من لذة بطعم الزبيب إلى عذاب يومي لأسر تلجأ إلى القروض وتلاميذ دائخين زمان، كانت الباكلوريا بطعم حلاوة الزبيب.. يستيقظ المرشحون للامتحانات فرحين، وأملهم تذوق حبات التمر وشرب الحليب البارد، مع ختم وجبة الإفطار بحفنة من الزبيب اللامع، الذي يسرع الكسالى إلى التهامه، فتسيقظ أذهانهم لاسترجاع المعلومات، كأن جنيا أشعل فيها عود ثقاب، بالمقابل يخفيها المجتهدون إلى وقت الشدة، خاصة الحصة الزوالية، حين يصاب الجسد بتعب التفكير وحل المعادلات الرياضية والفيزيائية. وفي ما مضى، كان الحصول على شهادة الباكلوريا بداية مرحلة جديدة، فالطالب إما أن يتوجه إلى الجامعة أو يجتاز بعض المباريات للالتحاق بمؤسسات خاصة محصورة العدد تنتهي بحصوله على عمل. أما الآن، فالشهادة بداية معاناة وحيرة للناجحين، خاصة من ذوي التخصصات العلمية والتقنية، بين المؤسسات الخاصة العليا أو السفر إلى الخارج، وكلهم أمل على أن يستكملوا دراساتهم العليا في تخصصات تضمن لهم الولوج إلى سوق الشغل من بابه الواسع. فاطمة، تلميذة حصلت على الباكلوريا في السنة الماضية، ومازالت نادمة على سوء اختيارها، فقد اختارت مؤسسة عمومية في مدينة صغيرة، لأن الكلفة المالية التي تتطلبها الدراسة في المؤسسات الخاصة لا تقوى الأسرة عليها، علما أن الهاجس الذي كان يخيم عليها هو ضمان تكوين في المستوى، والحصول على دبلوم يحظى بثقة المقاولات والمؤسسات المغربية الكبرى، سواء في القطاع العام أو الخاص. مع نهاية كل سنة، ومباشرة بعد الإعلان عن نتائج الدورة الأولى للباكلوريا، تسارع المدارس إلى طرح عروضها الجديدة وفتح المجال أمام المتفوقين لاجتياز المباريات الخاصة، بعضها يخضع للانتقاء الأولي، اعتمادا على النقط المحصل عليها، إلا أن فاطمة تشير إلى أنها وجميع زملائها واجهوا عدة مشاكل بعد الحصول على شهادة النجاح، ومنها شروط المعدل التي تحطم معنوياتهم وتنسف تفكيرهم في الاختيار الأنسب للشعبة المرغوب فيها، إضافة إلى مشكل غياب آلية واضحة ومعروفة للتواصل بين التلميذ أو وليه والمستشار في التوجيه، إذ تنعدم الظروف المناسبة للاستشارة وتحل محلها طريقة التلقين في أحسن الأحوال. فالموجه يفتقر إلى الآليات المادية للتلقين والإخبار نظرا لأن لكل تلميذ استفساراته وتطلعاته التي تختلف عن تطلعات زملائه، كما أن العدد الكبير للتلاميذ بالنسبة إلى كل مستشار يتعدى العدد المسموح به والمساعد على تسيير الفهم، وهو ما يجعل تدخل الآباء في فرض اختياراتهم حلا لدعم أبنائهم الذين يلجون شعبة لم يجدوا فيها أنفسهم، وهو ما يجعل من تعليمهم العالي مجرد مضيعة للوقت في انتظار الاستسلام لشبح البطالة. وتقول فاطمة إن الحصول على الشهادة مجرد خطوة في ألف ميل، وفي ظل توجيه معطوب لا يهتدي بواسطته آلاف التلاميذ الحاصلين عليها إلى الاختيار الصحيح الذي يناسب شعبهم ومسالكهم والمعدلات النهائية التي حصلوا عليها. وتنجز الأسر دورة كاملة في الدوامة نفسها لحسم موضوع منهك نفسيا واجتماعيا وماليا أيضا، في ظل تواضع نظام التوجيه المدرسي العاجز، مشيرة إلى أن التلاميذ يدفعون ثمن التوجيه الخطأ الذي يعني المغامرة بجيل كامل منهم يذل قصارى الجهد للحصول على شهادة الباكلوريا وبمعدلات مشرفة أحيانا، ثم يجد التلميذ نفسه في وضعية ضياع تنتهي به في أغلب الأحيان في مدرج كلية ذات ولوج مفتوح، ما يعني وضع الخطوة الأولى في مسافة ألف فشل. خالد العطاوي