حديث الصباح: حكومة بنكيران بعد 100 يوم من التنصيب

المغاربة يتطلعون إلى المساواة والكرامة ومحاربة الفساد واقتصاد الريع وعدم الإفلات من العقاب إذا كانت الحكومات العربية التي حملها الحراك الشعبي، أو ما بات يعرف بـ»الربيع العربي»، إلى السلطة، تشتغل في ظروف سياسية غاية في التعقيد، على اعتبار أنها تخوض معركة التأسيس في بعده الدستوري (وضع دستور جديد)، كما في بعده السياسي (تحديد طبيعة النظام السياسي)؛ فإن الحكومة المغربية تشتغل في إطار مغاير تماما، إذ لا تحمل أعباء وضع الدستور، ولا تبعات تحديد النظام، فكل مسؤوليتها منحصرة في التطبيق الديمقراطي والسليم للدستور الجديد الذي يمنحها صلاحيات لم تكن لسابقاتها، وهي معركة يسيرة، إذا قورنت بالمعارك التي تواجهها وتخوضها حكومتا تونس ومصر. ومن حسن حظ الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي أنها لا تعمل في فراغ سياسي أو دستوري، ولا تنطلق منه؛ بل تشتغل في إطار الاستمرارية (استمرارية النظام والدولة، والقوانين والدستور)، وهذا الوضع جعلها في أحسن حال، لأن انتظارات المواطنين في المغرب من الحكومة، أكثر تواضعا من مثيلاتها في مصر وتونس، حيث نسبة البطالة والغلاء والجريمة والانفلات الأمني والفقر والتضخم وعجز الخزينة فاقت حدود المعقول والممكن، الأمر الذي يجرد الحكومة المغربية من أي عذر تعلق عليه قصورها أو فشلها. فأي مسار تنهجه الحكومة إذن؟ يمكن التركيز على العناصر التالية:1 ـ إن رئاسة الحكومة (حزب العدالة والتنمية) لم تتخلص من إرث الماضي وثقله، فظل هاجسها التطهر منه وإثبات حسن السلوك والطوية للنظام الملكي الذي نازعته الحكم والشرعية وهددت استقراره عند النشأة الأولى التي جسدتها حركة الشبيبة الإسلامية. لهذا حرصت قيادة الحكومة على التنازل عن جزء من صلاحياتها الدستورية لفائدة الملك، ما يكرس «الملكية التنفيذية». ونزعة «الاستبراء» هذه ستؤثر مباشرة على «التنزيل» الديمقراطي للدستور.2 ـ التراجع في مستويات عديدة سياسية وحقوقية وأمنية واجتماعية، وتكفي هنا الإشارة إلى التالي:أ ـ تعيين امرأة واحدة ضمن التشكيلة الحكومية، بعد أن كن ثماني في آخر حكومة، الأمر الذي اعتبرته الحركة النسائية تراجعا خطيرا يمس المكتسبات التي ناضلت من أجلها، كما يتعارض مع بنود الدستور الذي ينص على مبدأ المناصفة. ب ـ اقتطاع أيام الإضراب، إذ قررت الحكومة اتخاذ إجراءات قانونية أشد صرامة من خلال تقنين الإضراب الذي سيجعل اللجوء إليه أكثر تكلفة، ليس فقط في ما يتعلق بالاقتطاع من الأجور، ولكن بتعريض المضربين إلى الطرد والتشرد، فكيف للحكومة أن تخدم الجانب الاجتماعي، وهي بصدد اتخاذ إجراءات زجرية تضييقية في حق الشغيلة؟ كيف ستتصرف الحكومة في حالة قرر معظم النقابات الدخول في مسلسل تصعيدي يهدد الاقتصاد الوطني بالسكتة القلبية كما يهدد الوضع الاجتماعي بالانفجار؟ج ـ الإفراط في استعمال القوة لمواجهة الاحتجاجات الاجتماعية، علما أن حزب العدالة والتنمية تغذى تنظيميا على هذه الاحتجاجات في السنوات الماضية التي مارس خلالها معارضته لسياسة الحكومات المتعاقبة. وكان من المفروض في الحكومة أن تقدم تجربة نوعية في التعامل مع الاحتجاجات بعيدا عن أسلوب القمع، على اعتبار أن الاحتجاجات لا تخرج عن طابعها السلمي وتظل ملتزمة بمطالبها الاجتماعية. 3 ـ التردد وغياب الجرأة السياسية في التصدي لاقتصاد الريع ومواجهة المنتفعين منه، فقد بادرت رئاسة الحكومة، ممثلة في عبد الإله بنكيران، إلى إعطاء الضوء الأخضر لوزير التجهيز والنقل بنشر لائحة المستفيدين من رخص النقل الخاصة بالحافلات. وقد استبشر المواطنون خيرا بهذه الخطوة، واعتبروها الأولى في مسار الألف ميل، التي ستليها خطوات أكثر أهمية لا تنتهي عند الكشف عن لائحة "صغار" المنتفعين، وإنما تكشف للرأي العام الوطني أسماء المستفيدين من رخص: الصيد في أعالي البحار، المقالع والمناجم الخ، إلا أن شيئا من هذا لم يتحقق حتى الآن، مما برر نعت هذه الخطوة "بالشعبوية".د ـ الحفاظ على الامتيازات والتعويضات الخيالية لفائدة الموظفين السامي، فالحكومة أعلنت على لسان رئيسها أنه لن يخفض هذه الرواتب والتعويضات؛ علما أن خزينة الدولة لا تتحملها بسبب العجز التجاري الذي تعانيه، والذي يهدد المغرب بالانفجار الاجتماعي لأنه ينعكس سلبا على القطاعات الاجتماعية، إذ بلغ العجز التجاري لسنة 2011 ما مبلغه 186 مليار درهم، فهل يعقل أن تظل خزينة الدولة تتحمل الامتيازات والتعويضات لفائدة الموظفين السامين (مثال: نشرت بعض الصحف أن وزير المالية يتلقى تعويضا بمبلغ 600 مليون سنتيم دون احتساب راتبه)؟ كان أولى بالحكومة أن تتصدى للرواتب والتعويضات الخيالية التي تثقل الخزينة العامة، كما كان على وزراء حزب العدالة والتنمية أن يقرروا التنازل عن جزء من رواتبهم، وكذلك نوابه البرلمانيون ليكونوا قدوة في مجال الحفاظ على المال العام.هـ ـ افتعال معارك هامشية لا تخدم الاستقرار السياسي من قبيل محاربة المهرجانات الفنية والثقافية والمطالبة بمنعها، في حين أن المعركة الحقيقية التي ينبغي للحكومة خوضها بشجاعة هي المعركة ضد اقتصاد الريع والتهرب الضريبي والرشوة واستغلال النفوذ.د ـ السعي إلى أسلمة وسائل الإعلام السمعية والبصرية، عبر وضع دفتر للتحملات خارج إطار "الديمقراطية التشاركية". وما ينبغي أن تستحضره الحكومة هو أن التشدد من شأنه أن يدفع جمهور القناتين الأولى والثانية إلى مزيد من هجرتهما نحو الفضائيات الأجنبية، بحثا عن التسلية والمعلومة والفائدة. لقد حافظ المغرب، إلى الآن، على تميزه باختيار التغيير ضمن الاستمرارية. ومن أجل ضمان إنجاح هذا الخيار، يتعين على الحكومة أن تستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين حتى تقنعهم بأن التغيير لا يقتضي بالضرورة تقديم شهداء أو قلب الأنظمة، فالمواطنون المغاربة يتطلعون إلى المساواة والكرامة ومحاربة الفساد واقتصاد الريع وعدم الإفلات من العقاب، لهذا على الحكومة ألا تدفع المواطنين إلى الاقتناع بأن الخيار الثالث الذي سلكه المغرب خيار خاطئ؛ وبالتالي، يبقى خيار الثورة هو الأنسب، خصوصا إذا قدمت التجربة التونسية نموذجا أكثر عدالة وديمقراطية. من هنا يمكن الجزم بأن استقرار المغرب مسؤولية الحكومة التي عليها أن تُنجِح التجربة وتطمئن المواطنين على مستقبلهم. بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث

حديث الصباح: حكومة بنكيران بعد 100 يوم من التنصيب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

زيان يعيد ملفات تازمامارت إلى الواجهة

التحقيق مع المتورطين في كشف راتب غريتس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات