القوص: إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة

قواعد التنفيذ الجبري وضعت لتحقيق التوازن بين مصلحة الدائن والمصلحة العامة للمجتمع (3/1) بقلم: محمد القوص* إن دور القضاء في دولة الحق والقانون، لا يقف عند حد إصدار الأحكام، وإنما يمتد إلى تجسيد منطوق هذه الأحكام على أرض الواقع، وفق مساطر تنفيذ بسيطة وشفافة وبعيدة عن التعقيد استنادا إلى أن الأحكام القضائية، هي عنوان للحقيقة وتنفيذها يعتبر تكريسا وتحقيقا للأمن القضائي داخل كل مجتمع، كما أن قواعد التنفيذ الشكلية منها والجوهرية وضعت لإحداث نوع من التوازن بين مصلحة الدائن والمدين وضمان حصول المحكوم له على حقوقه. حق سلوك مساطر التنفيذ هو حق يضمنه القانون لكل من يحوز سندا تنفيذيا، لأن هذا الحق هو وسيلة لبلوغ ما هو منصوص عليه في منطوق ذلك السند المستوفي لكل الشروط الموضوعية والشكلية التي تجعله قابلا للتنفيذ، وفق ما ينص عليه القانون انسجاما مع مقولة لا أحد يملك الحق في استيفاء حقه من مدينه بنفسه. قواعد التنفيذ الجبري وضعت لتحقيق التوازن بين مصلحة الدائن والمصلحة العامة للمجتمع لأنه من شأن تحقيق هذه المعادلة أن تشيع روح الاطمئنان والثقة داخل المجتمع، خاصة إذا كانت مساطر التنفيذ بسيطة وسلسة، إلا أن الإشكال يطرح عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة أشخاص القانون العام من مؤسسات عمومية وجماعات ترابية، ويتمظهر ذلك الإشكال في عدة صور وحالات، كعدم قيام الإدارة بتنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها داخل أجل معقول أو أنها تلتزم موقفا سلبيا اتجاه ذلك أو أنها تتذرع بأسباب مختلفة للتملص من التنفيذ، كانعدام الاعتمادات المالية الخاصة رغم أن المادة 14 من القانون التنظيمي عدد 13_130 للقانون المالية 2015 نصت على ضرورة تضمين في باب النفقات الاعتمادات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية. كما أن الإدارة المنفذ عليها قد تدعي بأن إعذارات التنفيذ ومرفقاتها قد تمت إحالتها على الإدارة المركزية لاتخاذ ما تراه مناسبا، أو أنها تؤسس موقفها القانوني على فكرة أن المال العام غير قابل للحجز لارتباطه بالمصلحة العامة وحسن سير المرفق العام وضمان استمراريته. ولتحليل هذا الإشكال ومن خلال مقاربة واقعية ومهنية سنعتمد من أجل تحقيق ذلك على محورين، المحور 1 إشكالات تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة من خلال الممارسة الواقعية والمهنية والوسائل المرصودة لتحقيق ذلك، والمحور 2 البدائل والحلول التي يمكن تبنيها للتقليص من ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام القضائية من قبل الإدارة وتحديد المسؤوليات. المحور الأول: الوسائل والطرق المرصودة قانونيا لتنفيذ الأحكام القضائية ضد الإدارة ... إن مبدأ سيادة القانون ودولة الحق يستند إلى مفهوم المشروعية والذي يجد تأصيله في مراقبة القضاء لقرارات الإدارة وما ينتج عن نشاطها، سواء في إطار منظومة قضاء الإلغاء أو القضاء الشامل في سياق مساطر وإجراءات التقاضي، فالمشروعية تعني الامتثال للقانون وتطبيقه من قبل الإدارة ولا تعني تدخل القضاء في أعمالها، بل هي تعبير عن ممارسة السلطة القضائية لمهامها واختصاصاتها بموضوعية وتجرد، والتي تتجلى في البت في الخصومات ورد المظالم وهذا ما عبرت عنه المادة 118 من الدستور والتي جعلت من الحق في اللجوء إلى القضاء حقا دستوريا حتى في مواجهة الإدارة، إلا أنه إذا كانت المشروعية هي بمعناها الجوهري خضوع المؤسسات والمرافق العمومية والجماعات الترابية لأحكام القانون فإنها من جهة أخرى تبقى ناقصة إذا لم يخضع أشخاص القانون العام لما قضت به الأحكام القضائية في حقها، لأنه بالفعل يلاحظ وبالملموس تأخر وتقاعس الإدارة في تنفيذ هذه الأحكام بدون مبررات ومسوغات قانونية، وذلك تحت ذريعة عدم الإدلاء بالنسخة التنفيذية أو أن المسطرة أحيلت على الإدارة المركزية أو عدم وجود اعتمادات مالية أو أن الإدارة تتخذ سلوكا سلبيا من التنفيذ، وهذا التوجه يشكل في حد ذاته امتناعا يخول للمتضرر الحق في اللجوء إلى القضاء لجبر الضرر الناتج عن ذلك، بالإضافة إلى أن هذا الامتناع يمس بهيبة الدولة وبقدسية الأحكام وبمبدأ سيادة دولة الحق والقانون وخرقا واضحا للمقتضيات الدستورية بصريح المادة 126 من الدستور، وهذا ما جاء في حكم المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 3 اكتوبر2018 في الملف عدد 1218_7112_2018 والمنشور بموقع المفكرة القانونية، حيث نص على أن (امتناع الإدارة عن التنفيذ بدون سبب واضح أو مبرر واقعي يعيق التنفيذ من الوجهة القانونية ويمس بقدسية الأحكام الصادرة باسم صاحب الجلالة ويمس بهيبة الدولة)، كما أن الدفع بعدم وجود اعتمادات مالية وبقانون المحاسبة العمومية، على اعتبار أن الاعتمادات المالية الموجودة هي عبارة عن تراخيص من السلطة التشريعية لا يجب تجاوزها إلا في حدود ما يسمح به القانون، هو دفع مردود لأن الأحكام القضائية لها قدسيتها وتتمتع بحجية وقوة الشيء المقضي به كما هو منصوص عليه في صلب المادة 451 من (ق ل ع)، فحجية الشيء المقضي به تتمظهر في كون الحكم القضائي هو قطعي وبات في جوهره ولا يمكن لأطرافه معاودة القضاء بشأن ما قضى به ، وكما يتمتع أيضا بقوة الشيء المقضي به، أي أنه أصبح نهائيا غير قابل للطعن بإحدى طرق الطعن العادية بالإضافة إلى أن الحكم القضائي له الكفاية الذاتية لا يحتاج إلى سند آخر لينتج آثاره، وبالتالي لا يمكن للإدارة أن ترفض تنفيذ الأحكام القضائية استنادا إلى هذا الدفع الذي هو دفع مردود لكل الاعتبارات التي سبق أن بسطناها وهذا ما يستفاد أيضا من مضمون المادة 14 من القانون التنظيمي عدد 13_130 لقانون المالية الصادر بتاريخ 2_6_2015 والتي نصت على أن نفقات التسيير تشمل النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة ولم يقف الأمر عند حد هذا الدفع بل إن الإدارة تتمسك في كثير من الاحيان بكونها مرفقا عموميا وان المال المتعلق بهذا المرفق هو مال عام لا يمكن الحجز عليه وهذا التوجه نادى به بعض الفقه، إلا أنه مجانب للصواب لأنه ليس في القانون أي نص أو مقتضيات تمنع إجراء الحجز على المال العام من منقولات أو عقارات أو غيرها، كما نجد توجها آخر بنى رؤيته على ضرورة تمييز ما بين المال العام والمال الخاص للمرفق العمومي، فأجاز إمكانية الحجز على الثاني دون الأول، في حين أن هذا الرأي بدوره غير مؤسس، لأنه ليس هناك معيار للتمييز ما بين المال العام والمال الخاص بشكل دقيق، وأيضا غياب نص قانوني واضح يقول بهذا التوجه. * مفوض قضائي بفاس

القوص: إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تفاصيل اختلاس أدوية من مستشفى بفاس

تأجيل محاكمة "فراقشية"العونات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات