أفارقة يغزون قناطر البيضاء

حولوها إلى قلاع جديدة بعد احتراق مخيمهم واحترفوا نشاطات مشبوهة لجمع المال توهم الجميع أن الأفارقة المقيمين بطريقة غير شرعية، بمحيط المحطة الطرقية أولاد زيان بالبيضاء، انتهى أمرهم بعد احتراق مخيمهم بكامله، لدرجة أن سكان المنطقة رفعوا أيديهم حمدا وشكرا لله، واعتقدوا أن معاناتهم وجدت طريقها أخيرا إلى الحل، بعد أن ضاقوا ذرعا بتصرفاتهم وضجيجهم، الذي يستمر إلى ساعات متأخرة من الليل. لكن بعد أيام من احتراق المخيم، ظهر الأفارقة من جديد، فاحتلوا عددا من المرافق بالمنطقة، أبرزها قنطرة طريق أولاد زيان، لتبدأ فصول جديدة من المعاناة، بل ازدادت أكثر حدة. داخل المحطة الطرقية وجنباتها، انتشر العشرات من الأفارقة المقيمين بطريقة غير شرعية، يبدو من نظراتهم الحنين والحسرة على مخيمهم، الذي قضت عليه النيران بسبب شرارة حرب أهلية نتيجة خلاف حول تعرض شاب مغربي لسرقة هاتفه المحمول. كادت هذه المواجهة أن تتسبب في كارثة لولا الألطاف الإلهية وسرعة تدخل رجال المطافئ. سلوكات مرفوضة ما زالت السلوكات نفسها تخيم على المنطقة، إذ توزع الأفارقة في مجموعات واستمروا في احتراف التسول واستجداء المساعدات، لكن مع حلول الليل، يختفي الجميع باستثناء فئة اعتادت المبيت داخل المحطة الطرقية والحدائق المجاورة لها. كان أول سؤال طرح بعد احتراق المخيم، أين سيقضي الأفارقة الليل، سيما بعد توتر علاقتهم مع سكان المنطقة، والتي وصلت في مناسبات إلى اندلاع مناوشات ومواجهات عنيفة، تدخل الأمن لفضها. لم يتأخر الرد كثيرا، إذ بمجرد القيام بجولة بالمنطقة، تكتشف أن عددا من الحدائق تحولت إلى مقرات لمبيت العشرات منهم، لكن دون السماح لهم ببناء "براكات" لتفادي بداية تشكل مخيم قد يكلف المسؤولين دهرا طويلا لإزالته، ومواجهات غير مرغوب فيها. بعض هؤلاء الأفارقة عاشوا مضايقات من قبل بعض السكان الغاضبين، الذين أجبروهم على البحث عن مكان آخر للمبيت، فكان الاختيار احتلال قنطرة شارع أولاد زيان وقناطر الطريق السيار، واستغلال فضاءات داخل مقبرة أولاد زيان التاريخية. انتشار كاسح في الليل، تحولت قناطر الطريق السيار والفضاءات الخضراء المجاورة لها إلى "فنادق" لعدد كبير من الأفارقة، حيث فضل البعض المبيت على العشب الأخضر بالحدائق المجاورة، وافترشوا الورق المقوى، وتلحفوا بأغطية بالية وقديمة، وبسبب البرد القارس، يغطون كامل أجسادهم، ويتمنون ألا يشهد الليل موجة أكثر برودة، قد تكلفهم حياتهم. أما زملاء لهم، فاحتموا في أسفل القناطر، واستغلوا أرضيتها، مفترشين "الكارطون" وأغطية. اختيارهم هذا المكان لم يكن عشوائيا، بحكم أن مغادرتهم المخيم صادف تهاطل الأمطار، ليتخذوا أسفل القناطر مقرات للمبيت. المبيت في العراء مكلف، إذ يفتح مواجهة مباشرة مع البرد القارس خصوصا أننا في عز فصل شتاء، لكن أكثر ما يخيف هؤلاء، تعرضهم للسرقة أثناء النوم، والسطو على أموال كدوا كثيرا من أجل جمعها عبر التسول وطلب المساعدة، لهذا قرروا تأجير حارس من بني جنسهم مهمته حمايتهم أثناء النوم مقابل مبلغ مالي يساهم الجميع في تسديده. أولاد زيان... "كازينو" صارت قنطرة شارع أولاد زيان مجرد ذكرى للمغاربة، بعد أن احتلت من قبل عدد من الأفارقة. صحيح أنهم لم يمنعوهم صراحة من استغلالها، لكن الخوف من التعرض للأذى وتفادي الإحراج، جعل العديد من الأشخاص يفضلون المغامرة بمراوغة السيارات والشاحنات الكبيرة لضمان عبور آمن للشارع على صعود القنطرة. صارت القنطرة، حسب معلومات توصلت بها "الصباح" لفئة معينة من الأفارقة، أطلق عليهم لقب "الليدر" معرفون بثرائهم نتيجة نشاط مشبوه واحترافهم أنشطة ممنوعة. تحولت القنطرة إلى "كازينو" إفريقي بامتياز، إذ صارت تحتضن جلسات قمار ينظمها إفريقي له مكانة خاصة بين زملائه. انتشر أفارقة على شكل مجموعات يتنافسون في لعب الورق "الرامي"، ويقامرون بكل ما لديهم من مال، كلفهم ساعات من التسول واستعطاف المحسنين. الملاحظ أن الروح الرياضية تغلب على بعضهم، إذ رغم خسارته وإن كانت موجعة، فإنه يتقبلها بصدر رحب، ربما حسب مصادر، هو خوف من عقاب المشرفين على القمار الذين لن يتسامحوا مع أي سلوك متهور، قد يكلفهم حضور الشرطة والبحث عن فضاءات أخرى. معقل المخدرات والفساد تحولت القنطرة إلى وكر لترويج المخدرات بكل أنواعها، والمثير أن زبناءهم أفارقة تصادفهم يوميا بشوارع البيضاء يتوسلون دريهمات معدودات، كما أن الفضاء لم يعد حكرا على الأفارقة، بل تحول إلى قبلة لبعض شباب الأحياء المجاورة، بعد أن صار الأفارقة يسهلون لهم الطريق للحصول على المخدرات. هذه التجارة حسنت مداخيل المشرفين عليها، لهذا لا يتوانون في إحياء ليال ساهرة تحتسى فيها الخمور، وتحضرها مومسات بل حتى قاصرات، وقتها تتحول القنطرة إلى قلعة حصينة يمنع على أي كان الصعود إليها، وإلا سيلقى عقابا عسيرا. العيش الكريم ما زال الأفارقة غير الشرعيين يعانون بالبيضاء، ظروف عيش قاهرة، رغم أن بعضهم نجح في الحصول على عمل، لكن فئة كبيرة منهم حلمها الكبير جمع المال والسفر إلى الشمال للهجرة سرا نحو أوربا. وللتخفيف من هذه المعاناة، دخلت جمعيات مغربية على الخط، إذ تولت إطعامهم ومنحهم الملابس لتفادي البرد القارس، ففي الزوال، يتجمع حشد كبير من الأفارقة حول سيارة، تولى سائقها ومرافقه توزيع أطعمة عليهم، لكن بعض الجمعيات الأخرى ابتكرت حلا جديدا، إذ قامت بمنحهم قسيمات شراء متفاوتة القيمة، لاقتناء كل ما يحتاجونه من سوق ممتاز بالمنطقة، لكن الملاحظ أن العديد منهم يعيدون بيعها بأثمنة بخسة لحاجتهم الماسة إلى المال. مصطفى لطفي

أفارقة يغزون قناطر البيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحوادث الوهمية ... محلات المطالة جزء من اللعبة

فبركة حوادث السير ... الداودي: قانون لا يحقق الردع

مقالات ذات صلة