عندما “خلق” الميناء مدينة اسمها البيضاء

بناه السلطان محمد بن عبد الله وعرف قفزة نوعية في الحقبة الاستعمارية لا يعتبر ميناء البيضاء فقط " أسطورة" بحرية يشتهر بها المغرب، بحكم أنه بني في موقع بحري، شدد كل المختصين في بداية القرن الماضي، على استحالة بناء ميناء عصري فيه، وإنما "إله" وهب الحياة إلى حاضرة صغيرة اسمها "أنفا" وحولها إلى أكبر المدن المغربية مساحة وسكانا وأقواها اقتصادا.كان ميلاد ميناء بالبيضاء، كما جاء في دراسة لفاطمة العيساوي أستاذة بكلية الآداب بابن مسيك، عام 1785، من قبل السلطان سيدي محمد بن عبد الله في زيارة له لأنفا وقتها، إذ أعجب بمرفئها، فأمر ببناء مرسى حديث.بعدها سيحظى المرسى بأهمية ومكانة رفيعة، بداية في عهد السلطان محمد بن عبد الرحمان، الذي خصه بالتنظيم الإداري عام 1859، وإخراجه من وصايا القواد، إذ جعل الإشراف عليه بيد الأمناء ونوابهم.وتضيف الدراسة أن هذا الوضع الاعتباري لمرسى البيضاء، أثر بشكل سلبي على العمران بالمدينة، لأنه كان وقتها ممنوعا على جميع المغاربة بناء منازل أو ما شابهها، ولو كانت فنادق لإيواء البحارة أو العاملين في المرسى.غير أن هذا الوضع لم يستمر طويلا، سيما عند اكتمال تنظيمه في عهد السلطان الحسن الأول، إذ سيساهم الميناء في تعمير المدينة، لسببين، الأول حسب الدراسة، أنه كان ممولا للبناء، وثانيا، أن الأرض في داخل السور القريب من المرسى كانت ملكا للمخزن، وبالتالي فكل البناءات التي شهدتها الدار البيضاء وقتها كانت بتمويل من المرسى وبدرجة ثانية بتمويل من الأحباس، إذ أن جميع الدور والحمامات والفنادق وغيرها من البناءات والأسوار خلال القرن التاسع عشر مصدرها من المرسى، وتشير بعض النصوص، حسب الدراسة دائما، إلى أنه في نهاية القرن 19، تم بناء السور الجديد ومسجد الحمراء وبعض الزوايا الدينية بالمدينة، منها الزاوية الدرقاوية.في الحقبة الاستعمارية سيشهد الميناء قفزة نوعية، عندما نجح المارشال "ليوطي" في إقناع السكان المولى عبد العزيز ببناء ميناء كبير وعصري.استغرق بناء الميناء سنوات عديدة بعد أن واجه صعوبات كبيرة بسبب الطبيعة الجغرافية الصعبة للمنطقة والتي دفعت مهندسه إلى ابتكار طرق جديدة لتثبيت مياه الأطلسي الهائجة، وهو ما نجح فيه سنة 1920، ليصبح للبيضاء ميناء يضاهي موانئ أوربا.هنا، ستشهد البيضاء هجرة كبرى من العديد من المدن الغربية نحو البيضاء، من قبل الأثرياء والفقراء وحتى المعمرين الفرنسيين.وجد أثرياء فاس الذين اشتهروا بالتجارة، في الدار البيضاء ومينائها فرصة لممارسة تجارتهم وتنميتها، وذلك بسبب عدم قدرتهم على منافسة المستعمر في مجالات المناجم والصناعة. استقروا في أحياء الحبوس و"باستور"، وتخصصوا بالمضاربة في السلع الغذائية، وحققوا أرباحا خيالية جدا، لدرجة أن أحد أكبر تجار فاس، كان اسمه "التازي"، بلغ رقم مليار سنتيم في ثروته. هذا الحضور الفاسي إلى الدار البيضاء، سبقه أيضا حضور وازن للتجار اليهود المغاربة، ما مكن من فتح آفاق شغل جديدة بالمدينة بالنسبة إلى الوافدين عليها من القرى والضواحي.أما الفقراء والفلاحون، فدفعهم إغراء العمل في الميناء أو لدى التجار الفاسيين واليهود إلى التخلي عن أراضيهم، وهنا بدأت تنمو بشكل سريع أشهر الأحياء الصفيحية بالمدينة، أشهرها "كريان سنطرال"، التي ستكون مكانا للمواجهة بين الحركة الوطنية والسلطات الاستعمارية، سيما عندما نجحت أحزاب وطنية ونقابات في توسيع نفوذها داخل هذه الإحياء واستطاعت أنصار لها.لم تقتصر الهجرة نحو البيضاء فقط على المغاربة، بل حظيت أيضا باهتمام المعمرين الفرنسيين، وهنا وجد المقيم العام "ليوطي"، رفقة مهندسه المعماري "هنري بروس"، نفسهما مجبرين على بناء مدينة عصرية خاصة بالمعمرين الفرنسيين وأصدقائهم من المغاربة الأثرياء أو ذوي النفوذ، حيث قاما ببناء شوارع عريضة، تحفها عمارات كبيرة وجميلة.الاهتمام بالجمال العمراني للمدينة، لم يكن وحده ما يشغل بال السلطات الاستعمارية، بل شهدت المدينة أيضا بناء أول مصنع وبشكل جدلي انبثاق أول نقابة. ومع حلول عام 1950، أصبحت الدار البيضاء مركزا تجاريا ديناميكيا يعرف التعمير فيها نموا كبيرا. مصطفى لطفي

عندما “خلق” الميناء مدينة اسمها البيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تطور البيضاء وليد شرعي للحماية

الدار البيضاء... "بين البارح واليوم"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات