بدائل عقوبة السجن على ضوء مشروع القانون الجنائي

التعديلات المقترحة تستجيب لحاجة حقيقية في ظل الاكتظاظ المتزايد الذي تعرفه السجون المغربية إن السجن باعتباره وسيلة لتنفيذ العقوبة، يهدف إلى الوقاية والردع من جهة والإصلاح والتربية والادماج من جهة أخرى، فالعزلة التي يخضع لها السجين تجعله يرجع إلى نفسه ويتأمل في سلوكه الشاذ مما يجعله يندم ويخرج بعد ذلك إلى المجتمع عضوا صالحا، إلا أن السؤال المطروح هو: هل نجحت السجون في مهمتها الأساسية المتمثلة في تطبيق العقوبة بشكل يسمح بتربية السجين وإدماجه في المجتمع؟ يكاد يجمع المهتمون على أن الجواب بالنفي، ذلك أن العقوبة في ظل الظروف الحالية التي تعرفها السجون تحدثا آثارا سلبية على السجين وعلى أسرته وعلى المجتمع بأسره، فعقوبة السجن تفقد السجين كرامته وعمله وتؤدي في بعض الأحيان إلى تفكيك أسرته، كما أنها وهذا هو الأخطر تجعل السجين على هامش المجتمع منبوذا من قبل أعضائه، فالسجين المبتدئ الذي أودعناه السجن لأنه أصدر شيكا بدون رصيد أو من أجل جنحة إهمال الأسرة أو ارتكب عنفا خفيفا قد يخرج منه وقد أصبح من عتاة المجرمين، هذا فضلا عن التكلفة الاقتصادية التي تتحملها الدولة. وفي هذا الإطار فقد حدد المشرع في مشروع القانون الجنائي بدائل لعقوبة السجن، في العمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، إلا أنه استثنى بعض الجرائم من الحكم فيها بهذه البدائل نظرا لخطورتها، ومنها جرائم الاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ وجرائم الاتجار في البشر والاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية. ويعد بديل العمل لأجل المنفعة العامة من أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع القانوني الجنائي، وذلك اقتناعا من المشرع بعدم فعالية السجن في تحقيق الإصلاح والإدماج والتأهيل، لذلك فقد أدرجها من ضمن العقوبات البديلة عن السجن وألزم المحكوم عليه بالقيام بعمل بدون مقابل لفائدة شخص اعتباري عام أو جمعية ذات منفعة عامة، كما اقترح مشروع القانون الجنائي الغرامة اليومية بديلا للعقوبة السالبة للحرية وذلك من خلال أداء المحكوم عليه لمبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها وتتراوح ما بين 100 درهم و2000عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، وتراعي المحكمة في تقدير الغرامة الإمكانيات المادية للمحكوم عليه وخطورة الجريمة المرتكبة. بالإضافة إلى عقوبتي العمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية، شملت العقوبات البديلة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، وذلك بتقييد صلاحيا المتهم في التمتع ببعض الحقوق ذات الطبيعة السياسية أو المدنية أو المهنية بغية إصلاحه وإعادة إدماجه في المجتمع. ومن هذا المنطلق فإن اعتماد العقوبات البديلة سيخفف من الاكتظاظ الموجود بالسجون من جهة، وسينعكس من جهة أخرى إيجابا على ظروف قضاء العقوبة الحبسية في الشق المتعلق بالصحة وشروط التكوين والتهذيب وإعادة الإدماج، مما يعطي للعقوبة الزجرية مفهوما جديدا وألا يصبح السجن وسيلة لتحويل الأشخاص الأشرار إلى أشخاص أكثر شرا وألا يذهب للسجن إلا من يستحق ذلك، وفي إطار تحسين ظروف السجناء وتوفير الأطر للإشراف على التربية والتهذيب. وتأسيسا على ما سبق نود أن نشير إلى أن هناك بعض الجرائم يستحسن فيها أن تحذف فيها العقوبة السالبة للحرية، وذلك باستبدالها بالغرامة فقط، كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى العنف البسيط، وإن كان المشرع في الفصل 400 من القانون الجنائي منح للقاضي السلطة التقديرية في العقوبة بين الغرامة والعقوبة السالبة للحرية، إلا أن الحكم بالغرامة من 200 درهم إلى 500 لوحدها لا يحقق الردع المتوخى، لذلك أقترح الرفع من مبلغ الغرامة في مثل هذه الجرائم لتمكين القاضي من الحكم بالغرامة وحدها دون العقوبة السالبة للحرية. لكل هذه الأسباب المذكورة آنفا فإنني أعتقد بأن مشروع التعديل التشريعي الذي جاء بالعقوبات البديلة عن عقوبة السجن، سيكون موفقا في حال إقراره لها سيما عقوبة العمل من أجل المنفعة العامة، إلا أن ما يلاحظ على ما جاء به المشروع في هذا الشق هو اقتصاره على الجنح الضبطية دون الجنح التأديبية والرأي، فيما أعتقد أن المشرع سيكون موفقا أكثر في حال اعتماده لعقوبة العمل من أجل المنفعة العامة على جميع الجنح كيفما كان نوعها باستثناء الجنح الواردة في الفصل 35-3 من مشروع القانون، كما أن هذا الأخير أغفل الحديث عن اختيار نوع العمل، والرأي في ما أعتقد بأن اختيار نوع العمل لا يتطلب موافقة المعني بالأمر، بل يوكل أمر ذلك إلى القاضي وأن يوفر له مساعدين اجتماعيين يطلعونه على نوعية الأعمال المتوفرة بتنسيق مع السلطات المحلية ومختلف الإدارات العمومية، ويتعين على القاضي أن يقوم بإجراء أبحاث تتعلق بشخصية المحكوم عليه لمعرفة مدى كفاءته البدنية ومؤهلاته وقدراته مع مراعاة كرامة الشخص ومعتقداته الدينية. ويهدف المشرع المغربي من خلال مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن العقوبات البديلة، جعل العقوبة المحكوم بها نافعة للمجتمع والأفراد والدولة، وذلك من خلال استبدال العقوبات السالبة للحرية والتي تكلف الدولة والمجتمع تكاليف باهظة دون تحقيق النتيجة المرجوة منها، بعقوبات تعود بالنفع على الجميع. عموما يمكن القول بأن التعديلات المقترحة تستجيب لحاجة حقيقية، في ظل الاكتظاظ المتزايد الذي تعرفه السجون المغربية وعدم تمكنها من تحقيق مهمتها الأساسية في تطبيق العقوبة بشكل يسمح بتربية السجين وتهذيبه وإصلاحه وإدماجه في المجتمع، وقد تكون بدائل عقوبة السجن أكثر فعالية ونجاعة من السجن. أما بخصوص الصعوبات التي يمكن أن تواجهها هذه التجربة فتتجلى بصفة أساسية في عدم تقبلها من قبل المجتمع الذي تعود على الزجر والعقاب وإيداع المحكوم عليه السجن، باعتباره وسيلة للتأديب وجبر خاطر الضحية. واستخلاصا لما سبق فإن نجاح هذه التجربة رهين بتوفر دعم وتوافق كافة الفاعلين في النظام القضائي والزجري لتقبلها من قبل الرأي العام، ولبلوغ هذا الهدف يتعين إشراك جميع فعاليات ومكونات المجتمع، وذلك من خلال القيام بحملات توعية وتحسيس ومواكبة ذلك بتغطية إعلامية واسعة وتنظيم ندوات علمية لكسب دعم الرأي العام وتقبله لهذه التعديلات. * عبد الكريم الشخش باحث بسلك الدكتوراه

بدائل عقوبة السجن على ضوء مشروع القانون الجنائي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الـدرك يسقـط عصابـة النحـاس

فطور انتخابي يفضحه "لايف"

مقالات ذات صلة