ريع جمركي لتسمين حيتان الصناعة

رفع الرسوم بـ 60 في المائة على المنتوجات مكتملة الصنع لحماية قلة من الصناعيين والكرة في ملعب البرلمانيين تقترح الحكومة، ضمن تدابير مشروع قانون المالية المعدل، رفع الواجبات الجمركية على المنتوجات مكتملة الصنع من 30 في المائة إلى 40، بعد رفعها في بداية السنة الجارية من 25 في المائة إلى 30، أي زيادة بنسبة 60 في المائة، ما يعني أن أسعار بيع هذه المواد سترتفع، على الأقل، بالنسبة ذاتها، وسيتحمل المستهلك بطبيعة الحال تبعات هذا القرار. وتبرر المذكرة التقديمية للمشروع هذا الإجراء بالحفاظ على الإنتاج المحلي ومواكبة المقاولات المغربية للخروج من الأزمة. لكن هذا الإجراء، الذي يبدو من ظاهره أنه يصب في المصلحة الوطنية، هو في حقيقة الأمر مقتضى يخدم مصلحة فئة معينة من الصناعيين ويسيج إقطاعية لها، من أجل الانفراد بالمستهلك، بعد إقصاء المنافسة الأجنبية، وإخضاعه للأمر الواقع، بحرمانه من البدائل، ما سيضمن لفئات قليلة من الصناعيين الفرصة السانحة لمراكمة ثرواتها. هذه السياسة ليست وليدة اليوم، بل تعود لعقود، إذ أن المغرب سبق أن اعتمد السياسة ذاتها، المتمثلة في تعويض الواردات بالمنتوجات المحلية، منذ سنوات السبعينات، من أجل الحد من نزيف العملات الأجنبية وتمكين الصناعة المغربية من حمايتها من أي منافسة أجنبية لضمان تطورها ونموها وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الخارج لجلب العملة الصعبة. لكن بدل أن تكون الحماية عاملا لتطوير النسيج الصناعي الوطني، فإنها تحولت إلى ريع وعائق لعصرنة آليات الإنتاج وتحسين المنافسة. وهناك عدد من الأمثلة التي يمكن أن تساق في هذا الجانب، فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر قطاع النسيج، فقد استفاد من عدد من تدابير الحماية التجارية وملايير الدعم، من خلال عقود برامج، التي تم توقيعها بين الفاعلين في القطاع والدولة، في إطار الاتفاقية متعددة الألياف، التي تتيح للبلدان اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية صناعة النسيج من التزامات اتفاقيات التجارة العالمية الرامية إلى تفكيك الحواجز الجمركية أمام المبادلات التجارية الدولية. لكن بعد مرور عقود وحلول موعد إلغاء الإجراءات الاستثنائية، اتضح أن وضعية القطاع ما تزال تعاني الهشاشة ولا يقوى الفاعلون فيه على مواجهة المنافسة الدولية داخل السوق المحلية فبالأحرى على الصعيد الدولي، ويعيدون، حاليا، المطالب ذاتها بحماية المنتوج الوطني من المنافسة الدولية، فما الذي استفاده المغاربة من ملايير الدعم التي أنفقت لتأهيل القطاع؟ لا شيء. الأمر نفسه ينطبق على قطاع الاتصالات، إذ أن أسعار خدمات الاتصال كانت مرتفعة جدا، عندما كان السوق تحت هيمنة شركة واحدة، لكن بعد دخول فاعلين أجانب تراجعت الأسعار بشكل ملحوظ وأصبح كل المغاربة يستفيدون من هذه الخدمات بأسعار مقبولة وجودة أحسن، فلو لجأ المغرب إلى الحماية التجارية لظلت الأمور على حالها، كما هو الأمر بالنسبة إلى عدد من القطاعات الأخرى التي تعيش في ظل حماية الدولة. من جهة أخرى، فإن إجراء رفع الرسوم الجمركية يحمل في طياته تناقضا، إذ أن هذا الإجراء، حتى وإن سلمنا أن الهدف منه حماية المنتوج الوطني، فإنه يتعارض مع السياسة الحكومية في إنعاش الصادرات، لأن البلدان التي تأتي منها هذه المنتوجات مكتملة الصنع ستفرض بدورها إجراءات مماثلة، ما سيمثل ضربة قاصمة للمصدرين، ما سيؤدي إلى تراجع ملحوظ للصادرات، وسيلغي الانعكاسات الإيجابية المنتظرة للحد من الواردات على الميزان التجاري. المسؤولية تظل على عاتق البرلمانيين للتصدي إلى هذا الإجراء الذي يتخذ من المصلحة الوطنية حصان طروادة لتحقيق مصالح قلة قليلة من الصناعيين، الذين يرغبون في أن تظل السوق الداخلية حكرا عليهم ولا ينافسهم عليها أحد، خاصة أنه يمنح في غياب أي تعاقد يحدد التزامات المستفيدين من الحماية. فهل سيكون البرلمانيون في مستوى المسؤولية ويطيحوا بهذا الإجراء أو تعديله، أم أن سطوة لوبي الريع أقوى من نواب الشعب؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة. عبد الواحد كنفاوي

ريع جمركي لتسمين حيتان الصناعة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تعذيب طفلة في جلسة خمرية

فرصة العيد

مقالات ذات صلة