حان الوقت لتقييم الأنظمة المحفزة

محمادي اليعقوبي رئيس دائرة الجبائيين بالمغرب طالب بدراسة قبلية وبعدية لانعكاساتها اعتبر محامدي راشدي اليعقوبي، رئيس دائرة الجبائيين بالمغرب، أن الإجراءات الجبائية الاستثنائية تعد من بين أهم آليات السياسة المالية، التي تعتمدها الدولة لدعم بعض القطاعات، مضيفا أنه يتعين اعتماد مبادئ أساسية واضحة ومضبوطة في إقرار هذه التدابير، وتوفير آليات تقييم قبلية وبعدية للانعكاسات المرجوة. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: عبد الواحد كنفاوي > تكلف الإجراءات الجبائية الاستثنائية، في المتوسط، 30 مليار درهم سنويا، ما الجدوى في نظركم من هذه التدابير؟ > السياسة الجبائية، بما فيها الإعفاءات والإجراءات الجبائية الاستثنائية، تعد من بين أهم آليات السياسة المالية، من خلال الأهمية التي تمثلها الضرائب والرسوم في إنماء موارد الخزينة وتمويل النفقات العامة، وإنعاش التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية. وتعد سياسة الإعفاءات الجبائية أحد التدابير الاستثنائية التي تنهجها الدول لدعم بعض القطاعات، رغم أنها تفوت على خزينة الدولة موارد مهمة. وتشكل الإجراءات الاستثنائية، بالمغرب، بصفة عامة والإعفاءات الجبائية، بصفة خاصة، عنصرا أساسيا من مكونات السياسة الضريبية، الأمر الذي يتضح، من خلال إصدار المشرع عددا من النصوص التشريعية والقانونية، التي تتضمن إجراءات جبائية استثنائية، باعتبارها تقنية تستعملها الدولة لتخفيف العبء الضريبي عن فئة من الملزمين، أو قصد تحفيز قطاعات معينة. ولم نتطرق، لحد الآن، بجدية في قوانين المالية الأخيرة، إلى الإصلاح المطلوب للإجراءات الجبائية الاستثنائية، إذ أعطيت الأسبقية لإلغاء الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، المتعلقة بتطبيق المعاهدة الموقعة بين المغرب وبين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE)، في إطار إدماج الإكراهات المرتبطة بالامتثال الجبائي الدولي. أظن أنه حان الوقت لتقييم الأنظمة المحفزة وترشيد النفقات الضريبية عن طريق تقييم دقيق لوقعها الإيجابي على المواطن وعلى الاقتصاد. صحيح أن بعض الفاعلين الاقتصاديين يشعرون بالغضب بسبب هذه الإعفاءات الجبائية القطاعية العديدة الممنوحة (الفلاحة، العقار...)، التي لا تنتج، بالضرورة، الأهداف المرجوة، ومع ذلك فهذه الامتيازات الضريبية، المتمثلة في إعفاءات أو تخفيضات ضريبية لبعض الملزمين وبعض القطاعات أو المناطق الجغرافية، يجب أن تبررها سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد تقييم ودراسة دقيقة. > ألا تتعارض هذه التدابير مع مبدأ العدالة الجبائية؟ > ممكن أن تساعد هذه التدابير في الوصول للعدالة الجبائية، حين تخفف العبء الضريبي عن فئة الملزمين الصغار، وممكن أن تكون لها نتائج عكسية تتعارض مع مبدأ العدالة الجبائية. لذلك يجب أن تكون مساعدات الدولة، المقدمة على شكل تخفيضات أو إعفاءات ضريبية، منصفة وألا تتحول إلى ريع، إذ حين تتمتع بعض قطاعات الاقتصاد بدعم زائد، حتى لو كان ذلك لأسباب وجيهة، يمكن أن يؤثر سلبا على الاستثمارات، التي من شأنها أن تتوجه مباشرة إلى القطاع المعني، ما ينجم عنه مفعول فقاعة خطير على الاقتصاد في مجموعه، كما أكدته دراسة سابقة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. > ما هي أهم الاختلالات التي تعانيها المقاربة المعتمدة في منح هذه الإعفاءات؟ > كما قلت سابقا، تعتبر النفقات الضريبية، إحدى الآليات التي توظفها الدولة، من أجل تخفيف العبء الجبائي عن بعض الفئات من الملزمين أو القطاعات الاقتصادية، ما يتيح للدولة إمكانية تحقيق أهدافها الإستراتيجية في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية. وللإشارة، فإن النفقات الضريبية تأخذ أشكالا متنوعة، بين تخفيض معدلات الضرائب والإعفاء التام، ونتيجة لما يترتب عنها من خصاص بالنسبة إلى ميزانية الدولة، وجب تقييم مدى نجاعتها حتى يتسنى اتخاذ القرار الصائب، من أجل الإبقاء عليها أو إلغائها. كما يعد تحديد النظام الضريبي المرجعي أمرا مهما، نظرا لأن اختيارات الضريبة المرجعية تتحكم في أهمية الفارق الناتج عن الاستثناء، مقارنة بالنظام الذي تم اعتباره معيارا. لذلك، يتعين اعتماد مبادئ أساسية واضحة ومضبوطة لكي يتم اعتمادها مرجعا. ولتفادي الاختلالات التي تعانيها المقاربة المعتمدة، من الضروري ‏إرساء آليات سنوية لتقييم سياسات الدعم للتمكن من قياس مدى وجهتها، وأيضا الانعكاسات على النسيج الاقتصادي والاستثمار والشغل على وجه العموم. لقد أصبح من الضروري تحسين محتوى تقرير النفقات الجبائية بهدف تحقيق دراسات تقييم معمقة حول ملاءمة وفعالية وجدوى الاستثناءات الجبائية المقررة وكذا قياس الآثار السوسيو اقتصادية للنفقات الجبائية، بتبني أهداف ومؤشرات أداء قابلة للقياس والتقييم. كما يجب العمل على دعم التقييم ومأسسته، باعتباره أداة من أدوات اتخاذ القرار العمومي، خاصة التقييم القبلي الذي يسبق اتخاذ تدابير جبائية، وكذلك التقييم البعدي، الذي يعنى بقياس نتائج تفعيل تلك التدابير وما تقتضيه من قوانين تنظيمية في بعض الأحيان. هذا هو المنطق العام الذي يجب أن يتم على أساسه تصور الإصلاح الضريبي، هذا الإصلاح الذي لا ينبغي أن تجري معالجته باعتباره إصلاحا تقنيا، بل بصفته إصلاحا سياسيا واسعا، يمثل جزءا من المراجعة العامة لآلياتنا في التحفيز الاقتصادي وفي إعادة التوزيع. سياسة تحفيزية غير فعالة تعتبر الإعفاءات الجبائية إحدى آليات التدخل الجبائي الأكثر استعمالا، لتحفيز بعض الفئات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية، لكنها تظل غير فعالة، خاصة في مجال الاستثمار، إذ أن تأثير الحوافز الضريبية في مجال الاستثمار محدودة. فسياسة التدخل الجبائي عن طريق الإعفاءات لا تعد العامل الرئيسي المؤثر في اتخاذ قرار الاستثمار، بل هناك محددات غير ضريبية أكثر فعالية من المحدد الجبائي. وبصفة عامة، فإن ضعف تدبير الإعفاءات الجبائية أو النفقات الجبائية بشكل عام في المغرب يتمثل أساسا في غياب آلية للمراقبة والتتبع والتقييم، وهذا راجع إلى غياب مقتضيات قانونية تفرض تقييم شامل ودقيق لجميع الإجراءات الجبائية الاستثنائية، إذ يقتصر عملها على جمع الإحصائيات واحتسابها للخسائر الحاصلة في الموارد، دون تقييم ودون أي تأكد من تحقيقها للأهداف المرسومة، ما يتنافى مع الفلسفة الضريبية وفلسفة الإعفاء الضريبي. لذا، يتعين ترشيد الإعفاءات وإلغاء غير المبرر منها وتشجيع اللجوء إلى الأساليب التحفيزية البديلة، أي غير الضريبية. في سطور - رئيس دائرة الجبائيين بالمغرب - دكتور خريج جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاجتماعية و الاقتصادية تخصص علوم التسيير. خريج جامعة «لافال» بكندا (1993). - حاصل على دبلوم مهندس بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة بالرباط و المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس سنة 1989 (الاقتصاد الزراعي). - اشتغل أستاذ علوم التسيير بجامعة القاضي عياض من 1993-2017. - أسس مركز البحث حول «الممارسات الجديدة للتسيير» التابع لشعبة علوم التسيير و مركز دراسات الدكتوراه بكلية العلوم القانونية و الاجتماعية والاقتصادية بجامعة القاضي عياض. - له كتب ومؤلفات علمية في مجال الاقتصاد وعلوم التسيير وعدد من المقالات في المجال.

حان الوقت لتقييم الأنظمة المحفزة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الخلفي: السلاح الأمريكي أنهى أحلام الجنرالات

غياب إطار تعاقدي مع القطاعات المستفيدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات