تخلف الحكومة الموعد، من جديد، مع إصلاح حقيقي للإدارة العمومية، إذ أعاد التأطير العام لميزانية 2020، الكلام الإنشائي نفسه عن إحداث ثورة حقيقية ثلاثية الأبعاد!!، دون أن يلمس المواطن، إلى اليوم، نتائج "الأبعاد السابقة" في حياته اليومية، ناهيك عن معاناة المستثمرين ورجال الأعمال، الذين ضاقوا ذرعا ببيروقراطية إدارية مقيتة تغتال الحلم في مهده. فعكس كل التوقعات، والتوجيهات الملكية التي ظلت تحرص على إدماج الكفاءات والاستعانة بالطاقات الحيوية والشابة واعتماد النجاعة والاستحقاق، لم تتوفر للحكومة الجرأة على تسمية الأسماء بمسمياتها، والقول إن ما يعيق الإدارة المغربية في جميع تراتبيتها ومستوياتها المركزية والجهوية والإقليمية، ليس قلة الموارد المالية والمخططات والبرامج والكفاءات، بل وجود جيل من الكهول والشيوخ، الذين يصرون على فرملة جميع المجهودات، بمبرر الأقدمية والخبرة والمنصب والمسؤولية. إن إحداث ثورة حقيقية في الإدارة لا يحتاج إلى تنظير كبير، بل قرار سياسي واضح لاقتلاع جميع "مسامر الميدة" من الولايات والعمالات والقطاعات الوزارية والمديريات المركزية والمرافق العمومية والمندوبيات والإدارات المحلية، وفسح المجال أمام جيل جديد من الشباب مالك لناصية التواصل وأدوات الاشتغال والمتمكن، إلى حد ما، من الطرق الحديثة للتدبير الإداري، بعيدا عن الأساليب القديمة، التي أكل عليها الدهر وشرب. ولا يفهم عدد من المتتبعين سر التناقض الكبير الذي تقع فيه الحكومة كلما اقتربت من إصلاح الإدارة العمومية وربطه بالإصلاحات الكبرى ومقتضيات التنزيل السليم لميثاق التمركز الإداري، إذ في الوقت التي تحرص جميع التوجهات على تكريس شفافية المرفق العام والتحول الرقمي للإدارة وتعميم الخدمات الرقمية وتيسير ولوج المواطنين والمقاولين لها، تصر الحكومة نفسها على الاحتفاظ بالعقليات القديمة نفسها المقاومة لكل تغيير، والمعرقلة لمناهج التحديث، انطلاقا من خلفية متخلفة مفادها "أنا وبعدي الطوفان". إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقد بينت جميع التجارب السابقة، فشل الرهان على "المعمرين" الإداريين، باعتبارهم مالكي تجربة وخبرة، إذ كلما اقترب الإطار الإداري أو الموظف من سنوات التقاعد، كلما تحول اهتمامه إلى بناء مستقبله الشخصي، بدل بناء مستقبل البلد، وهو الدرس الذي استفادت منه مجموعة من الدول، التي بدأت تؤمن بقدرات الشباب المتعلم على إحداث طفرة نوعية، من أعلى مستويات القرار السياسي والحكومي، وليس الإداري فقط. إن التغيير حق مشروع للمغاربة، من أجل التعايش مع العصر وضمان حظوظ قوية لنموذجهم التنموي المرتقب، ولن يتسنى ذلك إلا بإحداث ثورة في العقليات وأساليب التدبير والتنقيب عن الكفاءات الحقيقية الحاملة للمشاريع النوعية، وليس الفراغ. فلكل عصر جيله. ولكل جيل عقليته. هذه سنة التغيير الذي ما بدل تبديلا.