شـر العيـن … تبريـر الفشـل

المسلمون اعترفوا بها ووضعوا لها علاجا ويؤمنون بأن الإنسان يملك قوى خارقة دخل بعض علماء المسلمين في متاهة لا مخرج منها، عندما شرعوا في تأويل بعض الآيات القرآنية، لتكون متناسبة مع معتقدات وعادات سائدة في المجتمعات الإسلامية، تجعل من الشخص كائنا خارقا، يمكنه التأثير على بني جلدته بواسطة العين، كما أن البعض الآخر اعتمد على بعض الأحاديث، وفسرها بالطريقة نفسها، التي تضفي على الإنسان طابعا خياليا، يمنحها فرصة التأثير على الشخص الذي لا يعجبه، أو يحسده على شيء ما، بشكل سلبي، يسبب له المعاناة، ويؤذيه في صحته، كما لو أن الأمر يشبه قصص الخيال، وأشرطة الرسوم المتحركة، التي يطلق فيها المؤلف عنان خياله. ومن الصعب اليوم إقناع جزء كبير من المسلمين، بحقيقة الطابع الخرافي لمسألة العين، خاصة عندما ترتبط بالدين، في سياق تأثر البعض بثقافة جاهزة، صاغها الفقهاء وتغلغلت في المجتمع، إذ بمجرد ما تطرح مسألة العين أو الحسد على بعض المسلمين، يكتفون بالجواب بعبارة "العين حق"، فبالنسبة إليه أن النقاش يتوقف عند هذا الحد، ويعتقد أنه قدم الجواب الشافي والعلمي للمسألة، رغم عدم وجود الظاهرة في الأصل على المستوى الواقعي، خاصة أن مدعي شر العين لا يمكنه إثبات تأثيرها في الواقع، إنما يبقى الأمر في المستوى المتخيل، والعقل الجمعي المتأثر بالخرافة والخيال. ويواجه جزء كبير من المسلمين معضلة حقيقية في عملية التفكير، لعل أبرز أوجهها التسرع في إصدار الأحكام، وعدم إخضاع المسائل للمنطق والمنهجية، فإذا كانت الحاجة في الحكم على الظواهر الإنسانية أو العلمية تقتضي الإخضاع للتجربة والتحليل والدراسة الميدانية، والاستناد على الحالات والشرائح، وتقديم فرضيات وانتظار النتائج التي سيتوصل إليها الباحث بعد كل هذا الجهد، يكتفي المسلم بالعودة إلى التراث الفقهي، وأحيانا لا يقوم بهذه العملية ويكتفي بترديد عبارات ألفها بالسماع، ليسند رأيه، والدفاع عن مسألة ما، معتقدا أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، وينزعج بمجرد مناقشته ومجادلته، معتبرا الجدال في مثل هذه الأمور هو ربما كفر أو خروج عن الأمة. وكرست مسألة الاعتقاد بالعين والحسد في المجتمع، ثقافة أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها غير سليمة ومنحرفة، إذ أصبح الوعي السائد يبرر الفشل بخرافة العين والحسد، إذ من منا لم يصادف في أحيان كثيرة، طالبا أو عاطلا عن العمل يبرر فشله، -الذي يكون غير مرتبط بقدراته أحيانا- بأنه مصاب بأثر العين والحسد، كما عززت هذه الثقافة نظرية المؤامرة، وأفرغت مبادئ المثابرة والتشبث بالفكرة والمسؤولية من معانيها، إذ يخلي المؤمن بهذه الأفكار ذمته من أي مسؤولية، ويجعل نفسه منزها، وأما الفشل أو عدم إدراك المبتغى فلا علاقة للشخص به، وإنما سببه عين الحسود. ويتعجب الشخص الذي لا يملك ثقافة عربية وإسلامية بالخصوص، عندما يفاجئه شخص مسلم، بالثقة العمياء في أن الإنسان يمكن أن يؤثر على بني جنسه بالعين، إذ يتحول المسلم بالنسبة إليه إلى شخص فاقد للصواب ومختل عقليا، أو يعاني مرضا مثل البارانويا، فإذا كان الناس على وجه البسيطة يؤمنون بأن الإنسان لا يملك قوى خارقة، فإن المسلم يتخيل حاسده يملك "أشعة مضرة" في عينيه يؤذيه بها، ويردد بشكل يومي تعويذات لحماية نفسه من العين، ويشغل باله بالاستماع إلى بعض الفتاوى والدروس، في كيفية اتقاء شر العين، بينما هو وقع في شراك الشر الحقيقي، الذي يغرس في دماغه أفكارا من هذا القبيل. عصام الناصيري

شـر العيـن … تبريـر الفشـل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنصغير تعزف بأكاديمية المملكة

3 مغاربة في نصف نهائي "ذو فويس"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات