الختان … جدل تاريخي وطبي

مارسه الفراعنة منذ 2400 سنة قبل الميلاد وتبناه النبي إبراهيم وحرب الدراسات حول منافعه وأضراره يثير الختان جدلا بين المختصين سواء من حيث أصله أو فوائده، ففي الوقت الذي ينظر إليه طقسا دينيا، ووعدا من الرب حسب عقيدة اليهود، وتمسك به المسلمون في ما بعد، يرى علماء آثار أن الختان طقس فرعوني، انتشر في العالم عبر مراحل تاريخية. وأوضح رجال دين أن أول من مارس الختان آدم عليه السلام، واستشهدوا بنص ديني في الإنجيل فيه أن آدم لما عصى ربه نذر أن يقطع من نفسه عضوا إذا تاب الله عليه، فلما قبلت توبته وأراد الوفاء بنذره احتار ماذا يصنع، فدله جبريل على هذا الموضع فقطعه. لكن أبناء آدم أهملوا هذه السنة، إلى أن أمر الله إبراهيم عليه السلام بإحيائها. تبقى هذه الرواية موضع شك من قبل علماء الآثار، إذ أن أول ممارسة مدونة للختان في التاريخ وجدت بضريح فرعوني يعود تاريخه إلى 2400 سنة قبل الميلاد، وأن النبي إبراهيم خلال زيارته لمصر أخذ الختان من المصريين واختتن وهو ابن ثمانين سنة بآلة يقال لها "القدوم". ومنذ ذلك الوقت اعتبر الختان حكما إلهيا في اليهودية، خصوصا بعد السبي البابلي، على أساس أن الرب قطع عهدا مع النبي إبراهيم، أن يورث أرض كنعان لليهود، مقابل أن يختتن إبراهيم ويختن جميع الذكور ببيته، وأن الرب تعهد بإظهار قوس قزح عندما تمطر السماء لتذكير اليهود بهذا العهد. ولم يكن الختان حكرا على اليهود، بل انتشر لدى العرب اقتداء بجدهم إبراهيم عليه السلام، إذ في العصر الجاهلي، كان الختان عادة شائعة بينهم، وورد ذكره في الشعر الجاهلي، وكان العرب في جاهليتهم يختتنون اتباعا، خصوصا قبيلة قريش. أما بالنسبة إلى المسحيين فمعتنقو الديانة في مراحلها الأولى، كانوا يختتنون بحكم أصولهم اليهودية، ليتم القطع مع هذا الطقس في ما بعد، عندما اعتبر القديس بولس، الاختتان فعلا يبطل الإيمان بالمسيحية، إذ أن الختان في المسيحية هو ختان القلب لا القلفة. لكن في القرن 19، ظهر الختان في الدول الأنجلوساكسونية، رد فعل سلبي على بعض الممارسات الجنسية، سيما الاستمناء، التي كان ينظر لها أنها تتسبب في اختلالات دماغية، ليجد طريقه للانتشار خصوصا بالولايات المتحدة الأمريكية. إلى جانب هذا الجدل التاريخي، تفجر نقاش طبي حول منافع وأضرار الختان، فأنصاره يرون أنه يقي من أمرضا خطيرة، منها التهاب المجاري البولية، والسرطان، كما انتشرت دراسات غير موثقة تفيد أنه يقي من الإصابة بـ"السيدا" والأمراض المنقولة جنسيا. في حين فند المعارضون هذا الطرح، واستشهدوا بدول إفريقية يشتهر فيها هذا الطقس، مع ذلك ترتفع فيها حالات الإصابة بمرض "السيدا". وتمسك المعارضون أن للختان أضرارا عديدة، منها احتمال تعرض الرضع لتشوه في أعضائهم التناسلية أو بترها، في حال إسناد المهمة لغير مختص، كما أنه يسبب مشاكل جنسية عديدة، منها القذف المبكر وقلة الإثارة الجنسية بحكم أنه يستهدف الأنسجة الحساسة في القضيب، ما يؤثر بشكل واضح على الإثارة الجنسية. مصطفى لطفي الإسلام شرعه لأهميته في إطار النقاش المتداول حول أهمية الختان، وهل يتوافق مع الشريعة الإسلامية والأمور الصحية، يمكن القول إن الختان سنة إلهية و شريعة سماوية أمر الله عز و جل بها وفرضها على الذكور خاصة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : "إن من سنتي وسنة الأنبياء قبلي النكاح والختان والسواك والعطر". وألف ابن القيم كتابا في أحكام المولود سماه "تحفة المودود في أحكام المولود"، وقد عقد في هذا الكتاب بابا واسعا تكلم فيه عن الختان وأحكامه. إذ تضمن الكتاب أن الختان سنة إبراهيم والأنبياء من بعده ، "روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهِيم عليه السلام بعد ثمانين سنة، واختتن بالقَدوم". وروي أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يولدون مختونين، ثم شرع الله الختان وفرضه على النبي إبراهيم عليه السلام، إذ أجمع العلماء المسلمون على أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال: "كان شرِيعة إبراهيم عليه السلام التوحيد والإخلاص إِلى أن قال ـ و زاده في الحنيفية الختان و قص الشارِب ونتف الإبط و تقليم الأظفار وحلق العانة، وأمره ببناء البيت والحج والمناسك فهذه كلها شريعته". ويظهر لمن تتبع الأحاديث والروايات الواردة في الختان وتدبرها، أن الإسلام إنما حث على الختان وأمر به لما فيه من فوائد صحية وآثار وقائية كبيرة، فهو يحث على ضرورة الإسراع في ختان الصبي و ينهى عن تأخيره بشدة، و يصرح بأن في تأخيره ضررا على الفرد و المجتمع و البيئة، إذ الختان تنتج عنه الطهارة والنظافة و هما ـ كما هو واضح ـ من الأسس المهمة للصحة والسلامة . وفي ما يتعلق حول الحكمة من مشروعية الختان، فيرجع ذلك إلى أن الرجل لا يتمكن من الطهارة من البول إلا بالختان، لأن قطرات من البول تتجمع تحت الجلدة فلا يُؤمن أن تسيل فتنجس ثيابه وبدنه. ولذلك كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يشدد في شأن الختان. ومن خلال تعاليم الإسلام وحثه على الختان يتبين فوائده الصحية، وهو ما يتوافق مع التوجيهات الطبية التي أكدت ما جاء به الإسلام. م. ب

الختان … جدل تاريخي وطبي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رسالة رياضية: درس الحكامة

"طاس" تفتح ملف عموتة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات