تعايش المغاربة مع العديد من الأوبئة مثل الكوليرا و"السالمة" وحاولوا السيطرة عليها بالصلاة وقراءة اللطيف تعايش المغاربة، على مر الأزمنة والسنين، مع العديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة، مثلهم في ذلك مثل باقي شعوب العالم. أوبئة، عصفت بالآلاف منهم، لكنها لم تؤد إلى انقراضهم، رغم أن آليات الوقاية منها والتصدي لها والسيطرة عليها، كانت منعدمة في الأصل، وحتى إن وجدت، فقد كانت بدائية للغاية. ومن بين أخطر الأوبئة التي تفشت في المغرب، الطاعون، الذي انتشر في 1742 بداية من فاس ومكناس وزرهون، قادما من الجزائر، قبل أن ينتقل إلى باقي المناطق، ويتسبب في قتل الآلاف وفي إبادة قرى بأكملها، مثلما أكدت العديد من الوثائق التاريخية والكتب، من بينها كتاب "الأوبئة والمجاعات في المغرب في القرنين 18 و19" لمحمد الأمين البزاز. وفي الوقت الذي اعتبر المغاربة أن الوباء، الذي كانوا يطلقون عليه اسم "لموت لكحل"، عقاب إلهي، واجهوه بقراءة اللطيف في المساجد والإكثار من الصلاة، وبصنع "الحجابات" والرقية وبعض الوصفات الشعبية التقليدية، عمدت السلطات إلى التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال إلقاء الجثث المصابة والمتعفنة في حفرة في العراء، مما كان يعرضها لنهش الكلاب والطيور الجارحة، أو من خلال اللجوء إلى الحجر الصحي على المشتبه في إصابتهم بالمرض، بهدف الحد من انتشاره، مثلما فعل المغرب أخيرا مع أبنائه القادمين من الصين، أو من خلال إغلاق أبواب المدن في وجوه الفارين، خوفا من العدوى، مثلما بدأت تلجأ إليه بعض البلدان اليوم، التي شددت إجراءات دخولها على الصينيين خوفا من انتشار فيروس كورونا بين ساكنيها. كان الطاعون يظهر ويختفي في المغرب. وقد ظهر بعد ذلك في طنجة، بعد مرور سنوات طويلة، حين رست سفينة محملة بحجاج، وقيل في رواية أخرى، أمراء من عائلة السلطان، مصابين، في مينائها، لينتشر الوباء في صفوف المستخدمين قبل أن يعم شمال البلاد. وقد تحدثت مصادر تاريخية عديدة عن سقوط 2500 قتيل يوميا بسبب هذا الوباء، في الوقت الذي أشار كتاب "المغرب قبل الاستعمار" لمحمد المنصور، أن المغرب فقد حوالي نصف سكانه، مما أدى إلى ارتفاع أثمنة المواد الغذائية وانقراض العديد من الحرف التي توفي أصحابها، إلى جانب يعض رجالات الدولة من فقهاء وعلماء، خاصة أن المرض لم يكن يمهل صاحبه يوما واحدا. "بــوكــلـــيــب" عرف المغرب انتشار وباء الكوليرا أيضا في 1834، الذي أطلق عليه المغاربة اسم "بوكليب"، وحصد أرواح الآلاف منهم، بعد أن تفشى فيهم بسبب المجاعة وغلاء المواد الغذائية واضطرارهم إلى أكل "الجيفة" والموتى. وقد ذكر في مخطوطة "الابتسام عن دولة ابن هشام"، لأبي العلاء إدريس عبد الهادي التازي، التي وصفته بأنه "ريح ما سمعوا به، قاتل من حينه، ويسمونه عندنا في المغرب بأسماء الكوليرا والريح الأصفر وبوكليب»، في حين أورد البزاز في كتابه المذكور آنفا أن الوباء تفشى في 1831 في مكة، حيث فتك ب12 ألف حاج، قبل أن ينتقل عن طريق الفارين إلى سوريا وفلسطين ومصر وتونس ويدخل المغرب عن طريق الجزائر. وعانى المغاربة أيضا وباء التيفويد، الذي كانوا يسمونه "التيفوس"، الذي دخل البلاد في 1945، وأصاب حوالي 27 ألف شخص، كما عانوا الحمى الصفراء أو "المينانجيت»، التي كانوا يطلقون عليها «السالمة»، إلى جانب العديد من المجاعات التي أدت بدورها إلى أمراض فتاكة حصدت العديد من الأرواح. نورا الفواري