رقم المعتقلين احتياطيا مخيف ومحام يؤكد أن النيابة العامة تتعامل مع الموضوع بطريقة تقليدية يبقى ترشيد الاعتقال الاحتياطي شعارا متبنى رسميا وكثفت الندوات الملامسة له بالدرس والتحليل، لكنه يحتاج إلى ترجمة فعلية واقعا للتخفيف من اكتظاظ السجون واعتبارا لأنه تدبير استثنائي وليس أصلا للمتابعة ومراعاة لأن مبدأ البراءة هو الأصل و»المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته». الأرقام المخيفة للمعتقلين احتياطيا ونسب المبرئين منهم أو المدانين بعقوبات موقوفة التنفيذ، تجعل مراجعة القوانين ضرورة سبقها إطلاق ندوات جهوية حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي في مدن فاس وطنجة والناظور والرباط وتازة ووجدة والرشيدية، أملا في رسم خارطة طريق للتخفيف منه. رئاسة النيابة العامة وجهت دوريات إلى النيابات العامة، لحسن تدبير الاعتقال الاحتياطي وترشيده، حماية لحرية الأفراد والجماعات ولتحقيق العدالة الجنائية. لكن تفعيل ذلك على أرض الواقع، ما زال مؤجلا في انتظار إطلاق المشرع قوانين مقترحة لبدائل معقولة عوضا عن الاعتقال والإيداع. "الاعتقال الاحتياطي معضلة كبيرة تشغل بال كل المهتمين بالحقل القانوني"، يقول مصطفى مخلص، محام بهيأة فاس. ودليله الكثافة الكبيرة في المجال بشهادة رئيس النيابة العامة المؤكد في ندوة رسمية وجود 89 ألف معتقل احتياطيا، ما فرض تنظيم المسؤولين القضائيين مناظرات للتقليل منه. الرقم "مخيف" و"كيف سيتم التعامل معه وتوفير اللوجستيك الكافي لإيوائه بالسجون وما يتطلب ذلك من توفير سيارات وحراس واهتمام بصحة هؤلاء المعتقلين؟" يتساءل منصف مؤكدا "السجن في أصله وجد لأجل التأهيل وإعادة الإدماج"، فيما يفرمل هذا الوضع وسائل التأهيل والإدماج. والإشكال بنظره أن "النيابة العامة لا تفرق بين السجين ذي سوابق متعددة محترف للإجرام، وبين شخص آخر يرتكب الجريمة لأول مرة"، متمنيا تفعيل ما قاله رئيس النيابة العامة في ندوة طنجة من أن "النيابة العامة يجب أن تكون نيابة مواطنة وتساهم في التقليل من الاعتقال الاحتياطي". هذا التقليل حسب مخلص "يجب أن يكون فعليا بتدخل المشرع في مجال المسطرة الجنائية واعتماد تدابير وقائية بديلة عن الاعتقال الاحتياطي بالنسبة لمن يتوفرون على ضمانات"، ذاكرا منها الرفع من قيمة الغرامات وكفالات السراح واعتماد السوار الإلكتروني خاصة في الجرائم العادية. وبرأيه فالنيابة العامة في الواقع العملي، لا تحترم ما جاء على لسان رئيس النيابة العامة وما يفكر فيه من ترشيد وتخفيف للاعتقال الاحتياطي، لأن "لديها فكرة قديمة عليه"، ما تسبب في اكتظاظ السجون برقم مهول من المعتقلين وتحميل الدولة أعباء مالية كبيرة ويصعب إعادة إدماج السجناء. وتمنى المحامي مخلص تتضافر الجهود للخروج من هذه المعضلة الكبيرة، ما تتضح بوادره من اشتغال لجنة التشريع على إخراج مسطرة جنائية جديدة تطلق تدابير وقائية للتقليل من الاعتقال الاحتياطي، ما بشر به أيضا الوزير عبد اللطيف وهبي في جلسة للأسئلة الشفوية بالبرلمان. وفي انتظار ذلك وغيره من الإجراءات الكفيلة بترشيد الاعتقال الاحتياطي، يبقى هذا الإجراء إلى الآن "أصلا والمتابعة في حالة سراح استثناء"، يؤكد محام حقوقي بهيأة المحامين بفاس، في تدوينة بصفحته في "فيسبوك"، معتبرا ذلك "مسخا وتحريفا للمقتضيات القانونية ذات الصلة". حميد الأبيض (فاس)