جيراننا يحبون أطباقنا ومقبلاتنا وشواءنا وشاينا وملابسنا ومساجدنا وصوامعنا ويكرهوننا الجزائريون يحبون الكسكس، لكن يكرهون المغرب. يعشقون غرس أناملهم في حبات القمح "المفور" والمنقوع بمرق متبل ومنسم بالحار، ولا يحبون "شعرة فينا". وحين تذكرهم أن هذا الطبق المطهو بسبعة أنواع من الخضروات، هو إبداع مغربي خالص، يسبقونك إلى كتاب الطبخ العالمي ويسجلونه باسمهم، بكل ما يملكون من "صنطيحة". الجزائريون يتهافتون على "بصطيلة" بالدجاج والسمك، وحفيظ الدراجي، الإعلامي المقيم في الجزيرة الرياضية، يلتهم دوائرها ومثلثاتها مثل "خبز باريسي صغير ساخن". وبين قطعة وقطعة، يشتم أجدادنا ويسب عروقنا في السر. الدراجي هو الكائن الوحيد في الكون الذي يطلب من مضيفيه في مراكش وأكادير والبيضاء، مقادير "البصطيلة" المغربية وطريقة إعدادها، لكن حين تسأله عن أصلها يقول لك دون تردد إنها "دزايرية"، استكشفتها امرأة كفيفة في القرن التاسع عشر كانت تقطن بوهران. جيراننا يستكثرون علينا طاجين اللحم، ويسرقون "البرقوق" الأسود المعسل من جلجلانه في غفلة منا، رغم أننا الشعب العبقري الوحيد الذي يمكنه أن يقنعك بأكلة حلوة ومملحة في الوقت نفسه. صعب أن تجمع مذاقين متناقضين، مثل الحلو والمالح، في طبق واحد، ثم يستلذه الجميع، ومع ذلك يصر الجزائريون على نسبه إليهم. حتى طبق البطاطس بالزيتون يقولون إنه لهم، رغم أن العالم يرى كل يوم كيف يقف جزائريون في طوابير أمام صناديق "بطاطا" المحروسة بجيش السعيد شنقريحة، وآخرون هبوا عن بكرة أبيهم إلى الحقول لجنيها بأياديهم قبل أن تمتد إليها معاول العصابة لبيعها في السوق السوداء. يحبون الزعلوك، ويكرهون الباذنجان والطماطم والبقدونس والثوم المغربي. يحبون التكتوكة، ويعلقون أناملهم وراءها، ثم يعلمون أبناءهم في المدارس أن أصلها من بجاية.. يرتشفون كؤوس الشاي المنعنع في أسطح مقاهي جامع الفنا، ويقولون إن أول من أدخل "أتاي حبوب" إلى المغرب، جزائريٌ من أصل تركي. يلتهمون أسياخ اللحم "المرقد" في الثوم والبصل والتوابل والمنكهات، ويمسحون أفواههم بأكمامهم.. يتجشؤون، ويصفوننا بـ"المراركة" وأبناء المخزن. ينسبون إلى أنفسهم جميع أطباق المغرب، ويهرولون لتنظيم مهرجانات من أجلها، ويصرفون أموالا طائلة من أجل الدعاية لها في المحافل الدولية، وسهرات زوجات الدبلوماسيين والسفراء، لكن فجأة يقدمون قطع "الحرشة" وحبة بطاطس مسلوقة ونصف "كروفيتة" ونصف "سيكار" محشوٍ بلحم جمل مفروم في عشاء فاخر على شرف رئيس دولة. يا إلهي، كيف يجرؤون على تقديم "الحرشة" في عشاء على شرف رئيس دولة إيطاليا؟ وكيف لا يخافون أن تغضب من "حرشتهم" أطباقُ "لازانيا" و"ريزيتو" و"كاربونارا" و"أرانسيني" وصلصة "راجو ألا بولينيز" و"بيتزا" و"تورتيليني"....وترفع ضدها دعوى في محكمة لاهاي بتهمة "التحرش" برئيس دولة عريقة؟ حتى يوسف بن تاشفين، سينهض من قبره ويرفع ضدهم دعوى أخرى بتهمة سرقة صومعة جامع الكتبية بمراكش بكل جلالها المرابطي العتيد، ونسبتها إلى التراث الجزائري في معرضهم بدبي. الجزائريون لا يخجلون وهم الذين يعتقدون أن الجلابة المغربية المطرزة بالسفيفة والراندة جلابتهم، والتكشيطة تكشيطتهم، والبرنس برنسهم، والقندورة قندورتهم، رغم أنها تتوسطها نجمة مغربية خضراء. في منتصف ثمانينات القرن الماضي، غافلهم الملك الحسن الثاني، وشيد أكبر مسجد في إفريقيا على سطح الماء. ولم تمر إلا سنوات، حتى أطلقوا مشروعا لبناء مسجد أكبر منه. الأول يحمل اسم ملك كبير اسمه الحسن الثاني. والثاني، يفكرون في إطلاق اسم "تبون" عليه. وهنا.. اعوجت "الفكوسة". يوسف الساكت تعليق: الجزائريون نسبوا الكتبية إليهم (أرشيف)