تجريم الإفطار قانون استعماري

الباحث ناشيد قال إن الدين تحول إلى عامل لترسيخ الوسواس العصابي قال الباحث سعيد ناشيد إن ارتفاع منسوب التدين في رمضان، مؤشر على أزمة فراغ المضمون الأخلاقي، إذ يحرص العديد من الأفراد على الاهتمام بالشكليات أكثر من ترسيخ المبادئ الأخلاقية. وتحدث الباحث في قضايا الشأن الديني عن بعض المفارقات التي تطبع شهر الصيام، كما اعتبر أن هذه الشعيرة ليست إلزامية وأن تجريم مخالفتها جاء في عهد الاستعمار فقط. < بماذا يمكن تفسير إفراط الناس في التدين خلال رمضان دون بقية أشهر السنة؟ < الملاحظ هو أن رمضان، الذي هو في السياق الإسلامي الشعبي أو التاريخي، يعتبره المسلمون شهر المغفرة والرحمة، يتميز لدى البعض بنوع من المفارقة الملحوظة، إذ من جهة يرتفع منسوب التدين ومظاهره، حيث تمتلئ المساجد بشكل واضح لدرجة الاكتظاظ، كما يكثر البحث عن الفتاوى والاستنجاد برجال الدين من خلال طرح الأسئلة عليهم، سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل الإعلام خاصة الإذاعات والقنوات التلفزيونية، وأيضا بعض مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في المقابل ترتفع مظاهر العنف والملاسنات والاشتباكات اليدوية أحيانا، خاصة خلال الفترة التي تفصل بين صلاتي العصر والمغرب، وترتفع معها الأسعار والغش في التجارة والتحرش، كما تكثر نسبة الدخول إلى المواقع الإباحية حسب إحصائيات مؤسسات متخصصة. < في تقديركم لماذا يتم التركيز على المظاهر وإغفال المضمون الأخلاقي؟ < الإفراط في التركيز على المظاهر يعكس فراغا في المضمون الأخلاقي وأزمة فيه، خاصة عندما نربط الأخلاق بمسألة الوعد والوعيد بمعنى أننا نربطها بغرائز الخوف، فمثلا حينما تسمع الطفل يقول لا أفعل كذا كي لا يعذبني الله. هنا نفرط في أهم مبادئ البناء الأخلاقي التي يجب أن تبنى على الضمير الأخلاقي للفرد، وهي لا تولد معه بل تتشكل من خلال التربية والتنشئة ومناهج التعليم، ولا يجب أن نراهن فيها على ثقافة «العصا» لأن العنف يبني الأخلاق على الخوف، ويجعل الفرد يقوم بالخير لا من أجل ذاته، بل بدافع تجنب العقاب فقط، كما أن حالة الخوف الدائم التي يعيشها الأفراد، هو ما يفسر أن الأشخاص الأكثر تشددا في المظاهر، هم الأقرب إلى الوقوع في أفظع الكوارث الأخلاقية. < ما سر حرص الكثير من المسلمين على ممارسة شعيرة الصيام دون غيرها من الشعائر التي يقع فيها تساهل؟ < لم يكن هذا حالنا، فقديما في الحضارة الإسلامية أو في المستوى الشعبي، لا نجد أي نصوص تشير إلى أن المفطر في رمضان كان يعاقب، إذ لا نعثر في القصص والمرويات على أي شيء من هذا القبيل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المغرب وأجدادنا الذين كانوا يدينون بالإسلام الشعبي البسيط المتساهل مع الأفراد، بل الطريف في الأمر أن قانون تجريم الإفطار العلني في رمضان جاء مع الاستعمار الفرنسي، على عهد المقيم العام الماريشال ليوطي، الذي سن قانونا يلزم فيه المعمرين بعدم الجهر بإفطارهم حتى لا يقع استفزاز بقية سكان المغرب، بمعنى أن هذا القانون استعماري، لكننا لم نستطع التخلص منه بعد استقلال المغرب، وورثناه، ولم نعد نستطيع العودة إلى الوضع الطبيعي الذي كان يرى شعائر الدين تطوعية وغير إلزامية. < كيف ذلك؟ < مثلا نجد في القرآن حين يتحدث عن الصيام وأحكام المرضى والمسافرين يتوقف عند الذين لديهم القدرة على صيامه، فلم يلزمهم به حرفيا إذ يقول "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.. فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ.. وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ.. إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" لاحظ معي عبارة «يطيقونه» وكذلك «التطوع» ومسألة ترك حرية الاختيار، ومع ذلك نجد من يجعل من هذا الطقس شيئا مقدسا، بل يذهب إلى حد رمي من يخالفه بالتكفير. < ما هي مظاهر المفارقات الأخرى التي تصاحب شهر الصيام؟ < هناك مسألة أخرى بالنسبة إلى المرضى الذين لا يقتنعون بفتاوى تجيز لهم الإفطار، بل إن منهم من يطلب من الطبيب فتوى أكثر منها نصيحة طبية، علما أنه إذا لم يكن يستطيع الصيام فلا شيء يلزمه بأن يعرض حياته للخطر، لكن هناك أفرادا لا يستطيعون أن يحيوا دون أن يقحموا الفتاوى في أدق خصوصيات حياتهم، كما أنني أستغرب لبعض الفتاوى التي تحرم استعمال العطور، إذ هناك إجماع غريب حول هاته المسألة لدرجة أن بإمكان المرء أن يتحمل الروائح الكريهة، ولا يتحمل رائحة العطر، أو يتجنب استعمال فرشاة ومعجون الأسنان. هنا يتحول الدين الذي جاء رحمة للعالمين إلى عامل ترسيخ الوسواس العصابي لدى الأفراد. في سطور: - باحث وكاتب مغربي مهتم بقضايا التجديد الديني. - من بين كتبه:» الحداثة والقرآن» و»قلق في العقيدة». أجرى الحوار: عزيز المجدوب

تجريم الإفطار قانون استعماري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الدكالي يفشل في حل أزمة الولادات القيصرية

رمضان... هوس تكثيف العبادات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات