«الصباح» رافقت بعضهم ورصدت العديد من الإكراهات والمخاوف المتعلقة بالتقاط عدوى الفيروس في الوقت الذي يوصد فيه المغاربة أبواب منازلهم، درءا لأي تداعيات محتملة لفيروس كورونا المستجد، يجوب عاملو التوصيل ("الديليفري") شوارع العاصمة الاقتصادية المهجورة، دون انقطاع، مسابقين الزمن لقضاء أغراض الزبائن في أسرع وقت ممكن. وعلى الرغم من أن الطلب منقطع النظير على خدمات التوصيل خلال فترة الحجر الصحي الجارية، يزيد من مخاوف التقاط العدوى لدى العاملين بالقطاع، فإن طبيعة شغلهم تحتم عليهم التنقل للعديد من المنازل والأمكنة، مع الالتزام الشديد بعامل الوقت، ما قد يدفعهم لإغفال بعض سبل الوقاية التي تمدهم مؤسساتهم بوسائلها. رافقت "الصباح" بعض مندوبي "الديليفري" خلال جولاتهم اليومية، من أجل تقريبكم من طبيعة عملهم، ورصد مختلف التحديات التي يواجهونها في زمن "كورونا". 40 دقيقة، إنها الحيز الزمني الذي يحظى به عاملو التوصيل لإنهاء كل رحلة. والمقصود بالرحلة هنا، الجولة التي يقوم بها العامل منذ التوصل بالطلبية، إلى غاية تسليمها للزبون. وعلى الرغم من أن هذه المهلة قد تبدو كافية للقيام بالأمر، إلا أن العناوين المبهمة لبعض الزبائن أو المحلات التجارية أو المطاعم (تم استبعادها حاليا من الخدمة) تجعل مهمة التوصيل معقدة جدا، وتتطلب تركيزا فائقا من قبل العاملين، الملزمين في الوقت ذاته باتباع سبل الوقاية لتفادي التقاط عدوى "كورونا". كابوس التسوق تقتصر خدمات عاملي "الديليفري" منذ إغلاق المطاعم، استجابة لإجراءات الحجر الصحي المعلنة بالبلاد، على تسليم طلبيات المخابز، والتسوق للزبناء بالمحلات التجارية الكبرى، أو نقل أغراض شخصية من زبون لآخر. ويقول سفيان، عشريني يشتغل بإحدى شركات التوصيل المعروفة، أن القوائم الطويلة للمنتجات التي يطلبها الزبائن في طلبيات التسوق، تعد كابوسا بالنسبة إلى معظم عاملي التوصيل، ذلك أنهم "يضطرون للتجول مرارا وتكرارا داخل المحلات التجارية الكبرى، بحثا عن كل منتج على حدة، مع تصوير المنتجات المشابهة في حال عدم توفر تلك التي طلبها الزبون، وربط الاتصال معه لاقتراحها عليه والنظر في إمكانية استبدالها"، مضيفا بامتعاض "أما الطوابير الطويلة أمام نقط الأداء، فحدث ولا حرج". ويتابع سفيان حديثه قائلا "رغم أن هذا النوع من الطلبيات، في الغالب، لا يكون خاضعا لعامل الوقت كما هو الأمر للوجبات (يلزم توصيلها قبل أن تبرد)، فإن إنهاء الرحلة في وقت وجيز يسمح لك بتلقي طلبيات أخرى، وبالتالي جني المزيد من الأرباح اليومية، التي تقاس بعدد الرحلات المنجزة"، مشيرا إلى أن مداخيل الرحلات اليومية التي يقومون بها "ليست مهمة كما هو الأمر بالنسبة للبقشيش الذي يجنونه من قبل بعض الزبائن، رغم أن عددا منهم قد لا يعطونهم درهما واحدا، رغم المجهود الكبير الذي يبذلونه للحصول على طلبياتهم". الوقاية..."شحال قدك" من جهته، يقول مروان (اسم مستعار)، وهو طالب يشتغل في المجال ذاته بالموازاة مع دراسته، أنه "مجبر على العمل بنصف دوام في خدمة التوصيل، من أجل توفير مصروفه اليومي ودفع تكاليف المعهد الخاص الذي يدرس به"، مشيرا إلى أنه أصبح يشتغل بدوام كامل، منذ تعليق الدراسة بمعهده بفعل ظروف الحجر الصحي، بغرض إعالة أمه الأرملة وأخيه الصغير خلال هذه الظروف الحرجة. ويستطرد المتحدث ذاته قائلا، وهو يشعل سيجارة خلال وقته المستقطع، بعد أن أوقف دراجته النارية في حديقة بشارع أنفا في انتظار تلقي طلبية جديدة، "لقد سلمتنا الشركة التي نشتغل فيها وسائل الوقاية اللازمة، من معقمات وقفازات وكمامات، وأرسلت لنا دليلا خاصا لكيفية استلام الطلبيات وتسليمها دون تواصل مباشر مع الزبون، كما أزالت خدمة التوقيع الرقمي على هواتفنا (توقيع الزبائن في خانة على هاتف عامل التوصيل، لتأكيد توصلهم بالطلبية) شرطا لإنهاء الرحلة". ويستدرك مروان حديثه قائلا "رغم توفر مختلف وسائل الوقاية، فإن التوقف المتكرر للتدقيق في عناوين الزبائن أو المحلات على الخريطة، والمكالمات التي يتلقاها من مستشاري الهاتف أو الزبناء المتسائلين عن مصير طلبياتهم، يصيبك بالارتباك، ويدفعك في كثير من الأحيان إلى نزع القفازات للتحكم بالهاتف بشكل أفضل، ناهيك عن استحالة تعقيم اليدين في كل مرة تمسك بها منتجا معينا بالمحلات التجارية، أو تلامس سطحا من أسطحها... شحال قدك". دعم مالي للمصابين سجلت "الصباح"، خلال مرافقتها لعملاء التوصيل، إكراهات عديدة ترتبط أساسا بضرورة تسليم الطلبيات في أسرع وقت ممكن، والتعامل بشكل جيد مع الزبناء وأصحاب المحلات التجارية الشريكة، رغم أن بعضهم قد يعاملون مندوبي "الديليفري" باحتقار وعدم احترام، أو يتركونهم ينتظرون لمدة طويلة قبل تسلم أو تسليم الطلبيات. في المقابل، يحرص مشغلو العاملين في هذا القطاع على تحفيزهم وحثهم على الالتزام بسبل الوقاية، من خلال رسائل تشجيعية وتذكيرية يتلقونها عبر هواتفهم، نورد منها "إن التأكيد على بقاء أكبر عدد من السكان داخل بيوتهم من أجل منع تفشي الفيروس، أمر مهم للغاية، وأنتم تقدمون مساعدات جليلة في سبيل تحقيق ذلك، فبفضل جهودكم، لن يضطر الناس إلى مغادرة منازلهم للذهاب إلى المتاجر، لا سيما كبار السن ومن لديهم أطفال. كما أنكم تساعدون الشركات الصغيرة ومحلات السوبر ماركت والمطاعم على مواصلة عملها وتجنب الإغلاق، لذا نود أن نتقدم لكم بالشكر على الجهود التي تبذلونها والالتزام الذي تبدونه تجاه هؤلاء الناس". أما عن سبل دعم ومساندة مندوبي التوصيل، خلال اشتغالهم بظروف الحجر الصحي، فأشعرت إحدى شركات التوصيل بالمملكة، عامليها، أنها "ستقدم دعما ماليا لمندوبي التوصيل الذين تم تشخيص حالتهم بالإصابة بفيروس كورونا خلال فترة الشفاء التي أوصى بها المختصون، ومدتها أسبوعان". يسرى عويفي