حافلات النقل الحضري بالبيضاء… خردة لنقل الآدميين

مستعملوها يعيشون جحيما يوميا تساهم فيه حالتها الميكانيكية وتفاقمه تصرفات المستخدمين وبعض الركاب عشرات الحافلات تجوب يوميا طرقات وشوارع العاصمة الاقتصادية. تؤمن التنقل بين معظم أحياء هذه المدينة المترامية الأطراف. مئات الآلاف من البيضاويين يجدون فيها الوسيلة الأرخص لتنقلاتهم. يقفون في طوابير طويلة، كل صباح وكل مساء، ينتظرونها لتنقلهم إلى مقرات عملهم وإلى حيث يقضون مآربهم. المشهد إلى الآن يمكن أن يبدو طبيعيا، كما هو عليه الحال في أغلب بلدان العالم... لكن يكفي فقط امتطاء واحدة من حافلات هذا الأسطول العرمرم من الحافلات للوقوف على واقع تتحول فيه خدمة النقل العمومي إلى كابوس مؤرق وجحيم يومي يكتوي بنيرانه المستخدمون كما يكتوي به زبائن الحافلات. واقع الأخيرة أكثر بؤسا ويثير الشفقة. قد لا تضطر إلى امتطاء واحدة منها لتقف على هذا البؤس. منظرها الخارجي يتحدث بفصاحة مطلقة عن ترديها واستحالتها إلى خردة لم تعد تصلح لنقل مئات الآلاف من الآدميين يوميا. أدخنتها السوداء ترسم لوحة كئيبة وتؤثث فضاء الشوارع والأزقة حيث تمر بروائحها الخانقة والكريهة. زجاج بعض نوافذ العديد منها مهشم بالكامل؛ وفي أحسن الأحوال تعتريه الشقوق التي خلفها استهدافها بحجارة أحد المشاغبين أو الصعاليك..صباغتها الخارجية استحالت بفعل العبث واللامبالاة والأتربة التي علقت بها إلى مشهد يذكر بتلك المدرعات والآليات العسكرية التي خرجن للتو من أرض معركة حامية الوطيس في ميدان حرب تتطاير أتربته. أبواب الكثير منها لم تعد تستجيب للسائق عندما يضغط على زر إغلاقها؛ فإما أنها تظل مواربة أو لا تنغلق حتى يعالجها السائق نفسه أو موزع التذاكر بيديه...أما جوف هذه الصناديق الفولاذية المتحركة فإنه يكشف تدهورا وترديا أكثر فداحة قد لا يخطر على بال الكثير ممن ترتبط لديهم خدمة النقل العمومي بالتدهور. كراس انتُزعت مساندها. أما تلك التي لم تُنتزع مساندها فتُقتلع أجزاء من تغليفها، أو يصب عليها سائل ما يترك عليها بقعا سوداء. بعض الكراسي لم تنتزع لا مساندها ولا أغشيتها لكنها تحولت إلى أشبه بالمراجيح لا تحتاج إلى من يحركها. أرضيات العديد من هذه الحافلات محفرة، في مشهد لا يفرق في شيء عن الحفر والأخاديد المرسومة على أوجه الطرقات التي تمر منها خطوط حافلات النقل الحضري. مصابيحها التي توفر الإنارة خلال الرحلات الليلية تعرض بعضها، على قلتها للتحطيم.. لا راحة ولا نور. بعض المراهقين اتخذوا من خلفيات الكراسي والجدران الداخلية للحافلات لوحات يرسمون فوقها خربشاتهم أو يخطون فوقها أسماءهم ورسائل مشفرة يتبادلونها في ما بينهم أو يسبون فيها أحدهم أو العالم بأسره...واقع الحافلات البئيس، خاصة حافلات النقل الحضري التابعة لشركة نقل المدينة التي يشرف عليها مجلس مدينة البيضاء، لا يقتصر على حالتها الميكانيكية بل يشمل أيضا ثقافة التعامل لدى بعض موزعي التذاكر. هؤلاء يعتبر بعضهم نفسه، بمجرد أن يتسلم دفتر التذاكر، سيدا للحافلة. فينهر هذه، ويصرخ في وجه آخر، لأنه مده بورقة نقدية من فئة 50 درهما وهو لا يتوفر على «الصرف»، وقد يتحرش بواحدة من زبونات الحافلة، فيرمي في وجهها بكل أنواع عبارات الغزل الدارجة، حتى إن غادرت الحافلة دون أن تعيره انتباها أرسل خلفها سيلا من السب والقذف المليء بالعبارات المستمدة من قاموس الفحش والعهر.سائقو هذه الحافلات، إلا من رحم الله، يتعاملون وكأنهم أرباب لحافلات النقل الحضري، حتى إنهم يقررون في كثير من الأحيان المحطة التي يتوقفون فيها، أو يغيرون أحيانا مسار الخط دون إخبار الركاب. كثيرون منهم لا يتورعون في إرسال سيل دافق من السباب عند أول حركة من راكب أو سائق عربة أخرى يقود بجواره رأى فيها إزعاجا له... أما المتسولون، ومن كلا الجنسين ومن كل الفئات العمرية يجدون في حافلات النقل الحضري الفضاء الأنسب لعرض عاهاتهم وسرد حكايات الأبناء الذين لا معيل لهم أو الأب المريض أو الأم التي على فراش المرض أو مصاريف الدواء المرهقة أو الكراء أو المعيشة... حكايات في غالبها أساليب للنصب والاحتيال على ذوي القلوب «الهشة» وسهلي الانخداع. اللصوص والنشالون بدورهم يجدون في الحافلات الملاذ الأثير والأمن للتفنن في طرق نشل وسرقة كل ما يأتي في طريقهم مستغلين الاكتظاظ الخانق الذي تعرفه أغلبية الحافلات، خاصة في ساعات الذروة.. محمد أرحمني

حافلات النقل الحضري بالبيضاء… خردة لنقل الآدميين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عامل برشيد بالنيابة يستهزئ من مخترع الطائرة

منع دخول 70 طنا من الأغذية الفاسدة المستوردة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات