فــيــتــو الإصــلاح الــقــضــائــــي (2/2)

المطالبة بتحسين أوضاع موظفي هيأة كتابة الضبط جاءت مدعومة من أعلى سلطة في البلاد بعد ما يناهر أربعة أشهر من النضال بمختلف أشكاله الذي خاضته النقابة الديمقراطية للعدل، والذي تنوع من إضرابات وطنية إلى وقفات جهوية ووقفة تاريخية أمام البرلمان ُتلي خلالها الدعاء الناصري، وإلى وقفات جهوية بمقرات الخزينة العامة للمملكة، وأخيرا المسيرة الوطنية التي كانت تعتزم النقابة الديمقراطية للعدل تنظيمها بالرباط انطلاقا من قصر العدالة وصولا إلى مقر وزارة المالية، والتي تم منعها بقرار من السلطات المعنية والتي توجت بوقفة تاريخية أمام هذا المقر شارك فيها ما يناهز 2000 موظف وموظفة بهيأة كتابة الضبط، اتضحت الرؤية جليا أمام أعين الجميع. محصلة لما سبق، فإن وزير المالية قد انبرى من جهة سادسة يناهض بشكل علني وعبر المؤسسات الدستورية للبلاد كل محاولة لإصلاح القطاع، معتبرا نفسه رجل الدولة الذي يتحمل كامل مسؤوليته في التوجهات العامة المالية البلاد، وأنه وحده المسؤول عن كل ما قد يؤدي إليه عمله الحكومي من اختلالات في المستقبل، وهو ما نم مرة أخرى عن الحقد الدفين الذي يكنه هذا الوزير للقطاع، وأن دفوعاته لا أساس لها من الصحة، لعدة وجوه:1 – أن المطالبة بتحسين أوضاع موظفي هيأة كتابة الضبط جاءت مدعومة من أعلى سلطة في البلاد، ووفق خطابات ملكية صريحة، وهي السلطة التي ينص الفصل 28 من الدستور على أنه يتوجب على الجميع تنفيذ تعليماتها دون مناقشة، حيث جاء في هذه المادة :" للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش»، وبالتالي فما على وزير المالية إلا الامتثال للأوامر الملكية السامية التي تنهض بمثابة قانون يسري على الجميع.2 – أن مضمون الخطب الملكية المنصوص عليه في الفصل 28 من الدستور قد جاء عاما، وأن مخالفة وزير المالية للفصل 28 من الدستور قد كانت صريحة بعد رفضه لإقتراح الفريق الفدرالي تعديل نص المادة 22 من قانون المالية بما يضمن إخراج القانون الأساسي لهيأة كتابة الضبط، وهو الرفض الذي مكنه منه الفصل 51 من الدستور الذي يعطيه ُمكنة رفض أي تعديل يؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود، وأن موقف السيد وزير المالية الرافض لتطبيق الأوامر الملكية من الممكن أن يفضي إلى تنازع قاعدتين دستوريتين وبالتالي طرح أولوية التطبيق، وهو الأمر الذي قد يقود في مرحلة لاحقة إلى طرح الأمر على المجلس الدستوري ليقول كلمته في واقعة الحال.3 – أنه حتى على فرض صحة طرح وزير المالية، فإن عدد موظفي هيأة كتابة الضبط والذي يناهر 12.000 موظف يبقى ضعيفا إذا ما قورن بأعداد موظفي باقي الوزارات ومنها على الخصوص وزارة المالية والتي تعرف في تدبيرها لميزانية موظفيها سخاء قل نظيره في زمن التقشف والإكراهات الماكرو اقتصادية، وعليه فإنه وبسبب ضآلة عدد موظفي القطاع، فإنه لا زال من الممكن احتواء الوضع والاستجابة لمطالبهم العادلة.4 – أن هيأة كتابة الضبط عانت ولا زالت من مظلومية تاريخية سواء في الجانب المعنوي أو في الجانب المادي، وهي مظلومية قللت من حدتها الخطابات الملكية المنادية بضرورة الأخذ بعين الاعتبار بالأوضاع المادية والمعنوية والاجتماعية لهذه الفئة دون أن تجد لها آذانا صاغية من طرف الحكومة.5 – أن الزخم النضالي الذي عرفته الفترة الممتدة ما بين فاتح شتنبر إلى حد الآن بتأطير من النقابة الديمقراطية للعدل قد زاد من وعي موظفي هذه الهيأة وقوى من تكوينهم النقابي، وبالتالي شكل قفزة نوعية من محطة الاعتراف بالحقوق المشروعة إلى محطة المطالبة بضرورة تفعيل هذا الاعتراف على أرض الواقع، وتمكين هذه الفئة من مطالبها والتي يشكل القانون الأساسي حدها الأدنى.6 - أن وزير المالية وفي محاولة منه لتشتيت الإجماع الذي أضحى يعرفه الملف المطلبي لهذه الهيأة قد لجأ في آخر مناوراته إلى تبني طرح إعداد مشروع يتعلق بمراجعة عامة لمنظومة الأجور بقطاع الوظيفة العمومية، وأن هيأة كتابة الضبط لا يمكن استثناؤها من هذه المراجعة. وكرد على هذا الطرح الجديد نقول ألا يمكن فك ارتباط هذه الهيأة بالوظيفة العمومية من خلال استثنائها بواسطة الفصل 4 من ظهير 24 فبراير 1958 المتعلق بالقانون الأساسي للوظيفة العمومية على غرار رجال التعليم وهيآت التفتيش العام للمالية وأعوان الشرطة وإدارة السجون ورجال المطافئ..... والقائمة طويلة، وبالتالي تمكين هذه الهيأة من وضع يتناسب مع المهام الجسيمة التي تضطلع بها. كذلك فإن الطرح الجديد للسيد وزير المالية يبقى مردودا لعدة أسباب jأتي على رأسها تجربته خلال نفس الحكومة حينما أقرت الحكومة من جانب واحد ورغم معارضة المركزيات النقابية لزيادة في الأجور قالت Yنها ستتراوح بين 10 و 25 في المائة، في حين أن هذه الزيادة لم تتعدى إذا ما اعتمدنا السلم 8 باعتباره السلم الوسط بين جميع السلاليم 150 درهما في الشطر الأول، و48 بالنسبة للشطر الثاني، وهو ما لم يؤد إلى تحسين القدرة الشرائية للموظفين، وكذلك فإن التخفيض من نسبة الضريبة العامة على الدخل والذي تبناه كوسيلة ناجعة للزيادة في القدرة الشرائية قد سار في اتجاه زيادة أجور الطبقة ذات الأجور المرتفعة، في حين لم تنل الطبقات الدنيا – والتي تشكل 40 في المائة من موظفي وزارة العدل - سوى دراهم معدودات أو أنها لم تعرف زيادة تذكر بسبب انحصار مدخولها السنوي في السقف المعفى من الضريبة.إن الاتجاه الذي يسير نحوه الملف المطلبي لموظفي وزارة العدل وفي ظل ارتجال وزير المالية وصم آذانه عن مطالبهم المشروعة التي باركتها الخطابات المولوية السامية غيرما مرة، لا يمكنه إلا أن يسير في اتجاه التصعيد وإبداع أشكال نضالية جديدة كفيلة بضمان الحقوق والاعتراف بخصوصية المهام التي تضطلع بها هذه الهيأة، والتي تفوق بكثير خصوصية بعض القطاعات المنعم عليها من طرف الحكومة والتي تأبي وزارة المالية إلا أن تغدق عليها من الميزانية العامة، يضاف إلى ذلك أن موظفي هذه الهيأة باتوا يقظين أكثر من أي وقت مضى تجاه كل محاولة من طرف الحكومة للالتفاف على مطالبهم والتي شكل ملف الإعانات آخر محطاتها ومستعدين للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل إحقاقها.وأمام عدم الانسجام الذي أصبح يطغى على أداء الحكومة والذي شكل ملف إصلاح القضاء وخاصة منه إصلاح جهاز كتابة الضبط إحدى تجلياته الأخيرة، فإن الأمل يبقى معقودا على تدخل ملكي من أجل إنصاف هذه الفئة التي ظلت لعقود كثيرة ترزخ تحت المظلومية التاريخية، وعندما تاقت إلى رفعها وتخليق مناخها الإداري والمهني وتكريس مبدأ الشفافية داخل القطاع ووجهت بجيوب مقاومة الإصلاح تتربص بها من كل حدب وصوب، ولعل هذا رجاء كل العاملين بالقطاع لكون جلالته شكل ولا زال منذ أن كان وليا للعهد ملاذ المستضعفين في هذه البلاد، وناصرا لهم ضد كل من نصب نفسه رجل دولة بامتياز. بقلم: الجيلالي مكوط: (عضو المجلس الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل)

فــيــتــو الإصــلاح الــقــضــائــــي (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النطق بالحكم في ملف السطو على أراضي الدولة

وزير العدل يحاول تخفيف الاحتقان بالمحاكم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات