“تسونامي” ثامن شتنبر ومهام إعادة البناء

"بيجيدي" بين إكراهات الهزيمة وإعادة التموقع في الحقل السياسي بشكل جديد لم يستيقظ مناضلو العدالة والتنمية، من غيبوبتهم، بعدما أصابهم زلزال "تسونامي"، الذي دمر العدالة والتنمية دمارا شاملا في انتخابات 8 شتنبر، كأنهم تعرضوا لقصف بقنبلة نووية. وفقد قادة الحزب والمحللون السياسيون بوصلة استيعاب ما جرى لحزب الإسلاميين، ما يجعلهم يسقطون ضحية دعاية فجة في توضيح النكسة التي تعرض لها حزب " المصباح" بربط عقاب الناخبين بالتطبيع مع إسرائيل، وهو تحليل سطحي غارق في الإيديولوجية والغباء. وإذا سلمنا بهذا التحليل السطحي، فإن الذين صوتا عليهم المغاربة أحزابا ومرشحين، وحصلوا على رتب جيدة في سبورة نتائج الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية، أغلبهم مع التطبيع، ومع ذلك منحهم الناخبون أصواتهم. وهناك عوامل كثيرة أسهمت في هزيمة "بيجيدي"، بعيدا عن العقاب الشعبي وغياب المحاضر أو وجود ما يشبه التزوير، كما روجه بعض القادة دون دليل، وكان عليهم الاستماع إلى نصيحة المصطفى الرميد، وزير الدولة والقيادي المتمرس، والذي استوعب خيوط اشتغال المؤسسات الدستورية بالمغرب، حين دعا "إخوانه" إلى ضرورة تقليص المشاركة الانتخابية، لتفادي الأسوأ، وتسهيل مأمورية حدوث تناوب ديمقراطي، عاد يساعد الحزب المؤهل لقيادة الحكومة على الاشتغال، لكن ذهب كلام الرميد في مهب الريح، بسبب تسلط عبد الإله بنكيران، وتجبره. وأهم عامل محدد لهزيمة العدالة والتنمية، هو تصرف بنكيران نفسه، الذي خصص سنتين لقصف صديقه سعد الدين العثماني، ووزراء الحزب وقادته، وتهجم عليهم بسبب وبدونه، لأنهم توافقوا أن يستمروا في الحكومة ، بعدما صادق بنفسه على قرار تنحيته وتعويضه بالعثماني على رأس الحكومة، والحزب. لكن بنكيران، المتميز بديكتاتورية الرأي لم يتوقف، في نسف " إخوانه" الواحد تلو الآخر، وتبيان الحزب كأنه مجرد مطية للاغتناء وتحقيق المآرب الصغيرة لكل قيادي، إذ حول مواقع التواصل الاجتماعي، و" لايفات" 10 دارهم إلى منصة لإطلاق صواريخ أرض جو لتدمير قيادة الحكومة ووزراء الحزب وبرلمانييه. وسجل أن بنكيران أشعل فتيل الحرب الداخلية بإثارة جزئيات صغيرة وتضخيمها لتدمير حزبه والتدخل بعد تشكيل الأغلبية الحكومية، لمهاجمة حلفاء الحزب، وإحراج العثماني، والبحث محاولة التأثير في قرارات رئاسة الحكومة و في قرار القيادة والفريق البرلماني. وهاجم بنكيران العثماني مرارا، وقال إنه لن يصلح أن يكون رئيس الحكومة، وعليه أن يعود إلى مصحته لعلاج المرضى النفسانيين، وهو تنقيص من قيمة الرجل، الذي تمكن على الأقل وهو يدبر الشأن العام من ترأس اجتماعات بحضور الولاة، والعمال، ورؤساء المجالس الجهوية، والبلديات والمجتمع المدني، أمام الصحافيين، وهو ما لم يستطع بنكيران القيام به، لأنه اختص في فن الخطابة، ومواجهة الأشباح بالشتائم وممارسة الديكتاتورية في القول، وتبخيس عمل المسؤولين، وتصرفه هذا عبارة عن حلقة فلكورية تستدعي النكت، والأمثال والأحاجي دون اتخاذ القرار الصائب لحل مشاكل المغاربة. ولم يهدأ بال الرجل إلا بعد حصوله على معاش 7 ملايين شهريا، وبعد صمت مطبق بمرور سنة ونصف سنة، عاد الرجل ليبحث عن أي زلة يهاجم فيها العثماني ليدمره بشكل نهائي، بل شجع كل القادة والمؤسسين، بعدم الترشح والتهرب من تحمل المسؤولية، وعدم ترؤس التجمعات الخطابية، ما دفع صقور الحزب إلى القيام بانتفاضة صامتة هي " تغراق الشقف" للعثماني ووزراء الحزب. ولوحظ على بنكيران والعثماني، عدم تنفيذ العدالة الجبائية بين المواطنين، فالموظفون والمستخدمون يؤدون أكثر ولا يربحون، والشركات تتلاعب وتمارس الغش وتربح ولا تؤدي، ما يعني إيمانهما المطلق بالنظام الرأسمالي المحتكر، وليس الليبرالي الاجتماعي المنفتح، والذي يسمح بتنوع المبادرة الحرة والتنافس لتقليص الأسعار واستفادة المواطنين. العقاب عاقب الناخبون العدالة والتنمية، لأنها حملت شعارات لم تقدر على تنزيلها سواء في فترة رئاسة بنكيران، أو العثماني، فهما لم يقدرا على حل العديد من الاشكاليات الخاصة بوجود تفاوت مجالي، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وتدحرج الطبقة المتوسطة إلى سلم الفقراء، وسيادة الفوضى في الإعلام العمومي والخاص، وعدم توفير الحماية الاجتماعية للطبقة العاملة، بالاستفادة من التغطية الصحية الأساسية واقعيا وليس خياليا، والتصريح بالعاملين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وضمان التقاعد والتقاعد التكميلي، لأن الحماية الاجتماعية تسهم في حدوث استقرار اجتماعي، وتضمن للمواطنين العيش في كرامة. حصيلة غير مقنعة مهما دافع " بيجييدي" عن حصيلة 10 سنوات من تدبير الشأن العام، التي لم تكن كلها سلبية، إذ برزت إيجابيات في تحسين البنية التحتية لبعض المدن، وتوفير فرص العمل بالإدارة والقطاع الخاص، رغم عدم كفايتها مقارنة بملايين الطلبات، فإن أغلب النقط الواردة في برنامج الحزب لم تتحقق، فقد ظل بنكيران يقدم المنجزات في خطاباته بمحاربة التماسيح والعفاريت، مثل قصص ألف ليلة وليلة، فيما حاول العثماني تدارك بعض الأمور ونجح فيها ومع ذلك، لم يكن مقنعا في تدبير الحروب الصغيرة التي عرقلت مسار عمله، بدءا من تدخل بنكيران في شؤونه، وشؤون الحكومة، وغياب الجرأة في مواجهة الصعاب، لذلك أراد العثماني أن يخرج منها بسلام وبأقل الخسائر، فخرج من باب الحكومة كما أراد لكنه عانى كثيرا وهو يخرج من الحزب مستقيلا رفقة أعضاء الأمانة العامة، فهل سيحل الحزب نفسه، ويرجع إلى طبيعته الدعوية كما كان أم سيغادر مجلس النواب أم سيواصل عمله؟. إن بنكيران فرح بتحميل العثماني المسؤولية فيما آل إليه وضع الحزب، لذلك سيعود إلى الحزب من باب المؤتمر الاستثنائي، أو يفرض أحد المقربين منه في منصب الأمين العام لإعادة الحياة إلى مفاصل الحزب الميتة، ووضع هيكلة جديدة، والإبقاء على العلاقة بين الحزب وحركته الدعوية التوحيد والإصلاح، واسترجاع المناضلين . أحمد الأرقام

“تسونامي” ثامن شتنبر ومهام إعادة البناء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيهاب أمير يغازل الأحرار

"بواجدي" عمدة لفاس

مقالات ذات صلة