التحامل بالمناولة يعكس تشنج سلطة عسكر سياسية إقليمية من نجاحات المغرب عبد الرحمن اليزيدي (*) بعد مرور عقدين من العمل الجاد تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس لبناء دولة عصرية وقوية، نجح المغرب في تحقيق هدفين إستراتيجيين كبيرين. أولهما تعزيز الاعتراف الدولي بمغربية صحرائه، بتوالي افتتاح القنصليات الأجنبية بالعيون والداخلة بالأقاليم الجنوبية، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، وثانيهما وضع أسس صناعة عسكرية وطنية متقدمة بعد استئناف العلاقات مع إسرائيل وتوقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بينهما، ذكرت تقارير صحفية أنها ستمكن من تنويع مصادر التسلح وتسريع إنشاء قاعدة صناعة عسكرية مع نقل للتكنولوجيا المتقدمة نحو المغرب، لا شك ستعرف المنحنى التصاعدي الذي تعيشه منظومة صناعة السيارات وقبلها منظومة صناعة الطائرات المغربية بالنظر إلى خبرة ونجاعة المغرب في إطلاق المنظومات الصناعية. وإثر ذلك، انبرت بعض المكونات الفلسطينية للتحامل بالمناولة على المملكة المغربية. وكان لافتا للانتباه تزامن هذا التحامل، وتناغم رسائله مع ردود الفعل العنيفة والمتشنجة لسلطة عسكرسياسية إقليمية، تناصب العداء الوجودي للوحدة الترابية للمغرب، بهدف التشويش على مساره الاقتصادي والاجتماعي المتنامي ومسلسله الديمقراطي المتميز. فما هي إذن الدوافع الحقيقية لهذا التحامل بالمناولة على المملكة المغربية، التي تدعم بيت مال القدس بما يزيد عن 80 في المائة من ميزانيته، والتخندق مع طرف آخر لا يقدم سنتيما واحدا لدعم صمود القدس والمقدسيين؟ فهل هو استئناف المغرب لعلاقاته مع دولة إسرائيل، التي يعترف بوجودها أصحاب القضية أنفسهم؟ أم هي اتفاقية تعاون أمني فرضه سياق محاربة الإرهاب الدولي؟ إن تحصين الوحدة الترابية للمملكة بتوالي الاعترافات الدولية ونجاح المغرب في وضع أسس بناء صناعية عسكرية وطنية، هو تعزيز للسلام في المنطقة، كما أن مواجهة تطور أشكال الإرهاب العابر للقارات حتى صار على الحدود، شيعيا كان أم سنيا، أصبحت تفرض التعاون الأمني بين الدول. هذا التحامل بالمناولة هو صدى عكسي لنرفزة وتشنج سلطة عسكرسياسية إقليمية، هي المتضرر الحقيقي والوحيد من النجاحات الدبلوماسية والاقتصادية والصناعية للمغرب، الدولة الإسلامية العربية الأمازيغية المعتزة بروافدها المتعددة الأندلسية والعبرية والإفريقية. من جهة أخرى، فإن الذاكرة القوية للشعب المغربي والشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية منقوش عليها التاريخ الطويل للمملكة المغربية من الالتزام المتصل تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة، الذي لم تحركه قط لا هواجس تموقع إقليمي، ولا متاجرة بمآسي الفلسطينيين. كما أنها تحفظ بمداد من ذهب أدوار جلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، في الدفاع بكل السبل المتاحة عن القضية الفلسطينية ومدينة القدس بالعمل الدبلوماسي المتصل والمتوازي مع العمل الميداني الذي يستشعر آثاره المباشرة الشعب الفلسطيني عموما والمقدسيون على الخصوص. وفي هذا السياق، ورغم ضعف التمويل العربي والإسلامي، بل وحتى انقطاعه من قبل بعض ممن لا تعوزهم الموارد المالية، تمكنت وكالة بيت مال القدس، الذراع المالي للجنة القدس، من إنجاز مئات المشاريع بقيمة تجاوزت 60 مليون دولار في مجالات حيوية متعددة، كالإسكان والترميم وشراء العقارات والتعليم والصحة والثقافة والشباب والرياضة والطفولة وبرامج المساعدة الاجتماعية، حفاظا على هوية القدس وحماية للحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدسة. ولقيت جهود جلالة الملك محمد السادس على رأس لجنة القدس، طيلة العقدين الماضيين، إشادات عربية وإسلامية متكررة، وعلى أعلى المستويات، جسدت مدى استحسان وتقدير الدول العربية والإسلامية لدور جلالته الرائد في الدفاع على الهوية العربية والإسلامية للقدس الشريف. وبموازاة مع هذه الأدوار، لم تتوان المملكة المغربية أبدا عن الاستجابة لكل ما يخدم مصلحة الفلسطينيين، وتميز جيدا بين الحق الفلسطيني وبين علاقتها مع إسرائيل، فهذه لا تنفي الأخرى، ذلك أن الشعب المغربي واع تمام الوعي بمصالحه الحيوية، وعلى رأسها وحدته الترابية وحقه في تنويع تحالفاته وتعدد شراكاته، وفي الآن نفسه مصر كل الإصرار على تكون القضية الفلسطينية في مصاف قضية وحدته الترابية. (*) عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار فلسطين والصحراء في رتبة واحدة سبق لجلالة الملك محمد السادس أن أكد للرئيس الفلسطيني أن "المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في رتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة". كما جدد جلالته التأكيد على موقف المغرب الثابت والواضح للمغرب الداعم والمساند للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في رسالته الأخيرة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يوم 29 نونبر 2021. وسيرا على هذا النهج المتوارث، فإن المغرب، بقيادة جلالة الملك سيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشـرق الأوسط، وفقا لحل الدولتين المتوافق عليه دوليا، وبما يسمح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، بعيدا عن الخطابات الديماغوجية المغرضة والمزايدات العقيمة.