اختفاء غالي يدخل “بوليساريو” نفقا مظلما

الصحراويون بالمخيم بدؤوا في طرح التخمينات و البدائل بعد غيابه عن أحداث بارزة بقلم: الفاضل الرقيبي حرصت الجزائر وهي تصنع "بوليساريو"، على أن تجعل منها نسخة مطابقة لنظام الكابرانات عندها، ورسخت فيها العقلية البوليسية في الإدارة والأداء، فتجد أن تعامل هذه العصابة مع الصحراويين بالمخيم كان أمنيا منذ البداية. حيث أن كل شيء بالرابوني يُدار بعقلية العسكر، بما في ذلك توزيع المساعدات والمياه، التي تخضع لحسابات كتابة الأمن والتوثيق، وهي أقوى أجهزة القمع و التعذيب بالمخيم، وكذلك عين المخابرات الجزائرية بالمخيمات لأنها تشرف على كل كبيرة و صغيرة فيها. ترسخ هذا المنطق مع مرور الزمن، حتى أصبح سائدا داخل كل هياكل تنظيم البوليساريو، فأموال التنظيم وجولات قياداته وحتى صحتهم، كلها أمور يتم تدبيرها بذهنية محاكم التفتيش، فيمنع التداول فيها بين عموم الناس، بل قد يتعرض الخائض فيها إلى الاعتقال أو التشويه، وقد يصبح في أحسن الأحوال موضوع تخوين من قبل حراس المعبد بالرابوني. وقد وجدت هذه العقلية ما يؤكدها في الصمت المُطبِق حول غياب زعيم جبهة البوليساريو ابراهيم غالي عن المشهد، منذ أن أعلنت الجبهة عن تصفية قائد سلاح دركها المدعو الداه البندير، و الذي يعرف الجميع في المخيم أن غالي كان برفقته في جولة غير معلنة على الحدود الجزائرية المغربية. اختفاء زعيم الرابوني عن الأنظار منذ هذه الحادثة، و ما تلاه من تكتم من جانب أجهزة البوليساريو، يؤكدان أن الأمر جلل، و أن ما تحاول القيادة أن تخفيه عن سكان المخيم، أعظم من أن يبقى طي الكتمان مع توالي الأيام. و مما زاد من حساسية الموقف، غياب الرجل عن حدثين هامين، كتقديم واجب العزاء في وفاة رفيقه الداه البندير، و تسلم جرعات من اللقاح منحها الهلال الأحمر الجزائري، الشيء الذي غذى الشكوك لدى الصحراويين بالمخيم، حول رواية كتابة الأمن و التوثيق، لتزداد هذه الشكوك بعد تأجيل جلسة ختام دورة لبرلمان الجبهة، كان من الضروري أن يحضرها غويلي شخصيا، لأنها جلسة مصادقة على ميزانية الأسدس الثاني من هذا العام. ولد زعيم البوليساريو الحالي في منطقة الرحامنة بالمغرب سنة 1946. و على غرار باقي قيادات البوليساريو تسللت الأورام السرطانية لجسده بالإضافة للأمراض العديدة التي يعاني منها كمرض القولون العصبي وانتفاخ دوري في الغدد اللمفاوية. وإذا كانت طبيعة الوظائف التي تقلدها باسبانيا والجزائر قد مكنته من الاستفادة من خدمات صحية جيدة، والبعد عن قساوة ظروف المخيم، لكن عودته لزعامة الجبهة في منتصف يوليوز 2016، قد فتحت الباب على متاعب صحية، نقل إثرها مرارا إلى مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر ومستشفى عزيزة عثمانية بتونس، خصوصا وأن العلاج بالمستشفيات الأوروبية لم يعد متاحا للرجل، بسبب الملاحقات القضائية إثر جرائم اغتصاب و تعذيب ارتكبها، و هي اليوم قيد النظر أمام القضاء الاسباني. ومهما سعت قيادة الرابوني في التستر على أسباب اختفاء غويلي عن الأنظار، فإن غيابه هذه المرة أعاد للواجهة مسألة الخلافة على كرسي الأمانة العامة، إذ بدأ الصحراويون بالمخيم طرح التخمينات والبدائل، رغم أن الكلمة الفصل في هذا الملف تعود لشخصين اثنين، هما مدير مكتب الأمن العسكري بتندوف و شنقريحة بزيرالـدا، ما هي خيارات الجزائر إذا ثبت أن غويلي قد لا يعود و إن عاد فلن يعود كما كان؟ وتبقى الخيارات أمام الجزائر محدودة، في مسألة الخلافة هاته. فقيادات البوليساريو الموجودة، لم تعد تلبي معايير الجزائر في قيادة هذا المشروع الاسترزاقي الاستنزافي لخزينة البترول والغاز، وأغلب أعضاء هذه القيادة قد تخطوا السبعين سنة، و لم يعودوا يستوعبون كثيراً ما يجري حولهم من متغيرات وتحولات. و على قدر الاحتقار الذي بات ينظر به إلى هاته القيادات، فإن العسكر بالجزائر يُدرك أن القفز على جيل التأسيس ليس بالأمر السهل، مما قلص السيناريوهات أمامه إلى اثنين فقط، قد يكلفه أحدهما إنزالاً عسكريا جديدا بالمخيمات. أول الخيارات مصطفى سيد البشير، وزير الداخلية الحالي في بوليساريو، الذي لا يخفي رغبته الجامحة في الوصول لمنصب الزعامة في بوليساريو. فقد حاول مرارا تمرير رسائل التزلف والتودد للمخابرات الجزائرية، من خلال قمع المظاهرات واعتقال النشطاء، وحتى تجويع السكان، والتصفية إن لزم الأمر. و كل ذلك سعيا منه إلى إثبات حضوره كشخص يمكن الاعتماد عليه في إدارة المخيم مستقبلا. و مما يعزز فرضية وصوله إلى المنصب، امتداده القبلي الكبير بالمخيم، و تطبيقه الحرفي للتعليمات العسكرية التي تصدر من ثكنة بنعكنون. أما الخيار الثاني والأصعب، فهو عبد القادر طالب عمر، فرغم ثقافته الواسعة، و قدرته خلال عشرين سنة على إدارة المخيم، إلا أنه يفتقد للإسناد القبلي المطلوب لهذا المنصب، كما جرت بذلك العادة. ومما يزيد من حظوظ الرجل، رصيده المعتبر من العلاقات مع الجنرالات و ضباط المخابرات، الشيء الذي قد يدفع الجزائر لتسويقه كخليفة لابن منطقة الرحامنة غويلي، رغم ما يستدعيه الأمر من مرافقة أمنية وعسكرية لهذا الانتقال الصعب. فالعقلية القبلية السائدة بالمخيم، قد لا تقبل بسهولة أن يتولى زعامة البوليساريو شخص من خارج كبريات القبائل التي تؤثر في القرار السياسي للتنظيم. و تبقى الأيام المقبلة وحدها الكفيلة بشرح حقيقة الوضع بالمخيم، بعد اختفاء زعيم الجبهة عن الأنظار، لمدة ثلاثة أسابيع، و هو الذي كان لا يُفوت فرصة إلا وظهر لمناسبة أو من دونها.

صابر ينضم إلى طاقم الزمامرة

حمدان يغيب عن الزمامرة

مقالات ذات صلة