أيت أرحو: تدبير الزمن البرلماني

بادر المشرع إلى تحديد آجال تفعيل مختلف وظائف البرلمان (التشريعية والرقابية والتقييمية والدبلوماسية)، لتجنب دخول المؤسسة البرلمانية في متاهات تبذير وهدر الوقت والجهد وتداخل الاختصاصات. فمفهوم تدبير الزمن البرلماني يرتبط بالعمل البرلماني ككل، أي في تدبير مختلف وظائف البرلمان. وقد طرحت هذه القضية مسألة مدى تحكم المؤسسة البرلمانية بالزمن المخصص لعملها. فالهدف من تدبير الزمن البرلماني هو معرفة مدى القدرة على إنجاز المهام والأهداف التي جاء من أجلها البرلمان. أصبحت صلاحيات البرلمان تخضع في حالات عديدة لمنطق الزمن مع دخول دستور 2011 حيز التنفيذ أكثر مما كان عليه الأمر في ظل التجارب السابقة. حيث نص على بعضها لأول مرة، سواء تعلق الأمر بتعزيز المسطرة التشريعية الخاصة بالقوانين التنظيمية من خلال الفصل 86، أو إلزامية عرض قانون التصفية سنوبا على البرلمان وذلك بموجب الفصل 76، إلى جانب تخصيص جلسة واحدة كل شهر لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسة العامة وفقا لأحكام الفصل 100 و جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، الفصل101. إلا أن من شأن هذه المستجدات أن تواجه تحديات عديدة، خاصة ما يتعلق بإشكالية عدم التنصيص على الجزاء القانوني أو السياسي عند عدم الانضباط لهذه الآجال المحددة بموجب الوثيقة الدستورية، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام العديد من التأويلات التي ينتج عنها عادة آثار من شأنها التأثير سلبا على جودة العمل البرلماني، وفي مقدمتها ما يتعلق بهدر الزمن البرلماني. يرتبط الزمن البرلماني ارتباطا وثيقا بالعمل البرلماني، ويظهر الزمن البرلماني كمحدد لمدى جودة الأداء التشريعي و النصوص التشريعية، سواء أكانت في شكل مشاريع أو مقترحات قوانين، فعلى مستوى المسطرة التشريعية الخاصة بمشاريع القوانين التنظيمية، فإنه مع دستور 2011 أصبح للزمن حضور قوي ضمنها، وأصبح هذا النوع من القواعد القانونية تخضع لمسطرة خاصة بها، و لمنطق الزمن خاصة على مستوى الإيداع. ويبرز أن الإرادة السياسية للحكومة وكذا فرق ومجموعات مجلسي البرلمان هي التي من شأنها بلورة التأثير، بما يمكن أن ينعكس إيجابا على الأداء التشريعي. عبر مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية. إلا أن المسطرة التشريعية المتعلقة بالقوانين العادية، لا زالت تعرف العديد من الإشكاليات بالرغم من حضور الزمن ضمن مختلف مراحلها، إذ يؤطرها الهاجس السياسي أكثر مما تخضع لمنطق الزمن. فإعطاء الحكومة حرية ترتيب مضامين جدول الأعمال، يجعل البرلمان تحت هيمنتها. لأن إختيار زمن المناقشة قد يحدد مصير المسألة المراد مناقشتها. مما يقتضي إعادة النظر في النظام القانوني المنظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان. وربما يستدعي الأمر من المحكمة الدستورية مستقبلا إعادة النظر في المقتضى الذي يمنح للحكومة أن تسحب أي مشروع قانون في أي مرحلة من مراحل المسطرة قبل تمام الموافقة عليه من قبل مجلس النواب. كما يمكن منح المعارضة بمناسبة مناقشة مشاريع القوانين، وقت أكبر للتدخل والإنصات لها. كما يفرض على المؤسسة البرلمانية عبر فرق ومجموعات الأغلبية، التنسيق مع الطرف الحكومي بخصوص مشاريع القوانين ذات الأصل الحكومي، وكذا مقترحات القوانين، فالإرادة السياسية تلعب دورا كبيرا في الإنضباط وإحترام الآجال المنصوص عليها ضمن القواعد المؤطرة للمسطرة التشريعية. ومن جهة أخرى، نجد أن للزمن تأثير كبير على مشاريع قوانين المالية، بحيث أن هذه الأخيرة تعد أبرز تجلي للزمن ضمن المسطرة التشريعية ككل، على الرغم من الإشكاليات التي تعرفها مشاريع قوانين التصفية، لكن دسترة هذه الأخيرة وتقييدها بآجال ملزمة، جعلها تعرف تطورا بخصوص آجال إيداعها، بالمقارنة مع ما كانت عليه سابقا. و المفروض أن تعطى الأولوية للغرفة الثانية، أو على الأقل منحها نفس الإمتيازات التي تحظى بها الغرفة الأولى. في أمور تعد في الأصل من اختصاصاتها، كقانون المالية الذي يكرس أيضا عدم التوازن في صلاحيات الحكومة والبرلمان، خاصة على مستوى الجزاء، لدا كان لزاما على المشرع تضمين القانون التنظيمي للمالية بمادة تجبر الحكومة على التقيد بالآجال، حتى لا يتعذر معه التصويت داخل الأجل المحدد. فبالنظر إلى طريقة اشتغال مجلسي البرلمان، يبقى الحيز الزمني الممنوح غير كاف. لأن التمسك بالوقت الكافي للتدقيق في بنود المشروع من قبل أعضاء البرلمان أمرا ضروريا ويضفي الجدية على العمل البرلماني. يظهر أيضا أن اعتماد نظام المجلس الواحد وفق مكوناته المتعددة، تجعل من البرلمان يتحكم أكثر في الزمن التشريعي. دون أن ننسى ضرورة أن يكون عدد نقط جدول الأعمال ومحتواه متناسبا مع المدة المتوقعة للدورة الإستثنائية، ولزوم التفكير في آليات جديدة للحد من هدر الزمن من قبل اللجان الدائمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بنصوص قانونية ذات أهمية. حيث يتعين جمع مرحلتي "التقديم والمناقشة العامة" لمشاريع ومقترحات النصوص التشريعية، في مرحلة واحدة يخصص لها إجتماع واحد لأعضاء اللجنة والقطاع الوزاري المعني بالأمر، وذلك ضمانا لحسن تدبير الزمن البرلماني المتعلق بدراسة النص داخل اللجنة الدائمة. كما أن ضبط لحظة إحالة المشاريع والمقترحات، سيساهم بشكل كبير في إستغلال الزمن المخصص للدراسة والتصويت على هذه النصوص التشريعية، وبعد ذلك سيساهم رأي الهيئة الاستشارية في تجويد النص القانوني لا محالة. إضافة الى أن السرعة قد يكون لها تأثير كبير على جودة النص القانوني. ويبقى المثال الحي لهدر الزمن البرلماني يتجلى في تأخير المصادقة على المراسيم بقوانين، بالرغم من ضرورة عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية. ليطرح التساؤل حول القيمة المضافة للإجتماعات التي يتم تنظيمها لدراسة "مشروع قانون يقضي بالمصادقة على مرسوم بقانون"، خاصة أن المقتضيات التي يتضمنها المرسوم بقانون يكون قد سبق دراستها باللجنة المعنية بمجلسي البرلمان، ومن ثم قد يتم إعادة نفس السيناريو من خلال تكرار دراسة تلك المقتضيات القانونية، وبالعودة إلى تقارير اللجان الدائمة، يتضح أن دراسة مشاريع قوانين المصادق بموجبها على مراسيم بقوانين، تعتبر بمثابة عملية تقييم لمدى فعالية هذه الأخيرة ومدى إحترام الحكومة لمضامينه، بالرغم من كون المناسبة يتم تنظيمها أصلا لدراسة مشروع قانون، وليس لدراسة مشروع مرسوم بقانون. و يسمح الإطلاع على الأداء البرلماني من تقييم مدى إستغلال البرلمان لمجاله الزمني، و معرفة ما إذا كان هناك تأثير للزمن على حصيلة البرلمان. حيث نجد أن مشاريع القوانين تتخذ مسالك إعداد واضحة ومنظمة، هذا الأمر يجعلها تحظى بالموافقة والمصادقة، نظرا لدقتها في الجانب القانوني والتقني كذلك، عكس هذا المسار الذي تعرفه مشاريع القوانين، فإن مقترحات القوانين في أغلب الأحيان، لا تحظى بنفس الدقة من الجانب القانوني والتقني، مما يجعل النقاشات فيها تأخذ وقت أطول، هذا الأمر يساهم في بطء المصادقة على هذه المقترحات إلى جانب عوامل أخرى الشيء الذي يؤدي إلى بطء في العملية التشريعية برمتها. فأبرز آلات تحديث العمل التشريعي للمؤسسة البرلمانية، تتجلى في إستعانة الفرق والمجموعات البرلمانية ببيوت الخبرة أو بمراكز للدراسات المتخصصة في مختلف المجالات، مما يؤدي إلى تدبير أفضل للزمن البرلماني، ومن ثم إتسام العديد من هذه المشاريع والمقترحات بالجودة والفعالية، مما سيترتب عنه آثار هامة من حيث حسن تدبير الزمن البرلماني. كما أن توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في العمل البرلماني وخاصة في مجال التشريع، من شأنها أن تؤدي بالمؤسسة البرلمانية إلى التحكم أكثر في تدبير الزمن التشريعي. دون أن ننسى أن تحديد مضمون الأمور الجارية التي تتولى الحكومة المنتهية ولايتها أو المستقيلة تصريفها، من العوامل الأساسية التي تحدد مدى شرعية التصرفات التي تقوم بها هذه الحكومة. فليس هناك ما يمنع ممارسة البرلمان لوظيفته التشريعية بموجب مقترحات قوانين، وذلك درءا منه لهدر الزمن البرلماني، بالرغم من الإشكاليات التي قد يطرحها مواكبة عضو حكومة تصريف الأمور الجارية لإجتماعات اللجنة الدائمة المعنية. إضافة الى أن حسن تدبير الزمن البرلماني يقتضي من الحكومة بإعتبارها طرفا رئيسيا في المسطرة التشريعية، أن تثير الدفع بعدم قبول مقترح قانون لا يدخل ضمن مجال القانون في أجل معقول، والعمل على إحالته إلى المحكمة الدستورية، عند إثارته لأول مرة إذا ما تمسك الفريق أو المجموعة أو العضو البرلماني بذلك المقترح. إن التوظيف السلبي للهاجس السياسي ضمن العمل التشريعي لمجلسي البرلمان، يشكل أحد أبرز معيقات بلوغ الأهداف المنشودة من الزمن البرلماني، بحيث أنه على الرغم من وجود قواعد قانونية ضمن الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، تحدد بشكل أو بآخر الإطار الزمني المنظم للعملية التشريعية، منذ إيداع مشروع أو مقترح النص التشريعي لدى مكتب أحد مجلسي البرلمان إلى غاية التصويت عليه، فإن استحضار الصراعات السياسية بين مختلف الفرق والمجموعات البرلمانية والأعضاء غير المنتسبين بمجلسي البرلمان ، من شأنه أن يفرغ الزمن البرلماني من محتواه ويجعل تأثيره أقل شأنا ممال قد يكون عليه في الظروف العادية . يلاحظ على المستوى العمل الرقابي، أنه ليس هناك تأثير للزمن على آليات الرقابة البرلمانية المثيرة للمسؤولية السياسية، إلا أنه على العكس من ذلك نجد أن هناك حضور قوي له على مستوى آليات الرقابة البرلمانية غير المثيرة للمسؤولية السياسية، خاصة ما يتعلق بكيفية تدبير الأسئلة البرلمانية الشفهية، بحيث تشكل أكبر تحد أمام مجلسي البرلمان، في ظل الضمانات الدستورية الممنوحة للمعارضة البرلمانية، وحرص القضاء الدستوري على ضرورة مراعاة الأعضاء غير المنتسبين. حيث نسجل هدر الزمن المخصص للأسئلة الشفهية، نظرا لتأثير سلوك العضو البرلماني، وعدم تعاطي مختلف القطاعات الحكومية في بعض الأحيان مع الأسئلة الكتابية الموجهة إليها بشكل جدي. و من شأن كل هذا أن يضيع على العمل البرلماني في شقه الرقابي فرص تجويده والرقي به، بالإضافة إلى كون ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إمكانية الدخول في إشكالية انعدام عنصر الفعالية والنجاعة. فرئيس المجلس عليه التأكد من كون السؤال المطروح تتوفر فيه الصبغة الآنية، ليدرج كسؤال آني. كما أن تحديد السقف الزمني المخصص للجلسات الأسبوعية المخصصة للأسئلة الشفهية، يتضح أنه يخص مجلس النواب فقط دون مجلس المستشارين الذي ترك المجال مفتوحا في هذا الصدد. مما يطرح التساؤل حول مدى نجاعة الغلاف الزمني المخصص للجلسة الأسبوعية. فرغم تحديد المدة الأقصى لطرح السؤال والجواب عليه بمقتضي مواد النظام الداخلي، إلا أنه في كثير من الأحيان يمر الأمر بالتوافق فيما بين فرق ومجموعات مجلس النواب من جهة، وأعضاء مجلس المستشارين من جهة أخرى. ويتعين على مجلس المستشارين تحديد هذه المدة ضمن نظامه الداخلي، على غرار مجلس النواب. ولعل أبرز إشكالات العمل الرقابي ما يتعلق بظاهرة تأخر الحكومة عن تقديم الإجابة على الأسئلة البرلمانية بمختلف أصنافها نتيجة كثرة الأسئلة الكتابية الموجهة إليها من طرف العضو البرلماني، مما يجعل منها أسئلة مكررة في أمد قصير، ولتفادي هذا الوضع يكون على عاتق العضو البرلماني تجنب ذلك والعمل على توحيد هذه الأسئلة، لتفادي عرقلة العمل الرقابي وعدم بلوغ التمثيلية البرلمانية لأهدافها. من جهة أخرى، فالعمل الرقابي قد يشهد إشكاليات أخرى مصدرها أعضاء مجلسي البرلمان، يتعلق الأمر هنا بظاهرة الغياب عن أشغال مجلسي البرلمان، وإستغلال بعض آليات الاشتغال لمآرب سياسية، و من شأن ذلك أن يعطي انطباعا سلبيا للمؤسسة البرلمانية. كما يستحسن من العضو البرلماني توجيه الأسئلة الشفهية التي تستهدف أكثر من قطاع وزاري إلى قطاع وزاري واحد، حتى لا تصطدم بالتضامن الحكومي وتوحيد خطابها، مع إستعمال الامتياز الذي يخول للبرلمانيين في توجيه جميع الأسئلة التي تخص السياسة العامة للحكومة إلى رئيس الحكومة. مع أن غياب الجزاء الدستوري عن عدم الإجابة على الأسئلة البرلمانية، يؤدي إلى تراكم كبير في عدد الأسئلة الشفهية المطروحة، الا أن أبرز عائق يعترض السير العادي لجلسات الأسئلة الشفهية، يتمثل في ظاهرة غياب أعضاء الحكومة ممن يستوجب عليهم الحضور إلى جلسات مجلسي البرلمان للإجابة على أسئلة البرلمانيين، الشيء الذي من شأنه هو الآخر أن يتسبب في تراكم الأسئلة الشفهية العادية والآنية المخصصة للقطاع الوزاري المعني. وحرمان مناقشة دراسة النصوص القانونية من مختلف الجوانب، وذلك عن طريق الأفكار والآراء التي قد تفيد في تراكم الخبرة البرلمانية لدى أعضاء مجلسي البرلمان. حيث يترتب عن الغياب نتائج خطيرة على إستقرار العملية التشريعية، مما يضطر اللجان النيابية الدائمة في كثير من المناسبات إلى تأجيل المصادقة على عدد من القوانين سواءا التنظيمية أو العادية. وهو ما يؤدي إلى هدر الكثير من الزمن المخصص لبرمجة الأسئلة الشفهية، و إلى تراكم الأسئلة وتأجيل أشغال المجلس المعني. و قد يتم اللجوء إلى إسباغ وصف طلب "الإحاطة علما" على موضوع ما بينما هو في حقيقته سؤال، مع إستعمال بعض البرلمانيين لآلية الإحاطة علما بكثرة ضمن جلسات الأسئلة الشفهية، نتيجة البث التلفزي الذي يخص هذه الجلسات عكس الجلسات الأخرى. وهو ما يثبته التراجع في إستعمال هذه الآلية بعد توقف البث التلفزي لها. ناهيك عن وجوب إعادة النظر في جهة تحريك الدعوى العمومية، التي لها أحقية فتح تحقيق قضائي يترتب عنه تجميد مسطرة تشكيل لجنة تقصي الحقائق. التي هي رئاسة النيابة العامة عوض رئاسة الحكومة. و يبقى من الضروري توضيح مكان إيداع مستند ملتمس الرقابة لدى رئيس المجلس. إضافة الى أنه يجب أن ننتبه الى أنه يمكن أن يشكل تصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب ضد البرنامج الحكومي مدخلا حقيقيا لهدر الزمن البرلماني، وأيضا، فإن عدم تحديد مدة زمنية للحكومة التي تم تعيينها من قبل الملك، لتقديم برنامجها أمام مجلسي البرلمان ثم التصويت عليه في مجلس النواب، من شأنه أن يفتح الباب أمام تأويلات عديدة يتداخل فيها السياسي بالدستوري. دون أن ننسى أن مسألة الزمن بخصوص طرح الثقة التي تربط الحكومة بمجلس النواب، يتعين معالجتها من الجانب السياسي للنظر في مدى وجود تأثير للآجال المنصوص عليها في الدستور على مسألة الثقة. ويتبين أن الرقابة البرلمانية عرفت تطورا واضحا من الناحية الكمية، وهذا يتضح جليا من خلال الإحصائيات، لكن سؤال جودة تلك الأسئلة يضل مطروحا. كما نسجل عدم إستعمال الأدوات الرقابية الذي خولها الدستور في المجال الرقابي، فرغم النقاش الجاد التي عرفته جلسات الأسئلة الشفهية، والجدال السياسي مع الأغلبية، لم تستطع المعارضة تحريك ملتمس الرقابة وفشلت في تكوين لجان تقصي الحقائق، وبالتالي ما يلاحظ أن عملها ظل بشكل كبير حبيس المشاذات الكلامية. إن إنتقال المؤسسة البرلمانية من اعتماد منطق الكم والعدد إلى منطق الزمن في تنظيم وتدبير العمل الرقابي، يتطلب إعتماد منطق الزمن في تنظيم الأسئلة الشفهية، بحيث سيمكن هذا الإجراء من التركيز على صلب الموضوع، والإستغناء عن الأمور الثانوية. مع التحديد المسبق للقطاعات الوزارية، بالرغم من ضرورة إستحضار عنصر المفاجأة عند توصل مكتب المجلس بالأسئلة الآنية التي تتعلق بأحداث طارئة. كما أن تشجيع الحضور في جلسات الأسئلة الشفهية، ومحاولة إضفاء طابعا حواريا على هذه الأخيرة ، من شأن ذلك مستقبلا أن يفتح المجال أمام تطوير جلسات الأسئلة الشفهية، وإخراج البرلمان من التعامل مع الأسئلة البرلمانية بمنطق السؤال والجواب، دون فتح المجال أمام إمكانية الدخول في مناقشات يشارك فيها مختلف أعضاء المجلس. فالحديث عن وجود آثار إيجابية لإعتماد منطق الزمن في العمل الرقابي، يقتضي بالأساس وجود دوافع ذاتية وشخصية للتغيير في سلوك العضو البرلماني، وذلك من خلال زيادة القدرة على الإحساس بالمسؤولية والإتماء إلى المؤسسة البرلمانية وحرصه الذاتي على زيادة وتطوير أدائها، والعمل من جهة أخرى على إكتشاف مكامن القصور والضعف في أدائه، والقيام بمحاولات جادة لتجاوزها. أما الإكتفاء بأدوات العمل التقليدية في العمل البرلماني، والإعتماد على الحصيلة الكمية والعددية للعمل الرقابي للفرق والمجموعات البرلمانية، فيترتب عن ذلك انعدام عنصر الفعالية والنجاعة. أثبتت الممارسة البرلمانية في مجال تقييم السياسات العمومية أنها لم ترتقي إلى عمق التقييم. حيث تم اللجوء المكثف نحو إستعمال الأسئلة الشفوية التي أضحت عبارة عن إجراء روتيني غير ذي جدوى، نظرا لطبيعة المواضيع والقضايا التي تطرحها وهي في الغالب مكررة وغير قيمة. إضافة الى لجوء الحكومة في كثير من الأحيان إلى حجب المعلومات عن البرلمانيين. و فرض سياسة الأمر الواقع بخصوص طريقة تدبير بعض المشاكل وتبرير فشلها بوجود ظروف قاهرة، مما يطرح السؤال حول نجاعة الوظيفة الجديدة الخاصة بتقييم السياسات العمومية، مع تسجيل ملاحظة في هذا الصدد والتي تتعلق بعدم إشارة النظامين الداخليين لمصير الفرق والمجموعات البرلمانية غير المنتسبة للأغلبية ولا للمعارضة، وكيف سيتم التعامل مع الحصة الزمنية المخصصة لها. وفي ظل غياب سند في الدستور أو في النظام الداخلي لمجلس المستشارين، يسمح له بعدم عقد جلسة أسبوعية وتخصيص اليوم المقرر لها للجلسة الشهرية. مما يفرض ضرورة تدقيق النظام القانوني المنظم لجلسات الأسئلة، إضافة الى أن تقييم السياسات العمومية إنتقلت من لحظة لتبادل الآراء والنقاش العمومي حول بعض القضايا الراهنة التي تهم المجتمع، وكذا لما تمثله من تنزيل فعلي لمقتضيات الدستور الجديد وربط المسؤولية بالمحاسبة وفرصة سانحة للتواصل المثمر بين الحكومة ونواب الأمة ومن خلالهم المواطنين، إلى وسيلة لتصفية الحسابات الحزبية والسياسية، وبعث الرسائل إلى خارج البرلمان، ووسيلة لإستمالة الناخبين. مما يفرض تقنين ممارسة هذه الوظيفة الجديدة للبرلمان المغربي،لأن من شأن كل هذه الإشكالات هدر الزمن البرلماني في غير ما يفترض أن يخصص له. كما يتضح أن العقلنة البرلمانية لها تأثير واضح على تقييم البرلمان للسياسات العمومية من خلال تكريس البنية الكلاسيكية للممارسة البرلمانية التي تعتمد على التوافقات بشكل بدت فيه هذه الوظيفة الجديدة للبرلمان المغربي وكأنها ليست المكان الأساس لممارسة السلطة التشريعية عموما والتقييمية على وجه الخصوص. كما تشكل العمليات الانتخابية إلى جانب القيود الدستورية والقانونية، وسيطرة الإدارة على السياسات العمومية كلها عوامل مؤثرة في عمل البرلمان، تجعل من مهمة التقييم ليست باليسيرة. مما يؤدي الى هدر الزمن البرلماني المخصص لتقييم السياسات العمومية، في ممارسة تقييم شكلي وغير فعال في جانب الممارسة والأداء. إضافة الى أن المشرع المغربي أسس لمبدأ التقييم بإعتباره إنجازا تأسيسيا، لكن دونما تمتيعه بالآليات الدستورية العملية والتطبيقية الازمة. حيث أن تفعيل تقييم السياسات العمومية غاب إلى حد بعيد عن المشرع. إلا أن الطريق إلى التقييم لا يبدو معبدا أمام البرلمان، فالتفوق لايزال لم يحسم بعد لصالح المؤسسة التشريعية. إذ أن الزمن البرلماني على مستوى تقييم السياسات العمومية يظهر مهدورا مع تفعيل متواضع لهذه الآلية الجديدة. فالأداء التقييمي للبرلمان يظهر أنه يعاني الكثير من الإختلالات حيث يمكن تسجيل تقاعس في تنزيل الصلاحية الجديدة المتمثلة في الجلسة السنوية لتقييم السياسات العمومية، التي يظهر فيها التقييم البرلماني محدودا في بعض الجوانب. كما أن الواقع العملي للجلسة الشهرية التي أصبحت کالجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية أفرز عدد جلسات غير متناسب مع معدل جلسة لكل شهر، فقد أصبحت مرتين في الشهر عوض واحدة، فالهاجس الانتخابي يسيطر على كل الفاعلين السياسيين. مع غموض المفهوم من حيث السياسة العامة والسياسة القطاعية، إضافة إلى أن عدم حضور رئیس الحكومة للجلسة الشهرية لا يترتب عنه جزاء أو مسؤولية سياسية. فالحكامة تعتبر مدخلا أساسيا لتحقيق الجودة والفعالية في تقييم السياسات العمومية، دون أن نغفل أهمية توفير الإمكانيات المستقلة للبرلمان، كمسألة حاسمة في كل إصلاح منشود، مع الإهتمام بكفاءة البرلمانيين. حيث يقتضي تطوير البرلمان تمكينه من الوسائل التي من شأتها تفعيل دور البرلمان كمؤسسة دستورية لها الصلاحية الكاملة في إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية، فالبرلمان مطالب بتبني منهجية وأسلوب لأداء وظائفه بفعالية وكفاءة، بطريقة تخدم إحتياجات جميع مكونات المجتمع. وهو ما سيجعله مساهما في نشر وتحقيق الديمقراطية والتنمية والحكامة البرلمانية. يظهر أن رئيس المجلس، سواء تعلق الأمر بمجلس النواب أو مجلس المستشارين، له دور مهم في حسن تدبير الزمن البرلماني. فمن الضروري مقاربة التحديات ضمن مقاربة تتفحص الواقع وتستشرف المستقبل، بل لابد من الإستفادة من التجارب المتقدمة في هذا الاطار على مستوى الدبلوماسية البرلمانية، التي لاتخلو من إشكلات عديدة. فبالنسبة للفرق والمجموعات البرلمانية، نسجل غياب الجزاءات التي يمكن أن تقع على رؤساء الوفود بعد المشاركة في المحافل الدولية والإقليمية سواء في حالة تجاوز الأجل المحدد لتقديم تقرير أو في حالة عدم تقديمه أصلا. فالهدف من وضع جزاءات هو وضع التقارير في وقتها من أجل الإستفادة منها. كما يجب إحترام القيد الزمني المرتبط بتشكيل الفرق والمجموعات، إذ لا يمكن التماطل في الإدلاء بتشكيلها. لأن إحترام الآجال القانونية هو إحترام للعمل المؤسسة البرلمانية، قبل أن يكون حرصا على الزمن البرلماني. أما اللجان الدائمة فإن أهميتها تظهر من خلال عقدها إجتماعاتها خلال كل أيام الأسبوع. حتى أثناء إنعقاد الجلسات العامة، في الحالات التي يحيل فيها المجلس على اللجنة المختصة المسائل المستعجلة قصد دراستها. كما أن مشاريع ومقترحات القوانين لا تحال على الجلسة العامة إلا بعد دراستها باللجنة المختصة وحيازتها على أغلبية أصوات أعضائها. رغم أنه يظهر أن إعطاء الأولوية للجلسة العامة في المناقشة قد يغني الآراء حول موضوع النقاش. لكن اللجنة تعاني إكراهات تحول دون ارتقائها إلى المستوى المطلوب. وما يثير الإنتباه بالنسبة لمجموعات الأخوة والصداقة، هو أن أغلب الوفود لا تقدم أي تقرير في الأجل المحدد، بل إن حتى التقارير التي تكتب لا تتجاوز أدراج المكتب وهو ما يقلل من فائدته ويجعلها دون جدوى، مما يفرض نوعا من ضرورة الإلتزام في هذا الجانب. لكن يظهر أن تأثير عامل الزمن على الدبلوماسية البرلمانية يتجلى بشكل أساسي في ظاهرة الغياب، وبطء العمل البرلماني الذي لا يتماشى مع متطلبات السرعة في مجال الدبلوماسية البرلمانية عامة والسياسة الخارجية على وجه الخصوص. فمقاومة ظاهرة الغياب المشينة بمؤسستنا التشريعية، يحتاج الى إرادة سياسية من رئيس المجلس ومكتبه، وإلحاح من رؤساء الفرق البرلمانية، وحرص من الأحزاب السياسية، ودور إيجابي من وسائل الإعلام و مؤسسات المجتمع المدني والناخبين. كما يستلزم تطوير وسائل إشتغال البرلمان بما يمكنه من مسايرة متطلبات السرعة المطلوبة في مجال السياسة الخارجية مع ما لأهمية الإعلام في الترويج للمواقف الدولية، مما سيمكن الزمن البرلماني من مسايرة متطلبات العمل الدبلوماسي، والقطع مع هدر الزمن البرلماني الناتج عن ظاهرة الغياب بكل ما يتطلبه الأمر من حزم ومسؤولية تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحسن تنظيم لأعمال المؤسسة التشريعية. فالأداء الدبلوماسي للبرلمان سواءا بمجلس النواب أو المستشارين لم يرقى إلى المأمول سواء على مستوى المضمون أو على مستوى السياسة، فالواقع الدبلوماسي لم يستطع مسايرة التوجه الملكي، مما يعكس مدى عدم إدراك أهمية الإنفتاح على الجميع، وأهمية مراعاة المحيط و إدراك المتغيرات الجيو إستراتيجية. فالأداء الدبلوماسي للبرلمان يؤكد أن هناك إعتبارات كبرى وتوجهات سياسية، يبدو أنه لا دور للبرلمان في تحديدها، فهو لا يعدو أن يكون أداة محدودة الإمكانيات لتزيل سياسة دبلوماسية بعينها. فالبرلمان المغربي لا يمتلك استراتيجية واضحة تتحكم في ممارسته للدبلوماسية البرلمانية، وحتى يتسنى له كسب الرهان لا بد من تطوير المؤسسة التشريعية للرقي بأدائها والرفع من مردوديتها. كما ستمكن الدبلوماسية البرلمانية الإلكترونية من تجاوز معضلات الدبلوماسية البرلمانية. تتمثل مختلف مظاهر وأسباب هدر الزمن البرلماني في جوانب قانونية وتنظيمية ومسطرية و سلوكية وأخلاقية. فسر نجاح البرلمان يكمن في مدى تحكمه في الوقت والعوامل المؤثرة فيه. وذلك من خلال إتخاد الإجراءات الضرورية لتحسين الوضع القائم و لو بشكل تدريجي. فالتميز لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وضع معايير لتقييم مستوى الأداء بهدف الوصول الى أعلى مستوى من المردودية والجودة و تحقيق الأهداف العامة. فالإستغلال الأمثل للزمن البرلماني ليس بالأمر المستحيل، بحيث يجب الإستفادة من تقييم تجارب البرلمان، ومتابعة مستوى تطوره، والمقارنة مع التجارب البرلمانية الناجحة، مع تغيير التقاليد والسلوكات السلبية. أضف إلى ذلك أن الممارسة البرلمانية بالمغرب، منذ أول ولاية تشريعية إلى غاية النصف الأول من الولاية التشريعية العاشرة، اتسمت في كثير من الأحيان بهدر الزمن البرلماني المخصص لمختلف أشغالها، هذا الأمر مما لا شك فيه أنه يؤثر سلبا على العمل البرلماني، ففي كثير من الأحيان نجد أن مشاريع ومقترحات القوانين التي تتعرض للتأجيل المستمر داخل مجلسي البرلمان، تخرج إلى حيز الوجود بعد مرور وقت طويل على الظاهرة المراد معالجتها، ومن هنا يطرح التساؤل حول مصير العديد من الظواهر الاجتماعية التي لازالت تنتظر من المشرع أن يجد لها حلا عبر نصوص تشريعية تأخذ حيزا كبيرا من الوقت والجهد. فإذا أمكن القول أنه يمكن تقبل اشتغال القطاعات الوزارية على بعض مسودات القوانين التي تستهدف قطاعات حيوية وفئات من المجتمع، في حيز زمني قد يستمر لعدة سنوات ومع مختلف الفاعلين الذين قد يكون بينهم العديد من أعضاء مجلسي البرلمان، خاصة الأعضاء ذوي الإنتدابات المحلية أو الجهوية، فلا يمكن تقبل هدر الزمن البرلماني. سعيد أيت أرحو: باحث في الدراسات السياسية والدولية، بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والأجتماعية أكدال الرباط.

أيت أرحو: تدبير الزمن البرلماني

قراءة في الزمن البرلماني، وتأثيره على العمل البرلماني، من خلال واقع الممارسة العملية للبرلمان.

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مبروكي: الحرية الفردية في المغرب موجودة ومضمونة ... لماذا هذا الجدل؟

رفيق: الصحراء شرفُ المغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات