الإصلاح الديني … تكريس التسامح

مرت عشرون سنة على اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، وهي فترة تبينت فيها بوضوح ملامح سياسة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين، من أجل ترسيخ قيم التعايش والتسامح بين الأديان التوحيدية الثلاثة: الإسلام واليهودية والمسيحية. وواصل الملك محمد السادس نهج أسلافه في ترسيخ خصوصية المغرب باعتباره مهدا للتعايش بين الديانات منذ أزيد من 12 قرنا، وهو الأمر الذي ما زال يحرص على الحفاظ عليه وتعزيزه بإجراءات عملية تساهم في بلورة الخصوصية المغربية. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني قد ترك بصمته في سبيل إرساء السلام في الشرق الأوسط والحوار بين الديانات التوحيدية، كما أنه كان أول رئيس دولة إسلامية يستقبل البابا يوحنا بولس الثاني في الدار البيضاء في 1985، فإن هذه المجهودات ستتعزز في عهد الملك محمد السادس من خلال نموذج متجدد للتعايش والتفاعل بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وهو ما اعترف به ونص عليه دستور(2011)، مما سمح للمغرب بتعزيز تنوعه ووحدته وهويته وعالميته، تحت قيادة الملك محمد السادس ، الذي يعمل باستمرار من أجل حوار الثقافات والأديان وتعزيز القيم التي جلبها هذا الحوار ، من أجل بناء حضارة قائمة على التفاهم بين البشر ، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين، ولذلك فإن "إمارة المؤمنين" هي نموذج في الحكامة الدينية، يحوز أهمية كبرى في توحيد المغاربة و الحفاظ على استقرار الأمة والأمن الروحي لأتباع الديانات الأخرى. أما بخصوص تدبير الشأن الديني في المملكة المغربية فهو يجري بمقتضى عقد البيعة الذي ينص على أن أمير المؤمنين يحمي الملة والدين، ويرتكز على حماية ثوابت الأمة في العقيدة والمذهب والتربية الروحية، وإجراء الحياة العامة على ما لا يناقض الأحكام القطعية الواردة في نصوص الشرع الصحيحة، وانتداب العلماء لتعليم الناس الدين في مختلف المستويات، تيسير الحياة الدينية للناس ببناء المساجد وانتداب الأئمة وتأطير أداء مناسك الحج ومعرفة أوقات الصلاة وإحياء المناسبات الدينية وغيرها. على أساس هذا المقتضى الأول في البيعة، حماية الدين، يختص أمير المؤمنين بتدبير الشأن الديني باعتباره شأنا يهم الأمة كلها ولا يهم تيارا اجتماعيا أو سياسيا دون آخر. وهكذا يتنامى في المملكة المغربية وعي يتعمق مع مرور الوقت لدى الفاعلين السياسيين بأن المنافسة في البرامج لخدمة الشأن العام لا تشمل الحياة الدينية وأن المصلحة العامة بما في ذلك مصلحة التنمية السياسية على النهج الديمقراطي تتماشى مع هذه الخصوصية، وهو ما يفسره وجود مقر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تدبر الشأن الديني في حرم القصر الملكي، وتمثلها في الجهات والأقاليم اثنتان وثمانون مندوبية. كما تستلهم المملكة المغربية استراتيجيتها في مجال الحريات الدينية والتعددية الثقافية من دينامية تجربتها التاريخية العريقة، وثوابتها الدينية الداعية إلى الاعتدال والتسامح، ومؤسستها الملكية الحامية للملة والدين المنفعلة مع المحيط والمواثيق الدولية والأممية. وقد تميز المغرب عبر الأحقاب والأجيال بمزيج من الثقافات والأديان، والشعوب والأعراق، وبرهن عن قدرته في التعامل مع الهجرات المتنوعة، وبذلك تمكنت المملكة، باحترامها للخصوصيات، أن توفر مساحات للعيش المشترك والتلاقح الإنساني. وقد نص دستور سنة 2011 في ديباجته على التنوع الديني والثقافي للمملكة مؤكدا على: "صيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية،الموحدة بانصهار كل مكوناتها،العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". ويعتبر معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، الذي أنشئ بتعليمات من العاهل المغربي محطة مهمة في هذه الإستراتيجية، حيث يستغرق التكوين مدة اثنى عشر شهرا، يلجه من الشباب من كان له حفظ كامل للقرآن وإجازة جامعية بميزة، وتلجه من الشابات من لها حفظ لما تيسر من القرآن مع نفس شروط الشباب في المستوى العلمي، إذ يُعين كل إمام مرشد متخرج في دائرة ترابية يوجد بها مجلس علمي محلي ومندوبية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في تغطية كاملة للتراب الوطني، بمهمة خدمة الأئمة العاملين في المساجد وتأطير المواطنين في كل المتطلبات الدينية. وقد بلغ عدد المغاربة المتخرجين من المعهد لحد الآن 2100 من الأئمة المرشدين و900 من المرشدات، وبلغ عدد المتخرجين الأجانب 1534. يدرس بالمعهد حاليا 1352 طالبا وطالبة. كما أعطى الملك محمد السادس تعليماته بأن تلج المعهد أفواج من الطلبة الأجانب استجابة لطلب دول وهيآت من إفريقيا وأوربا وآسيا، إذ ينتمي الطلبة الأئمة الأجانب إلى السنغال ومالي وغينيا وكوت ديفوار ونيجيريا والغابون والتشاد وفرنسا، وسيستقبل المعهد قريبا طلبة من النيجر والتايلاند. وفي هذا الصدد، جاء انشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة يوم 14 يونيو 2016 لتعكس ترابط الصلات الدينية والاشتراك في العقيدة والمذهب والأسانيد العلمية التي ظلت تحفظها الطرق الصوفية من جهة، ومواجهة التشويش على الهوية العقدية والمذهبية والثوابت الدينية المشتركة في البلدان الإفريقية من جهة أخرى. عزيز المجدوب

الإصلاح الديني … تكريس التسامح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 سنة من الريادة ... دبلـوماسيـة ملكيـة متجددة

عطلة بشروط للوزراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات