أرفض مراقصة الجراح

جنيدي قال إنه يقدم "خلطة عشق" في معرضه الفني "مقامات حروفية" قال عز الدين جنيدي إنه يسعى من خلال معرضه الفني الجديد "مقامات حروفية" إلى تقديم رؤية فنية جديدة تجمع بين الشعر والموسيقى والتشكيل وفن الخط العربي، كما تحدث الشاعر والفنان التشكيلي عن جوانب من مساره الإبداعي، وأيضا عن تجربته في تسيير مجموعة من المركبات والمرافق الثقافية بالبيضاء وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي. أجرى الحوار: عزيز المجدوب > تستعد لإقامة معرض فني بعنوان " مقامات حروفية " ما هي الوصفة الإبداعية التي تروم تقديمها من خلال هذا المعرض؟ > اشتغالي لفترة ليست بالقصيرة على بعض التعبيرات الجمالية من الناحيتين النظرية والتطبيقية كان دافعا للتفكير في خلق مشروع رؤية جديدة من خلال عملي هذا المعنون ب "مقامات حروفية"، رؤية أساسها الدمج وغايتها الذهاب إلى تبيان حدود التقاطع بين هذه التعبيرات، وأقصد هنا تحديدا جوانب الشعر والموسيقى ثم التشكيل الحروفي، باعتبارها أجناسا فنية متآزرة ومتلاحمة منذ القدم في وحدة معرفية وروحية زاخرة بالقيم الإنسانية الخالدة، لذا حاولت قدر الإمكان من خلال هذه الوصفة المتواضعة والتي وسمتها ب "خلطة عشق" أن أقيم لهذه التعبيرات حدود التلاقي والتقاطع رغم تباعدها على مستوى التجنيس والتقعيد باعتبارها كانت ومازالت تدرج ضمن الفنون العالمية الأوسع انتشارا والأطول عمرا بل وصلة بحياة الإنسان، حيث بات الأمر يدعو إلى استعادة مفاصلها المتجذرة في هويتنا وقيمنا لتجد فيها الأجيال القادمة كيان أمة بأكملها بتعبير الباحث عمران القيسي. > تشتغل في أكثر من مجال إبداعي (التشكيل والخط العربي والموسيقى والشعر) ما هو الخيط الناظم بين هذه المجالات وكيف توفق بينها؟ > أعتقد أن الخيط الناظم بينها يتمحور في أن الشعر والموسيقى والخط العربي تبقى أجناسا فنية متآزرة منذ القدم كما أسلفت الذكر ، لقد استوعب الشعر كل الفنون، وأضحى فن الخط العربي، بما هو منتوج عربي/إسلامي خالص بأبعاده الرمزية والدلالية مادة خصبة لتمثل كل التعبيرات الجمالية طيلة مسيرته التاريخية مع اعتماد الشعراء على أبعاده الاستيطيقية بالرجوع طبعا إلى التجربة الكاليغرافية خلال سبعينيات القرن الماضي مع ثلة من مفكرينا المغاربة أذكر منهم بنسالم حميش، محمد بنيس ، وأحمد بلبداوي وغيرهم ، ناهيك عن التلازم الوجودي الذي يقر بانفتاح الشعر العربي على موازنات وقيم صوتية موسيقية مما بعث الكلمة في جذر الكلمة الشعرية. أعتقد أن هذه التقاطعات وحدها كافية لنستشعر أمرا هاما لأن الاشتغال عليها هو في الوقت نفسه توفيق في ما بينها وكفيل بخلق هذا الخيط الناظم الذي ينحو بذائقة المتلقي إلى المبتغى والأهداف المرجوة، ويجيب بالتالي على انتظاراته الروحية والجمالية التي لها دون شك دور هام وحاسم في البناء التنموي والحضاري للمجتمعات. > تتشكل قاعدتك الصباغية على معطيات الحرف العربي وخطوطه، ما هو الأفق الجمالي الذي يقودها أو تنقاد إليه؟ > أعتقد هنا، أنه ينبغي وضع خط فاصل بين الخط العربي بما هو هندسة فنية وروحية يبصم عليها الخطاط من خلال عمليات حركية تتراوح بين المد والجزر، والاستدارة والتزوية، والتشابك والتداخل والتدوير إلى غيرها من الأشكال، وبين فن الحروفيات الذي ظهر خلال بدايات القرن العشرين، والذي يعمل من خلاله الفنان الحروفي على الدمج بين الحرف واللون، فإن كان الخط العربي بالمفهوم الكلاسيكي يتسم بنوع من التشدد على مستوى احترام الضوابط والقواعد المحددة له تبعا لكل نوع خطي، فإن فن الحروفيات، الذي هو موضوعنا، اتسم بخلق هامش من الحرية للمبدع ، حرية تقود أعمالك نحو الغايات والأهداف المرجوة ولا تجعلك منقادا، وهو لعمري خيار يمنح المبدع هامشا من التفاعل التلقائي المرن يبقى في تقديري المتواضع أس الإبداع وعماده، هذا طبعا لا ينقص من شموخ وعظمة الخط العربي ولو بقواعده الملزمة كما أسلفت وضوابطه الصارمة، كما لا يبعد عنه ما تنشده التعبيرات الجمالية من متعة روحية، لذا فاشتغالي منحصر من خلال هذا المعرض على فن الحروفيات الذي يتكامل وباقي الأجناس الفنية سالفة الذكر ويتقاطع معها. > رفضت أن " تراقص الجراح" شعريا وأن تخلو إلى نفسك بحثا عن الإشراقات، حدثنا عن مقامك الشعري وروافده؛ وكيف تساهم في تخصيبه؟ > الإنسان يعيش داخل الوسط المرسوم والمعد له سلفا، فهو يتعايش ويتواصل ويراكم التجارب، هذه الأخيرة تشكل بالنسبة إليه المرجع الأساس لفهم العالم، إلا أن مستويات الفهم هذه تختلف وتتطور مع مرور الوقت، هذا، ولأن زاوية النظر هي التي تخلق الموضوع ، فالإنسان يعيش داخل وسطه حالات صراع وجودي مستمر، حالات قلق وتوتر كفيلة بإبراز خصوصيات ونوع ما يكتب، لقد تم رفض مراقصة الجراح بعد ثبوت الحالة قبلا، والانتقال بعدها إلى ركوب صهوة تعبيرات جمالية منتقاة يرى فيها الكاتب الحضن الأمثل والملاذ المرغوب ليعيش إشراقاته بالشكل والحجم اللذين رسمتهما له مرجعياته الفكرية والفنية بل وحتى التربوية أحيانا، ليخصبها باجتهاداته، وتحديدا بنظرته الخاصة للحياة بكل تناقضاتها المفروضة علينا والتي تجعلنا حتما ندرك جمالية هذا الوجود بأقصى احتمالات القبح الكامن فيه. > اشتغلت مديرا لأكثر من مركب ثقافي بالدار البيضاء، وراكمت تجربة في هذا المجال، كيف ترى ملامح الوضع الثقافي وتدبيره في مدينة تبدو ظاهريا وكأنها بلا قلب ولا إحساس؟ > اعتقد أن ما يقارب من ثلاثة عقود من مسؤولية تدبير العمل الثقافي، تمنحك جرعة ضافية لفهم الآخر وفهم جوانب أساسية من الحياة، فالاشتغال بالفضاءات الثقافية يحقق لك بالضرورة شرط هذا التواصل والتلاقي مع هذا الآخر الذي قد يكون موسيقيا أو مسرحيا، مفكرا أو تشكيليا، سياسيا أو رجل تربية، حسبي أنه احتكاك، إن كان المسؤول يحب عمله فعلا، كفيل بتشكيل نظرة مسبقة وتصور عام عن الثقافة والمثقفين، بل حتى عن الوضع الثقافي بالبلاد باعتبار أن المركب الثقافي يبقى في منظوري الخاص عينة قابلة للتمثل والاستدلال بتعبير فقهاء اللغة. لقد تعودت من خلال مناقشاتي لنخبة المثقفين، من رواد وأصدقاء أن أستشهد دائما بالنصف المليء من الكأس بخصوص وضعنا الثقافي الراهن، نظرا للتحول المجتمعي الطارئ خلال العقود الثلاثة الماضية، وكذلك لتغير نظرة الناس، وإيمانهم العميق بجدوى الثقافة كونها أضحت في أذهانهم نموذجا للتنمية ولبناء الإنسان بالدرجة الأولى، وهذه خطوة مهمة في اعتقادي لخلق مشاريع رؤى عمل بديلة، تروم نفض الغبار عن المشاريع الثقافية، وتشجيع الفعل الثقافي بالمدرسة العمومية ثم الاحتكاك ما أمكن بالتجارب الرائدة بهدف النهوض الجماعي بالثقافة، أقول الجماعي رغم أن الأمر موكول هنا بالدرجة الأولى لذوي القرار والمسؤولين عن هذا الجانب الحيوي الهام. في سطور ـ شاعر وفنان تشكيلي وموسيقي. ـ من مواليد البيضاء ـ حاصل على دبلوم الدراسات الجامعية من جامعة الحسن الثاني ـ الإجازة في الأدب العربي/ تخصص لسانيات . ـ اشتغل مديرا لمؤسسات علمية ومركبات ثقافية بالبيضاء. ـ له اهتمامات فنية وإبداعية في مجال الموسيقى والخط العربي . ـ صدر له: ديوان "أبداً لن أراقص الجراح" عن دار القرويين بالمغرب وديوان "إشراقات في حضرة الخلوة" عن دار فضاءات بالمملكة الأردنية ..

أرفض مراقصة الجراح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كواليس الفرق

خليلوزيتش يعلن لائحته اليوم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات