بن سلامة: الإكراه البدني والغرامة التهديدية

يفرج عن المدين المعتقل إذا ما تنازل الطالب بإرادته المنفردة (الحلقة الثانية) بقلم: ذ. عبد الرحيم بن سلامة * حدد المشرع كيفية توجيه الإنذار للمدين في عدة فصول، وسيما بالنسبة إلى الديون العمومية، والفائدة من توجيهه للمدين هو جعله في حالة مطل عن الأداء يستحق معها الزج به في السجن، إذا لم يستجب للإنذار بأداء الدين أو التراضي معه على حل يرضيه. ثالثا: أن يطلب الدائن اعتقال المدين: يرفع الدائن طلبا إلى وكيل الملك مصحوبا بالإنذار سالف الذكر ينم فيه عن رغبته الزج بغريمه في السجن، وإذاك يوجه وكيل الملك الأوامر اللازمة إلى رجال القوة العمومية من أجل إلقاء القبض على المطلوب إكراهه وفقا للشروط المقررة في تنفيذ الأوامر القضائية. وبما أن طلب اعتقال المدين حق للدائن أعطاه إياه القانون، فبديهي أن يفرج عن المدين المعتقل إذا ما تنازل الطالب عن طلبه بإرادته المنفردة أو بمسعى من المدين نفسه. رابعا- أن يحدد الحكم مدة الإكراه البدني: فقد تعرض المشرع لمدة الحبس في المادة 687 من قانون المسطرة الجنائية وذلك حسب المبلغ المستحق للدائن تحديدا متراوحا بين الحد الأدنى والأقصى لمدة الحبس، مع الإشارة إلى أن أدنى حد للحبس يقدر بيومين وأقصى حد له يقدر بسنتين. هذه أهم الشروط التي يجب توفرها كي ينفذ الحكم بالإكراه البدني، لكن رغم توفر هذه الشروط، هناك حالات استثنائية تحول دون حبس المدين من أجل إكراهه على أداء الدين، منها ما يتعلق بالدين نفسه، ومنها ما يتعلق بالأشخاص المحكوم عليهم: أ- الاستثناءات المتعلقة بالدين: إذا انقضى الدين أو سقط بأي وسيلة من وسائل انقضاء الالتزامات كالإبراء أو التقادم وغير ذلك، فإنه لا يجوز حبس المدين، إذ أن الإكراه البدني في هذه الحالة أصبح غير ذي جدوى، كذلك الحالة التي يحكم فيها بالإكراه البدني، فإن المحكوم عليه لا يمكن أن يوقف مفعوله بأداء المبلغ الكافي لاستيفاء قدر الدين أو بتنازل الدائن الذي سعى لاعتقاله. ب- الاستثناء المتعلق بالأشخاص: تجدر الإشارة إلى أن الإكراه البدني له صفة شخصية، ولا ينفذ إلا على المحكوم عليه شخصيا، فلا ينفذ على ورثته مثلا، كما أن الإكراه البدني لا ينفذ على الأشخاص الاعتباريين، لأن طبيعة الإكراه البدني سالبة للحرية وهو ما لا يمكن تطبيقه على الأشخاص المعنويين الذين خصهم المشرع بعقوبات خاصة كالعقوبات المالية والتصفية والحل، وهناك حالات لا يطبق فيها الإكراه البدني على الأشخاص الذاتيين، وهي حالات نص عليها الفصل 670 من قانون المسطرة الجنائية كالجرائم نظرا لما لهذه الجرائم من صبغة خاصة في حالة الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد، فالمحكوم عليه سيتم بقاؤه في السجن أو سيعدم، وبالتالي سوف لن يبقى هناك حل لتنفيذ الإكراه البدني في حقه، وهناك قيد يتعلق بسبب المحكوم عليه، فقد نص الفصل 676 من قانون المسطرة الجنائية سالف الذكر على أنه: "… لا يمكن المطالبة بتطبيق الإكراه البدني في الأحوال التالية: ‫-‬ في قضايا الجرائم السياسية ‫-‬ في حالة الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد ‫-‬ إذا كان عمر المجرم يقل عن 16 سنة يوم ارتكابه الجريمة ‫-‬ بمجرد ما يبلغ المحكوم عليه 65 عاما…." وهناك القيد المتعلق بالقرابة أو المصاهرة أو الزواج، فبالإضافة إلى الحالات السابقة فلا يمكن الحكم بالإكراه البدني أو تطبيقه إذا كان المحكوم عليه والمحكوم له (المدين والمدان) تجمع بينهما قرابة أو مصاهرة من درجة معينة، وكذلك إذا كان المحكوم عليها بالإكراه البدني في وقت واحد تجمع بينهما رابطة الزوجية، وقد استثنى المشرع هذه الحالات من نطاق الإكراه البدني نظرا للعناية التي أولاها للروابط العائلية والأسرية، حرصا منه على دوام تماسك أواصرها، فمجتمعنا من مميزاته الخاصة أنه لا يزال مجتمعا عائليا من الناحية البنيوية، ولا يجهل أحد مدى تأثير هذه العلائق على كل نواحي حياة هذا المجتمع ذي الجذور العربية الإسلامية. وهناك في الأخير حالة أخرى لا يطبق فيها الإكراه البدني وهي حالة تقادم الدين، وهكذا فإن الديون التي قرر لها المشرع مددا للتقادم يستحيل تطبيق الإكراه البدني بشأنها، فالغرامات المحكوم بها في قضايا جنائية تتقدام حسب القواعد المقررة في الفصل 689 من قانون المسطرة الجنائية، فلا سبيل إلى تطبيق الإكراه البدني بشأنها، وكذلك التعويضات المحكوم بها في إطار الدعوى المدنية التابعة، فإنها تخضع لقواعد التقادم المدني بمرور ثلاثين سنة حسب الفصل 693 من قانون المسطرة الجنائية. تطور مفهوم الإكراه البدني من حيث تطبيق العقاب في البداية علينا إبداء ملاحظة هامة وهي الزج بالغريم في السجن في إطار مسطرة الإكراه البدني فلا يعفيه من أداء الدين للدائن بل يبقى ملتزما به وعالقا بذمته إلى أن يتم أداؤه من قبله إما عن اختيار وطواعية عن طريق الحل السلمي أو بواسطة طرق التنفيذ الجبرية العادية التي مكن سلوكها في ما بعد ومن هذه الطرق الجبرية الحجز التنفيذي على الأموال، منقولات وعقارات حسب أهمية الدين سيما إذا تعلق الموضوع بتحصيل الديون العمومية المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 1‪.‬00‪.‬177 القاضي بها القانون رقم 15‪.‬97 لكن الديون العمومية عرفت مستجدات بخصوص الإكراه البدني، فقد كرس المشرع المغربي من خلال مدونة تحصيل الديون العمومية مبدأ اللجوء للإكراه البدني لحمل المدين على الوفاء بما هو ملزم به، إلا أنه أحاط ذلك بعدة ضمانات، بالمسطرة كانت مجحفة بشكل كبير، حيث أبعد توجيه الإنذار إلى المعني بالأمر، فكانت تحرك بمجرد عدم الاستجابة لأداء الدين العمومية، غير أن الأمور تغيرت منذ صدرت مدونة تحصيل الديون بمقتضى القانون 15‪.‬97 الذي نص على ضرورة اللجوء أولا إلى الطرق الأخرى للتنفيذ الجبري، خاصة الحجز على أموال المدين، وبعد فشل تلك الطرق يتم سلوك مسطرة الإكراه البدني. * قاض مستشار بالمجلس الأعلى "محكمة النقض" أستاذ سابق بالمعهد العالي للقضاء

بن سلامة: الإكراه البدني والغرامة التهديدية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التشريح الطبي يجنب متقاعدا وموظفة الاعتقال

الأمراض المزمنة تستنزف "كنوبس"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات