "الصباح"، أن اختيار هذا العمل يكمن في أهميته، باعتباره أول عمل يدخل به الراحل الطيب الصديقي غمار التأليف سنة 1966 بعد سنوات راكم فيها تجربة مهمة في الاقتباس والترجمة والاشتغال على ريبيرتوار المسرح العالمي، ليقرر استثمار ما راكمه في عمل يعكس وجهة نظره في إشكالية ما زالت محافظة على راهنيتها وهي التعارض بين القديم والجديد، بين التقاليد والمعاصرة، بين الثبات والحركية والتغيير. وتطرح مسرحية "سيدي ياسين في الطريق"، وهذا هو عنوانها الأصلي، موضوعا إشكاليا يتعلق بالمواجهة بين التقاليد والتمسك بالخرافات البالية والتحديث والمعاصرة بما تختزنه من عناصر التجاوز وإجهاز الجديد على القديم، مع ما يطرحه من تخوف بالنسبة إلى المنتفعين من استمرار الوضع السائد كما هو. وفي هذا العمل تحضر شخصية "سيدي ياسين"، الذي يرى فيه جل أهل القبيلة وليا صالحا، يجسد في الحبكة الدرامية ذلك الغائب الحاضر، الميت الحي، وذاك العالم التقليدي الذي يتخبط وسط التطورات والتحولات. وعلى امتداد أحداث المسرحية يعيش المشاهد على وقع الوقائع الغريبة التي تتابع وتتمحور حول الماضي الذي يرفض الزوال، ويعاود الظهور في أشكال وسلوكات متعددة تعكس تجذره في بنية النفوس والمجتمع، ومعادلة التوازن بين مفهومي الأصالة والمعاصرة ليست جديدة أو دخيلة على المجتمع المغربي، والذي كان وما زال في ملتقى الطرق بين الحضارات والشعوب. إنها تطرح تساؤلات مجتمعية عميقة تطرق لها المسرح المغربي منذ عقود مضت، وما زالت مطروحة في غضون التوجهات الوطنية الحالية والتطلعات المستقبلية. وتتوالى الأحداث فيصير صاحب الأرض، ذلك الإنسان العاقل وسط شخصيات متنوعة المعتقدات والمفاهيم، وحيدا مطرودا من أرض أسلافه، والتي أصبحت في الوقت ذاته منقذا لأناس طامحين في العيش الكريم، وطامعين في تحقيق رغباتهم الشخصية. وتتتابع المشاهد واللوحات التي تجمع بين السخرية اللاذعة المغلفة بشيء من الحزن والدراما، بلمسة خاصة تعكس المزاج الفني للراحل الطيب الصديقي، الذي كتب هذا النص قبل أزيد من نصف قرن. عزيز المجدوب