ناديـر: التعايـش مـع الوبـاء ضـروري

الخبير المالي قال إن الوصفة الناجعة تقتضي إنعاش الاقتصاد الوطني أكد محمد نادير، الخبير المالي, أن الظرفية الاقتصادية تفرض التعايش مع فيروس كورونا، من خلال احترام التباعد الاجتماعي والإجراءات الوقائية، مع بث روح الدينامية في الاقتصاد الوطني. وأوضح المحلل الاقتصادي أن الوضعية تفرض على الدولة نهج إستراتيجية للتنشيط الاقتصادي، من خلال تقوية الطلب الداخلي في ظل تراجع الطلب الخارجي، والاستغلال الأمثل لموارد صندوق كورونا. في ما يلي نص الحوار: < ما هي مخاطر العودة إلى الحجر الصحي على الوضع الاقتصادي والمالي، في ظل الكلفة الباهظة التي خلفتها الأشهر الثلاثة الأولى من الحجر؟ < مع الانتشار الواسع لوباء كورونا، تم وضع المغرب ضمن لائحة الدول العشرين الأكثر تضررا من الناحية الاقتصادية والمالية، لأن درجة انفتاح الاقتصاد المغربي كبيرة، واعتماده بشكل ملحوظ على المبادلات التجارية، ويستورد معظم حاجياته الطاقية ومواد التجهيز والمواد نصف المصنعة، إضافة إلى المواد الغذائية من قمح وزيوت وسكر. إن المغرب يعاني عجزا تجاريا كبيرا يتزايد سنة بعد أخرى، إذ بلغ في 2019 حوالي 208.99 ملايير درهم، ما يؤكد ضعف تنافسية المنتوجات المغربية، وبالتالي إثقال ميزان الأداءات، والذي تعتمد الدولة في موازنته على عائدات السياحة والعمال المغاربة بالخارج. وقد لوحظ أنه بسبب وباء كورونا، تراجعت تلك المداخيل، كما تقلصت الاستثمارات الخارجية، وتشير المعطيات إلى أن مداخيل الأسفار وتحويلات مغاربة العالم ستتراجع على التوالي بـ70 في المائة و20. < عمق الجفاف الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت المغرب بسبب كوفيد. ما هي انعكاسات هذه الوضعية على ميزانية الدولة؟ < الأكيد أن تزامن انعكاس الحجر الصحي على الوضع الاقتصادي مع الجفاف الذي ميز الموسم الفلاحي لهذه السنة، عمق الأزمة المالية، فالجفاف كان له أثر سلبي على الدينامية الاقتصادية، خاصة بالوسط القروي، حيث تشكل الفلاحة المعيشية المورد الأساسي لعيش السكان، وفي توفير آلاف مناصب الشغل به. وحسب المعطيات الرسمية، فقد كلف الحجر الصحي مليار درهم يوميا من الناتج الإجمالي، كما أثرت على مداخيل الخزينة بناقص مليار درهم، وهي أرقام تؤكد حجم الكلفة التي كانت للحجر الصحي. وللإشارة، فإن الأزمة عصفت باقتصاديات الاتحاد الأوربي الذي يعتبر الشريك الأساسي للمغرب، بحوالي 90 في المائة من المبادلات التجارية والخدماتية والسياحية. وحسب توقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ستعرف البلدان الأساسية للاتحاد الأوربي تراجعا اقتصاديا بنسبة -11.4 في المائة بفرنسا و –11.3 بإيطاليا، وناقص 11.1 باسبانيا. هذه الوضعية الصعبة تفرض على المغرب نهج سياسة تنشيط الاقتصاد، للحد من آثار الجائحة، وهي أمور صعب تحقيقها في ظل الحجر الصحي. إن الظرفية في رأيي، تفرض التعايش مع الفيروس، من خلال احترام التباعد الاجتماعي والإجراءات الوقائية، لكن مع بث روح الدينامية في الاقتصاد الوطني. < يهدد مشكل تراجع مداخيل الضريبة توازن ميزانية الدولة. ما هي تداعيات الإعفاءات على الموارد؟ < المغرب لا يتوفر على موارد مالية كافية يتحصل عليها من تصدير مواد أولية أو طاقية، لذلك تبقى المداخيل الضريبية أساسية في إعداد الميزانية وتحتل مكانة مؤثرة في السياسات الاقتصادية والمالية، خاصة في ظرفية تهيمن عليها تداعيات الجائحة. وفي هذا الصدد، سيؤثر التباطؤ الاقتصادي على تطور موارد الميزانية العامة. وحسب قانون المالية التعديلي لسنة 2020، ستعرف الموارد العادية انخفاضا بنحو 17.38 في المائة، بفعل تداعيات الجائحة، كما ستنخفض الموارد الجبائية ب18.59 في المائة. وتبعا لهذه الوضعية، فإن المغرب سيعرف خلال السنة الجارية تراجعا في معدل النمو بناقص 5 في المائة، كما أن عجز الميزانية سيبلغ ناقص 7.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ما سيجعل مستوى المديونية الداخلية والخارجية في ارتفاع مستمر. < ما هي التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة هذه الوضعية الصعبة؟ < عملت الحكومة على اتخاذ إجراءات، من ضمنها تأجيل مواعيد التدابير الاستثنائية المتعلقة بالتسوية التلقائية للوضعية الجبائية للخاضعين للضريبة، كما مددت آجال الاتفاقيات المتعلقة بإنجاز برامج السكن الاجتماعي، وتخفيض واجبات التسجيل المطبقة على اقتناء عقارات معدة للسكن بنسبة 50 في المائة للمساكن التي تقل عن 2.5 مليون درهم، وحذف رسوم التسجيل لاقتناء السكن الاقتصادي. كما مددت التسوية التلقائية بخصوص الممتلكات والموجودات في الخارج. وسعت لجنة اليقظة إلى سن إعفاءات لفائدة عدد من القطاعات بهدف المحافظة على مناصب الشغل، والعمل على تنشيط الحركة الاقتصادية. وهذه الإعفاءات والمصاريف الضريبية ستساهم في تراجع مداخيل الضريبة التي ستتضرر حتما ببطء الحركية الاقتصادية وتداعيات الحجر الصحي. < لكن رهان الحفاظ على مناصب الشغل يبرر هذه الإعفاءات؟ < إن المبرر الوحيد الذي سيشفع للقطاعات الاقتصادية التي استفادت من الدعم، هو الحفاظ على مناصب الشغل، والمساهمة في توفير فرص جديدة في القطاعات الأكثر إنتاجا للقيمة المضافة والأكثر ابتكارا، ما سيعمل على تعويض النقص في الموارد الضريبية على المديين المتوسط والبعيد. إن تراجع المداخيل الضريبية خلال السنة الجارية والسنة المقبلة، أمر واقع فرضته الجائحة وظروف الحجر الصحي، لكن هذا لا يمنع من الاستثمار الأمثل لدعم الدولة للقطاع الإنتاجي بصفة عامة، واستثمارات صندوق الاستثمار الإستراتيجي التي ستبلغ 120 مليار درهم، والتي نأمل أن تساهم في دينامية اقتصادية وفي تنشيط الطلب الداخلي، في ظل تراجع الطلب الخارجي، وتحقيق موارد ضريبية إضافية في المستقبل. < ماهي الوصفة الناجعة التي تضمن في الوقت ذاته حفظ صحة المواطن واستمرار النشاط الاقتصادي، وهل نحن بصدد العودة إلى الدولة الاجتماعية؟ < إن الوصفة الناجعة التي تضمن من جهة حفظ صحة المواطن واستمرار النشاط الاقتصادي من جهة ثانية، هي أن تستمر الآلة الاقتصادية في الاشتغال، مع احترام الإجراءات الاحترازية التي تفرضها الجائحة. إن الوضعية الحالية تفرض على الدولة نهج إستراتيجية للتنشيط الاقتصادي من خلال تقوية الطلب الداخلي في ظل تراجع الطلب الخارجي، والاستغلال الأمثل لموارد صندوق كورونا، ودعم القدرة الاستهلاكية للفئات الهشة والفقيرة، ودعم الفئات التي فقدت الشغل، مع ضرورة تنمية صندوق كورونا ، لأن هناك قطاعات استفادت من الاقتصاد الوطني، ولم تساهم بالشكل الكافي في جهود مكافحة كوفيد 19، مثل البنوك والاحتكارات. ويمكن التخلي مرحليا في المدى المتوسط عن بعض المشاريع المكلفة والتي لن يؤثر عدم إنجازها على السيرورة الاقتصادية، وإيقاف استيراد الكماليات التي تستنزف العملة الصعبة، وتشجيع المواد المصنعة محليا تشجيعا لإستراتيجية "صنع بالمغرب"، مع ضرورة إيلاء الأهمية لمواجهة الخصاص المسجل في المواد والتجهيزات الصحية لمواجهة الوباء. إن الدولة الاجتماعية صارت أمرا واقعا، فالدول التي تواجه الجائحة اليوم، والمغرب ضمنها، عليها ألا تخفض الإنفاق العمومي، بل ضخ ما يكفي من الموارد في شرايين الاقتصاد، من أجل الحفاظ على مناصب الشغل وتعزيز الدينامية الاقتصادية. أجرى الحوار: برحو بوزياني

ناديـر: التعايـش مـع الوبـاء ضـروري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجنـس الجماعـي ... متعـة أم انحـراف؟

الموت يطوق أزقة درب السلطان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات