باعة تحت رحمة مافيا القروض

اقترضوا مبالغ هزيلة لإنعاش تجارتهم فأجبروا على أداء أضعاف قيمتها أو دفع شيكاتهم إلى العدالة كل يوم على الساعة السابعة مساء، يسود التوتر والارتباك عددا من الباعة الجائلين والحرفيين بزنقة شهيرة بدرب السلطان بالبيضاء. تشعر كأن على رؤوسهم الطير، والسبب أنهم ملزمون بتسديد أقساط يومية لديون وقعوا ضحية لها بطرق احتيالية من قبل "مافيا" القروض بفوائد، تتزعمها نساء وشباب وحتى تجار مخدرات، وفي حال عجزوا عن ذلك، يكونون أمام أمرين أحلاهما مر، زيادة في قيمة الدين أو السجن بدفع شيكات سلموها على سبيل الضمان إلى النيابة العامة. ظاهرة القروض بفوائد بدرب السلطان ليست وليدة اليوم، بل كانت معروفة ومنتشرة منذ سنوات طويلة، وموضوع شكايات عديدة رفعت إلى النيابة العامة والمصالح الأمنية دون أن تأخذ العدالة طريقها الصحيح، إلا أن الكساد الذي صار يسود أشهر سوق بالبيضاء بسبب جائحة كورونا، تفاقم بشكل كبير، إذ عجز ضحايا عن تسديد قيمة الديون وفوائدها الخيالية، فعدد منهم اقترض مليون سنتيم، وبقدرة قادر صاروا ملزمين بتسديد ما بين ستة ملايين سنتيم وعشرة ملايين، وكل من عجز عن ذلك فمصيره السجن. أصل المافيا منح قروض بفوائد ظاهرة تستحق الدراسة بمنطقة درب السلطان، إذ تنامت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، واحترفها كل من نجح في جمع ثروة لأرباحها الكبيرة دون بذل مجهود. يحكي التجار عن شاب ورث عقارا باعه بالملايين، وبدل استثماره في نشاط تجاري، أغرى باعة جائلين بقروض مقابل نسبة مقبولة من الأرباح. انطلت الحيلة على عدد منهم، وبعد تسليمه شيكاتهم على سبيل الضمان وجدوا أنفسهم في دوامة يومية من الابتزاز. الأرباح الكبيرة في عالم القروض بفائدة، حركت جشع تجار المخدرات، وعبدت الطريق لهم لتبييض أموالهم بمنحها ديونا للباعة، والنتيجة كانت كارثية، اعتداءات جسدية على كل من تأخر في تسديدها أو الزج به في السجن، في حين كدس مروجو المخدرات الأرباح في حسابات بنكية بعد أن صار مصدرها قانونيا ومبررا. السقوط في الفخ رغم المآسي التي تعرض لها باعة جائلون وحرفيون بالمنطقة بسبب القروض بفوائد، ما زالت هذه الظاهرة تشهد انتعاشة كبيرة، ساهم فيها الكساد الكبير بسوق درب السلطان، ما أجبر عددا منهم على البحث عن موارد مالية لإنعاش تجارتهم. هذه الأزمة استغلتها مافيا القروض بفوائد بامتياز، إذ قدمت عروضا مغرية، عبر عرض مبالغ يظهر من أول نظرة أنها سهلة التسديد، إذ أغلبها لا يتجاوز مليوني سنتيم، مع التزام بأداء أقساطها المحددة في 200 درهم يوميا. قبل تسليم القرض تشترط مافيا القروض على المستفيدين منحها شيكات على بياض على سبيل الضمان، وفي حال كان البائع الجائل لا يتوفر عليها، يخير بين مساعدته في فتح حساب بنكي والاحتفاظ بدفتر شيكاته أو تحرير اعتراف بدين والمصادقة عليه. قرر العديد من الباعة ركوب المغامرة ، لكن بسبب الكساد، حدثت الصدمة ووقعت الكارثة، فبسبب الجائحة، لم تتجاوز أرباحهم نصف توقعاتهم، وصاروا أمام معادلة صعبة، إما تسديد الدين أو الاحتفاظ بقيمته لصرفه على أسرهم. غالبا ما يميل الضحايا إلى الخيار الثاني، لكن بكلفة باهظة، فكلما تأخر عن تسديد الدين ارتفعت الفائدة وتضاعف مبلغ الدين مرات. كشف ضحية سابق لمافيا القروض بفوائد، عن حيل عديدة يلجأ إليها المتورطون للرفع من فوائد الدين وابتزاز الضحايا، أبرزها تعمد عدم لقائهم لاستيفاء أقساط الدين لأيام، وبعدها يحملونهم المسؤولية أنهم تأخروا في تسديده، ويجبرونهم على دفع قيمة أكبر تحت طائلة التهديد بتقديم شيكاتهم إلى النيابة العامة. ضحايا بالجملة يتذكر باعة جائلون قصة حزينة لزميلة لهم وقعت ضحية مافيا قروض بالفائدة، انتهت بموقف بطولي لأقاربها والمتعاطفين معها. بدأت القصة عندما وقعت البائعة ضحية مرض خبيث، فنقلت في حالة حرجة إلى المستعجلات، وقرر الأطباء الاحتفاظ بها في المستشفى إلى حين تجاوز مرحلة الخطر. وفي الوقت الذي كانت الضحية تعاني بين الحياة والموت، فوجئت بزعيمة مافيا القروض مستعينة بعصابة، تداهم غرفتها الطبية وتبتزها أمام الملأ لتسديد قيمة الدين وفوائده تحت التهديد بدفع الشيكات للبنك. توسلت لها الضحية أن تراعي وضعها الصحي وتمنحها مهلة معقولة إلى حين استعادة عافيتها، إلا أن زعيمة الشبكة رفضت الأمر، وأقسمت بإدخالها السجن في حال تماطلت من جديد. تسبب هذا الموقف في موجة غضب عارمة بين الباعة الجائلين وأقارب الضحية، فقاموا بحملة لجمع التبرعات لتسديد ديونها والفوائد المترتبة عنها، وأعادوا لها شيكاتها بعد أن كانت في طريقها إلى النيابة العامة. قصة مريضة السرطان لا تختلف عن قصة زوجة بائع جائل، كانت تحضر إلى السوق في مناسبات لمساعدته في إدارة تجارته، إلى أن قررت يوما ركوب مغامرة التجارة لوحدها، واقترضت من أفراد الشبكة مليون سنتيم دون علم زوجها. وجدت الزوجة نفسها في ورطة كبيرة بعد أن احتفظت الشبكة بشيكاتها وفرضت عليها نسبة فائدة عالية، إلى أن اكتشف زوجها الأمر صدفة عندما شك في تراجع أرباحه اليومية، إذ تبين أن زوجته كانت ملزمة يوميا بتسديد 400 درهم للمتهمين. مصطفى لطفي التحقيق في خبر كان لم تنفع الشكايات التي تقدم بها ضحايا في وضع حد لنشاط مافيا القروض بفائدة، إذ رغم دخول مصالح الشرطة على الخط وفتح أبحاث وتحريات في الموضوع، غالبا ما تنقلب الأمور على الضحايا ويتحولون من مشتكين إلى مشتكى بهم بإصدار شيكات دون مؤونة. البعض تحدث عن علاقات نافذة لأفراد الشبكة مع مسؤولين، ما جعلهم بعيدين عن المتابعة، والبعض الآخر اعترف بتورط الضحايا، بحكم أن القانون يجرم تقديم شيكات على سبيل الضمان، ويلزم صاحبه بتسديد قيمته أو السجن، وهي الثغرة التي استغلها أفراد الشبكة لتوريطهم. وكانت هناك حالة خاصة فتحت فيها الشرطة القضائية تحقيقا مع محترفات القروض بفوائد بناء على شكاية ضحية، استبشر الجميع خيرا بهذا الإجراء واعتبروه بصيص أمل لوقف معاناة العشرات من الباعة الجائلين والحرفيين، إلا أن الملف شابه الغموض ولم يتخذ أي إجراء قضائي في حق المتورطات.

باعة تحت رحمة مافيا القروض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عشرات الأدوية تختفي من الصيدليات

آش خاصك تدير؟ ... التبليغ عن الجرائم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات